العلف الفكري والبرج الثوري

د. يوسف السعيدي

كنا صغارا... نقلب الصفحات الأخيرة لمجلات مصرية... واخرى لبنانية... لتقع اعيننا على صفحات الابراج الفلكية... وملحمة (انت وحظك)... لعلنا نحظى بمعلومة... تسر الناظر... وتريح الخاطر... للغائب والحاضر..

ولأني هرُبت من الليالي التي لا قعر لها هروب الشجرة إلى جذورها عندما يُضطجع على صدرها.. وانزويت في غرفة النهار متأملاً كبوذي يحرسه الصمت عندما يعانق الضياء، فالأيام مزدحمة بالأوبئة.. والشوارع الأخلاقية مرصوفة بالعيون السيئة.. والبعض يقف على رؤوس أصابعه ليرتفع عن مستوى سطح التفكير.

كانت خلف عيوني عيون فلكي أظل نجماً في دروب السماء، فالسماء لا تسمح للقلب بالصعود على اكتاف الأحلام!!

وإن لم استطع ان أزيد حسنة إلى يومي أو أنقص سيئة فالتسلق يكون إلى أسفل. وإن لم أغضب (لله) فستسحقني حادلة غضب الله، فالصعود لمن يمتلك الزمان والمكان ولا يمتلكه المكان والزمان. وانا في هذا المعبد التأملي والنور الأشقر يتسلل من نوافذ الشمس ليعانقني وإذا بانسان يقف أمامي وكأنه الأرض تحمل ارضاً لأن فمه لا يبصق سوى الفحش المستورد. لقد إخترق ضوضاءة قحفة الصمت وكأن فأراً شرساً يلتهم الزرع والضرع حلقه تحت شعار: (فاز باللذات من كان جسورا).

لقد ألبس الحرام عباءة الحلال وسمح للمنكر أن يتسور بيت المعروف متذرعاَ بأن (للبيت رب يحميه) والحياة يقيسها بالأمتار عندما يقوم بالمسح المصرفي، فالملك العاجل في اليد، والآجل فوق الشجرة وكأن له صلة رحم بمن أقسم (ما من جنة ولا نار ولا معاد وإنما الملك فتلاقفوها يا بني الاسترليني) وعملاً بقانون من اطاع غضبه اضاع أدبه تركتُ طائر الصبر يغفو على سياج الصمت، لأنه عندما تبدأ حرية السخف ونتن المستنقعات تنتهي حرية الرأي والياسمين وبما أني لست من هواة المصارعة وجسم الموما إليه ذو هندسة فولاذية، خرجت أبحث عن مصارع اسياني ليفرز حربته في عنق هذا الثور الإنساني فلم أجده، ولما كانت السماء كتاب كل منجم لهذا تمنيت أن تمتزج القوى العالية الفعالة بالسافلة المنفعلة حتى يتحقق ما أريد، ولكن تعثرت الأمنية عندما قفز بؤبؤ العين ليرى رأس (غاليلو) يتدحرج إلى الآن ليثبت دوران الشمس حول الأرض رغم أنف الثور الذي يحمل الكرة الأرضية وأتباعه خريجي (الاكسفورد) وأخواتها، الذين تَحرس مخادعهم إلى الآن (أم سبع عيون)، ويطردون العفاريت الليلية (بالعفص والملح)، ويؤمنون بأن الإحتقان الصدري يعالج بـ (ورد لسان الثور) !!

 وبما أن الخبز، والجنس، والحلول السياسية، وجوائز (انت وحظك) في برج هذا الثور المقدّس فهو لن يتخلى عن موقعه التاريخي لأنه أول رائد للعولمة، فهذا الثور يوزع من برجه العاجي شراشف السعادة للعشاق وحلولاً للكوارث المالية والصحية. ولكن (المطيرجية) نظموا مسيرات احتجاجية فوق السطوح باعتبار ان الأبراج لأبناء السماء وليست للثيران!. هاتفين أفي عصر الانترنيت وحاملات الموت الأمريكية يعالج مشكلات العالم المعاصرة ثورٌ!!

أفي ليل هذا العصر المشمس بلهيب قضاياه تقف طوابير المثقفين والأميين أمام برج هذا الثور ليمنح من فاته موسم العقل انباءً سارة عن حبيب عائد أو نجاح متميز على صعيد العمل او يعثر لهم على كنز لم يعثر عليه علي بابا والأربعون حرامي. وكاد صراخ (المطيرجية) يسلخ جلد الثور ليصنعوا منه أحذية وحقائب نسائية، ولكن ابتسامة من ثغر ندي ملأت الشاشة عطراً اغرتهم بالهدوء عندما أخرجت الثور من برجه وقدّمته للثيران المستثقفة ليمنحهم (العلف الفكري) علهم يؤمنون بـ (كذب المنجمون ولو صدقوا)..... وقد لا يحظون بفرصة لمطالعة الصفحات الأخيرة.. وابراجهم الثورية....... لمعرفة مكنونات الكون... مهما كان الطعم... واللون... ولله في خلقه شؤون....

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آذار/2012 - 12/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م