كيف يكافح المسلمون معاداة الغرب للقيم الاسلامية؟

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

شبكة النبأ: تكاد أمم وشعوب الارض كافة تختلف بعضها عن بعض، ليس في الشكل فحسب، وإنما في الجوهر، أي بالطرق والمسارات العملية والفكرية التي تحكم حياتهم اليومية أو بعيدة المدى، وتبعا لذلك تختلف منظومة القيم والاخلاق من أمة الى أخرى، فما تعده هذه الامة خرقا فاضحا لطبيعة حياتها، قد يعد أمرا طبيعيا أو مطلوبا في حياة أمة أخرى، لذا ليست هناك مقاييس ثابتة تستطيع أن توحّد القيم بين الامم، فالعلاقات الجنسية والعاطفية في الغرب مثلا، تعد أمرا طبيعيا يمارسه الجميع على نحو مفضوح ومتفسخ، وهم لا يرون في ذلك خرقا او نقصا اخلاقيا او خطورة ما، في حين تعد أمة المسلمين هذه القضية من اخطر ميادين الحياة لهذا وضعت للجنس والعاطفة ضوابط وحدود لا يصح تجاوزها، بل شرعت قوانين واحكام تنظم هذه العلاقة الحيوية في المجتمع بما يحفظ كرامة الانسان وهيبته وحرمته، رجلا كان أم إمرأة.

المادية والقيم الاسلامية

لذا ثمة صراع واضح للعيان بين الغرب والمسلمين، قد يبدو متعدد الأوجه، لكن الغرب يعد سلاح الاقمار الصناعية والافلام المفسدة وتدمير القيم الاخلاقية لدى المسلمين من اهم وسائله وأكثرها تأثيرا على مسارات حياة المسلمين، لما تنطوي عليه هذه الاقمار من خطورة في هذا الجانب.

يقول الامام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في واحد من أهم مؤلفاته، وهو (الافلام المفسدة والاقمار الصناعية): (إن البث عبر -الأقمار الصناعية- ظاهرة خطرة تمس الكيان الاجتماعي للمجتمعات الإسلامية، وهي تحمل إلى المسلمين آخر صرعات المجتمعات الغربية، من الشذوذ في العلاقات الجنسية، والعنف في التعامل، والحياة المادية الصرفة و… وقد أخذ الكثير ينظرون إلى -الأقمار الصناعية- كأمر خطير، لا بد من مواجهته بطريقة الاستئصال كالزائدة الدودية التي لا علاج لها سوى العملية الجراحية).

بهذا الوضوح التام يستقرئ الامام الشيرازي، عمق الخطورة التي تمثلها حرب القيم التي تشنها البلدان الغربية على المسلمين، في محاولة مستميتة لتدمير منظومتهم القيمية والاخلاقية، التي تحميهم من الوقوع في أحضان النمط الحياتي المادي القاتل، ولكن مع ذلك تنطوي هذه الاقمار على جوانب جيدة لابد من استثمارها، بل بات من الصعب على الانسان المعاصر، فردا كان او جماعة، الاستغناء عن تقنيات العولمة التي تتمثل بالاقمار الصناعية، وما تبثه من افكار وصور وانماط حياة مختلفة، يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (إنّ - صحون الأقمار الصناعية- كالتلفزيون والراديو والفيديو، أجهزة يمكن استثمارها في الأمور النافعة ويمكن استخدامها في الأمور الضارة. كما أن الكثير من الأسر الإسلامية التي تعيش في المهجر في الدول الأوربية تستخدم - صحون الأقمار الصناعية- لتعليم أبناءها اللغة العربية أو للاستفادة من بعض المحطات القرآنية التي تبث عبر الأقمار الصناعية. ومثلما يستخدم أعداء الدين هذه الوسائل للترويج للقيم المنحلة والأفكار الهدامة، فبمقدور المسلمين أيضاً استخدامها للهداية والإرشاد).

حلقة الصراع المتواصل

لذا يمكن للمسلمين حقا استثمار الاقمار الصناعية، بما يساعدهم على نشر افكارهم وقيمهم النبيلة، وهو امر لابد من انتهاجه بقوة وتواصل، وفق تخطيط وتنظيم واصرار سياسي واجتماعي وديني لا يقبل التراجع او حتى التردد، يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (بمقدور المسلمين أن يحصلوا على الأقمار الصناعية ويستخدموها لنشر ثقافتهم الإسلامية والترويج للدين الإسلامي في بقاع الأرض. لكن تقاعس المسلمين أدى إلى احتكار الغربيين لهذه الأجهزة واستخدامها في أهدافهم المعادية للقيم والأديان).

لذلك تعد الاقمار الصناعية حلقة الصراع بين الغرب والمسلمين، فهي تمثل الحضارة المادية بكل ما تعني هذه الكلمة، فيما يمثل الاسلام وتعاليمه منظومة القيم الانسانية النبيلة، التي لا تعتدل مسارات الحياة البشرية إلا وفقا لها وهديا بها، لذا يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا الصدد: (إن استخدام الأقمار الصناعية، هو حلقة من الصراع بين الحضارة المادية وبين القيم الإنسانية التي بشر بها الإسلام. فهي تكشف لنا عن مدى ما بلغه هذا الصراع من مستوى في المواجهة السافرة. فبالأمس القريب كان الغربيون يفرضون على العالم الإسلامي احتلالهم العسكري بقوة الجيوش والعساكر، أما اليوم فهو يفرضون على العالم الإسلامي احتلالهم الفكري والقيمي، عبر أجهزة الاتصال المتطورة).

الاستفادة خير من المنع

ولكن طالما أن الحياة المعاصرة لا تستطيع التخلي او التغاضي عن استثمار الاقمار الصناعية لتمشية امور الحياة كافة، فصار من الواضح جدا للمسلمين أن يتعاملوا مع الاقمار الصناعية بجانبها المفيد، وبدلا من ان يكون المسلمون حواضن تستقبل الانحراف المادي عبر الاقمار، فإنهم يجب أن يكونوا بؤر اخلاقية قيمية مشعة، تعلم العالم في الغرب وسواه القيم الانسانية العظيمة، من خلال استخدام الاقمار الصناعية نفسها لتحقيق هذا الهدف الكبير، يقول الامام الشيرازي بخصوص هذا التوجّه بكتابه نفسه: (كان علينا أن نتعامل مع ظاهرة الأقمار الصناعية من هذا البعد، فهي ظاهرة حضارية قبل أن تكون مشكلة سياسية أو قضية أخلاقية. إذ أن الأمم تتقدم حضارياً هي القادرة على فرض وجودها على الأمم المنهزمة والمتخلفة. وليس هناك علاج أفضل من أن يتقدم المسلمون، وأن يشقوا طريقهم في الحياة، ويأخذوا مكانتهم في هذا العالم الواسع، كما كانوا في السابق).

إن تحاشي الاقمار الصناعية بات امرا مستحيلا، لأن الحياة المعاصرة بكل اجزائها وتفاصيلها اصبحت تعتمد على هذه الاقمار، وما تقدمه من تواصل وتلاقح انساني متواصل، في الجانبين العملي والفكري، لذا بدلا من الهروب منها او تجاهلها او منعها، ينبغي أن نتعلم كيف نستخدمها لصالحنا، يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (ليس من المستبعد أن تتطور أجهزة الاستقبال من الأقمار الصناعية إلى أجهزة صغيرة، يمكن وضعها داخل الغرفة التي فيها جهاز التلفزيون أو فوق التلفزيون نفسه. لذا كان لا بد من وضع خطة متكاملة لمواجهة خطر الأقمار الصناعية والأفلام اللاأخلاقية وشبهها. وهذه الرسالة المعنونة بـ (الأقمار الصناعية وقايةً وعلاجاً) كتبت لأجل ذكر طرق المواجهة مع المخاطر الناجمة عن الأفلام غير الأخلاقية المنبعثة من الأقمار الصناعية، التي تنتشر عبر الفضاء ولا تعرف قانوناً ولا حدوداً، والتي تنسف كل فضيلة وتقوى).

إن الحل كما يبدو في العودة الى الالتزام بالقوانين الاسلامية، فهي السبيل الأصح لدرء خطر الافلام المفسدة، بل درء خطر المنهج المادي المتعاظم يوما بعد آخر، لذلك كما يقول الامام الشيرازي في كتابه هذا، نتيجة لالغاء القوانين الاسلامية: (كثرت الأمراض الجسمية والنفسية، وانتشرت الحروب والإنقلابات العسكرية، وتزايدت الجرائم والموبقات، وأخيراً جاء دور المفاسد المترتبة على الأفلام الخلاعية، التي تسبب بالمزيد من القلق والجشع والاضطرابات النفسية، وتستلزم بما تخلفه من آثار ونتائج خلقية: أمراضاً جسمية كالزهري والسفلس والإيدز التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ. لذلك فإن إلغاء القوانين الإسلامية أوجب تبعات لا تحمد عقباها).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آذار/2012 - 11/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م