لا جديد، فلا تزال امريكا تحكم مصر

محمد سيف الدولة

امرت الولايات المتحدة المجلس العسكري بالسماح بسفر المتهمين الامريكان، فقام بدوره بتكليف المستشار عبد المعز ابراهيم بإلغاء قرار منعهم من السفر، الذي كلف بدوره دائرة قضائية جديدة بهذا الامر، فاصدرت القرار المطلوب بعد ان تنحت دائرة المستشار محمد شكري عن نظر القضية. وفي بضع ساعات تم تهريب المتهمين من مصر على متن طائرة عسكرية امريكية وسط ذهول وصدمة جموع المصريين الذين شاهدوا كرامتهم تمتهن امام اعينهم في وضح النهار.

***

ولم تكن هذه هي السابقة الاولى بعد الثورة فلقد عشنا مواقف مشابهة من قبل مثل الصمت امام جريمة قتل جنودنا على الحدود، ومثل الموقف من قرض صندوق النقد، ومثل سيل التطمينات المهينة التي قدمها الجميع لوفود التفتيش الامريكية عن التزامنا بذات المعاهدات والسياسات التي انتهجها نظام مبارك.

***

ولكن الازمة الاخيرة كشفت للراي العام المصري، كثيرا من المستور عن حقيقة العلاقات المصرية الامريكية التي حاول الجميع تجاهلها او تجنب الخوض فيها منذ بداية الثورة : كشفت ان امريكا لا تزال فوق الجميع، فوق مصر والمصريين وفوق الثورة والثوار وفوق الدستور والقانون، وفوق السلطة التنفيذية، ان لم تكن هي السلطة التنفيذية الفعلية في البلاد. و فوق السلطة التشريعية التي التزمت الصمت تماما في الازمة الاخيرة. وفوق السلطة القضائية الضحية الاولى في هذه الازمة.

 ولو اردنا التعبير عن حقيقة هذه العلاقات في صيغ دستورية لكتبنا ان مصر جزء من الشرق الاوسط الجديد وليست جزء من الامة العربية. وان امن مصر القومي جزء لا يتجزأ من الامن القومي الامريكي. وان الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع فيما لا يخالف المصالح الامريكية. وان السيادة للشعب المصري بما لا يتعارض مع السيادة العليا للولايات المتحدة الامريكية. وان نظام مصر الاقتصادي هو النظام الذي ترتضيه وتختاره لنا الولايات المتحدة وفقا لتوصيات صندوق النقد الدولي. وان على الشعب دعم الصناعة الوطنية بما لا يضر بالصناعة الامريكية على شاكلة فلتشتري المنتج المصري ان لم تجد المنتج الامريكي. وهكذا..

وهذا ليس كلاما مجازيا او نوع من المبالغة او التضخيم للامور او التطرف في تناولها، ولكنه للاسف حقيقة الامور على ارض الواقع.

***

وما زاد الطين بلة هو فضح العلاقة غير الشرعية بين المجلس العسكري والقضاء. فلقد اكتشفنا انه لايزال قادرا على اللعب و التدخل والتوجيه والسيطرة داخل اروقته. وهو ما اثار الشك فورا في حجم التدخلات التي تمت منذ بداية الثورة، سواء في محاكمة مبارك ورجاله أو في محاكمة قتلة الثوار. او في تقرير من الذي يحاكَم، ومتى، وعلى اي تهم، وطبيعة العقوبة او البراءة التي يقررها لكل متهم.

ولكن الاخطر من كل ذلك هو العصف بثقة المصريين في نزاهة الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي تمت تحت اشراف لجنة رأسها المستشار عبد المعز ابراهيم صاحب قرار تهريب الامريكان، وهو ما سيلقي ايضا بظلال كبيرة من الشك على نزاهة الانتخابات الرئاسية القادمة.

***

ان الطائرة العسكرية الامريكية التي غادرت مصر مساء الخميس الحزين لم تذهب فقط بالمتهمين الامريكان، بل ذهبت بمزيد من كرامتنا الوطنية وسيادتنا الشعبية. وذهبت بثقتنا في قضاء مصر بعد الثورة. وذهبت بثقتنا في شرعية برلمان الثورة وبثقتنا في شرعية رئيسنا القادم. وقطعت شعرة معاوية الاخيرة مع المجلس العسكري. واخيرا ذهبت بأوهام كل من كان يتصور بان مصر بلدا مستقلا يمكن النهوض بها بدون الاصطدام مع الولايات المتحدة الامريكية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آذار/2012 - 11/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م