البرلمان المدرَّع

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أثار تخصيص مبلغ كبير من موازنة 2012 لشراء سيارات مدرعة لأعضاء البرلمان، جدلا واسعا بين عموم الناس، والأصح اعتراضات كبيرة على هذا الإجراء التشريعي الغريب حقا، إذ لم نطلع على إجراء شبيه به لا سابقا ولا حاضرا، لذا فهو إجراء تشريعي ينم عن سلوك مستفِّز، وغير مبالي بمشاعر العراقيين، ولا بمعاناتهم الكبيرة فيما يتعلق بنقص الخدمات والامن وضعف الاجور والرواتب، مع غلاء يتصاعد بوتيرة متواصلة.

صورة البرلمانيين نتيجة لهذا التخصيص الغريب، تهتز بقوة، على الرغم من أنها مهزوزة أصلا، ولكن هناك تشريعات جيدة اضطلع بها البرلمانيون، لا يستطيع احد إنكارها أو إغفالها، لذا من العدالة بمكان أن نذكّر بالاجراءات والتشريعات التي أنصفت المواطن، حتى لو كانت نسبتها قليلة، إذن هناك بناء تشريعي يصبّ في الاتجاه الصحيح، مثله مثل الانسان الذي يؤسس لبناء بيت أو مشروع ما، ولكن الامر الغريب في هذا الصدد، أن الذي يبني بيد، يُقْدم بغرابة على هدم ما بناه بيده الاخرى، على أن البناء الصحيح هو قليل وبطيء ومتلكّئ أصلا، ولا احد يمكنه تفسير مثل هذا السلوك البرلماني غير المتوازن.

والمشكلة أن مثل هذا التشريع يأتي في توقيت مؤسف وعجيب أيضا، حيث أَزهقت المفخخات والتفجيرات عشرات الارواح، ومئات الجرحى من الشعب العراقي، فيما يشرّع البرلمانيون تشريعا يتيح لهم بالتحوّل الى برلمان مدرّع بالكامل؟ تاركين المواطنين العزل في عراء الاسواق والاهداف الضعيفة، عرضة لأذراع الارهاب التي لا ترحم احدا، ولا تفرق بين هدف مدني بريء، وعسكري، أو برلمانيّ محصَّن.

وفي الوقت الذي انتظر فيه المواطنون محاسبة المقصّرين في ملف الامن والفساد وسواهما، من لدن السلطة التشريعية التي تمثل الشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته، نُفاجَأ بأن هذه السلطة توفر لنفسها جدارا مدرعا، يتمثل بعدد من السيارات المصفحة التي تساوي عدد النواب أنفسهم، مخصصين عشرات الملايين من الدولارات لهذا الجدار المدرّع، ولا يتورع عدد منهم عن الظهور العلني في بعض الفضائيات، ليمارس الدفاع (المخزي) عن مثل هذا التشريع، الذي فيما لو تم تنفيذه، سيكون سابقة تشريعية، يندى لها الجبين، وسوف يدونها التأريخ بأسماء نواب هذه الدورة البرلمانية، لكي تطلع عليها الاجيال القادمة، ناهيك عن الامم والشعوب الاخرى التي ستواصل رحلتها نحو النهج الديمقراطي مستفيدة من هذه التجربة الديمقراطية او تلك، ولعل الادانة الواضحة لهذا التشريع والتي جاءت على لسان ممثل المرجعية في كربلاء السيد احمد الصافي النجفي، خير دليل على بطلانها، واستهتارها واستفزازها لمشاعر الشعب بكل مكوناته، وليس ادل على ذلك من مظاهرات طلبة الجامعات الذين احتجوا بقوة على هذا التشريع، وطالبوا بأن تحوّل الاموال المخصصة للسيارات البرلمانية المصفحة، الى منح شهرية للطلاب الجامعيين، حيث أُتخذ مثل هذا القرار او التشريع في سنوات مضت، ولكنه بقي حبرا على ورق، في ظل النفوس الشرهة التي لا تبحث سوى عن منافعها وحماية أنفسها، كما ثبت بالقول والفعل في تشريع السيارات المصفحة سيء الصيت.

ولابد أخيرا من التذكير بأن الشعب العراقي ليس بحاجة الى برلمان مدرّع، فيما يتعرض هذا الشعب الذي أوصل البرلمانيين الى كراسيهم، للقتل والبطش والارهاب، لأسباب كثيرة أهمها أن المشرعين منشغلين أولا بحماية أنفسهم.

لذا مطلوب إلغاء هذا التشريع فورا، وتخصيص أمواله للطلبة، أو لشبكة الحماية الاجتماعية، أو لشريحة الارامل والايتام وما شابه، بخلاف ذلك واذا أصرّ البرلمانيون على مثل هذا الاجراء وتم تنفيذه فعلا، فإنهم سيفوزون بأغرب التشريعات البرلمانية على الاطلاق، وأكثرها تأكيدا على أن حماة الشعب ومشرعيه، هم اول المتخلين عنه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/آذار/2012 - 10/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م