مقومات الاصلاح السياسي ومواكبة العصر

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: منظومة الحياة برمتها تكاد ترتبط بالميدان السياسي وكل ما ينطوي عليه، لاسيما نوع النظام السياسي الحاكم، وشخصية الحاكم وثقافته ودرجة وعيه وعمق انسانيته، لذا فإن الاصلاح السياسي يعد بوابة أولى لكل البوابات الاخرى التي تؤدي الى تطور المجتمع واستقراره، بيد أن الحاكم لابد أن يتحلى بصفات وملَكَات تؤهله لقيادة المجتمع وادارة مصالح الناس وشؤونهم المختلفة، وبهذه الحالة فإن السياسة ترتبط بصورة او اخرى بطبيعة النظام ورأسه ممثلا بالحاكم الأعلى وفقا لنوع النظام.

القائد المؤمن

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في هذا المجال، بكتابه الموسوم بـ (الاصلاح): (كلما كان القادة ممن يؤمنون بالله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل البيت عليهم السلام، وكانوا يخافون يوم الحساب، فإن نظام الحياة بأسره سيسير على طريق الخير والرشد والصلاح، فلا مكان فيه للفساد ولا مجال للإفساد حتى أن الخبثاء والأشرار يمكنهم الرجوع إلى حصن الدين وإصلاح سيرتهم وسريرتهم وبذلك تنمو الحسنات وتمحق السيئات ويكثر فعل الخير وينحسر فعل الشر في المجتمع).

وتنعكس الصورة في حالة تحكم القائد الفاسد بشؤون الناس ومصالحهم، هنا ستكون الصورة ملبدة بغيوم القمع والتعسف، وسوف يذهب الحاكم ونظامه الى تأمين مصالحه وحزبه، بعيدا عن مراعاة حقوق المجتمع ومكوناته كافة، والسبب هو عدم تحلي هذا الحاكم بالمواصفات والملكات الانسانية التي تدفعه لحفظ حقوق الناس ونشر الاصلاح بين الجميع، ومراعاة الجوانب الانسانية ناهيك عن مواكبة العصر والتحضّر، إذ يبقى المجتمع يعاني من الجهل والاهمال المتواصل، لذا يؤكد الامام الشيرازي قائلا بهذا الشأن في كتابه المذكور: (إذا كان زمام الأمور بيد أناس لا يؤمنون بالله ولا يخافون يوم الحساب، أناس انغمسوا في الشهوات واتبعوا الشيطان، فإن نظام الحياة لا محالة سائر على البغي والعدوان والفحشاء والمنكر، فيدب الفساد والإفساد في كافة أنحاء المجتمع، وتعم الفوضى وتنتشر الأفكار الهدامة والنظريات الباطلة، وتكثر المفاسد الأخلاقية والاجتماعية، وبذلك تعشعش السيئات وتمحق الحسنات ويزداد فعل الشر ويقل فعل الخير).

الاسلام دين السلام

وعندما يتم التركيز على الحاكم المؤمن بتعاليم الاسلام، فإن الهدف واضح تماما، إذ يعني ذلك ضمان السلوك السياسي السليم للحاكم وحزبه ونظامه عموما، كونه ينهل سلوكه وافكاره من تعاليم الاسلام التي تراعي حقوق الجميع بالتساوي، انطلاقا من مبدأ الاصلاح الذي ينبغي أن يشمل حياة المجتمع وميادينها كافة، فالاسلام دين السلام والتطور والرحمة والوئام، وهو الذي يصنع الاجواء الصحيحة لتحقيق الاصلاح، فيما لو توافر الحاكم المؤمن بمبادئ وتعاليم الاسلام، يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد: (إن الإسلام دين السلم والسلام، لا العنف والإرهاب، وقد تقدم الإسلام بالأخلاق وقوة المنطق، وإنه الدين الوحيد المنسجم تماماً مع الفطرة الإنسانية والملبي لجميع ما يحتاجه الإنسان في حياته المادية والمعنوية).

والحقيقة التي ينبغي أن نعترف بها، أن الاصلاح لن يتحقق من دون مقومات داعمة له، بمعنى أن الحاكم ونظامه السياسي اذا خطط للاصلاح بصيغة واقعية تهدف الى النجاح في نشر الاصلاح، فإن المطلوب تحقيق مقومات معينة لا يمكن أن نصل الى نشر الاصلاح من دونها، وأولها وأهمها كما يرى الامام الشيرازي، هو التنظيم، إذ يقول الامام في هذا الشأن: (من مقومات الإصلاح في البلاد الإسلامية، التنظيم وتأسيس منظمة إسلامية عالمية تكون من مهامها التنسيق بين الحركات الإسلامية وكوادر الأمة وما أشبه وتعمل للإصلاح في مختلف الميادين. فإن الفرد بمفرده، أو الحركة الإسلامية الواحدة غير المرتبطة بسائر الحركات، لا يمكنها عادة الوصول إلى الهدف وهو الإصلاح في البلاد الإسلامية، فاللازم ربط هذه القدرات بعضها ببعض لتكتسب قوة تقابل قوة الفساد والإفساد في العالم).

القضاء على بيئة التخلف

إذن نحن نحتاج الى تأسيس (منظمة اسلامية عالمية) هدفها نشر الاصلاح ومواكبة العصر في عموم المجتمع الاسلامي، لأن العمل المنفرد حتى لو كان يتمثل بجهد دولة اسلامية بعينها، لن يقود الى النجاح المؤكد لعموم المسلمين، وكلنا نتفق على ان المسلمين في عالم اليوم يعانون من أخطاء انظمتهم السياسية، وحكامهم المتخلفين في الرؤية السياسية وسواها، ناهيك عن سعهيم المحموم لحماية سلطتهم بشتى الوسائل والاساليب، لهذا لابد أن يكون العمل وفق رؤية جماعية يحكمها التنظيم والتخطيط المسبق، من اجل توفير بيئة مناسبة تساعد على نشر الاصلاح في المجتمع الاسلامي عموما، وأهمها العمل الجماعي من اجل القضاء على بيئة التخلف كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي قائلا في كتابه نفسه: (من مقومات الإصلاح، القضاء على بيئة التخلف. فكما أن لكل مخلوق من المخلوقات بيئته الخاصة به سواء كان إنساناً أم حيواناً أم نباتاً، من ماء وهواء وشمس وأرض، وما أشبه ذلك. فللتخلف أيضاً بيئة خاصة به، فبيئة التخلف هي الجهل والنزاع، والكسل والضجر، وشيوع الزنا والانحرافات الجنسية، والمرض والكآبة، وعدم الأمن والبطالة، واشتغال كل بلذائذه ومصالحه بأقصى ما يمكنه وعدم الاعتناء بحقوق الآخرين، عدم تحمل المسؤولية وخدمة الآخرين، والعمل لكسب المنافع من أي طريق كان ومطاردة ما يتصوره من المضار كذلك، كلها من أسباب تكوّن بيئة التخلف).

منهج التنظيم المسبق

أما الكيفية التي تتم من خلالها عملية إنشاء او خلق بيئة تتواءم مع التقدم ومواكبة العصر، فهي خاضعة الى منهج التنظيم المسبق ايضا، بمعنى لا يصح في عالم اليوم أن ينتهج المسلمون طرائق عشوائية من اجل مواكبة العصر، إن هذا الهدف لم تبلغه الدجول المتطورة إلا بعد أن قدمت الغالي والنفيس من اجله، وانتهجت التنظيم والسعي المتواصل لنشر الاصلاح والقضاء على بيئة التخلف من خلال خطط علمية وضعها خبراء مختصون في مكافحة الجهل، ونشر العلم وكل ما يساعد على زيادة الوعي السياسي وسواه لعموم الناس، ولابد أن يدخل الكتاب وأعمال النشر والاعلام الثقافي في هذا الميدان، بمعنى مطلوب استثمار جميع الوسائل المتاحة من اجل نشر الاصلاح من خلال نشر العلم والوعي بالوسائل المتاحة كافة، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إن تغيّر زماننا وتطوره في الطب والعلوم الأخرى، وكثرة الوسائل والتقدم الصناعي وغزو الفضاء وما أشبه يوجب طبع كتب مناسبة لهذا الزمان، في مختلف المجالات من الاجتماع والاقتصاد والسياسة والتربية وغيرها. وهذا يقع على عاتق الحوزات العلمية والجامعات عبر التنسيق بينهما وبذلك نكون قد أدينا بعض الواجب تجاه إصلاح المجتمع).

هكذا لابد أن يكون الجهد جماعيا ومنظما، من اجل مقارعة بيئة التخلف ودعم بيئة التقدم لنشر الاصلاح ومواكبة العصر في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/شباط/2012 - 4/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م