احتكار الاعلام

جواد العطار

مع دخول العراق مرحلة التحول الديمقراطي؛ وبعد فترة من الاعلام المركزي الموجه والخاضع لسيطرة وسطوة الدولة والحزب الواحد؛ ادركت الاحزاب والشخصيات السياسية والمثقفين وحتى التجار.. اهمية الاعلام في اجواء الانفتاح والتعددية السياسية والديمقراطية، فلجأت الى انشاء وسائل اعلامية متعددة للتأثير في الجمهور العراقي المتلقي والمتعطش للحرية والتنوع، فطالعتنا في بغداد وحدها اكثر من 150 صحيفة دفعة واحدة بين عامي 2003 و 2004، تراوحت بين شبه حكومية وغير حكومية وخاصة، واكثر من عشر فضائيات؛ في حينها؛ اضافة لعدد كبير من الاذاعات المحلية.

ان اعتماد الكيانات السياسية على الاعلام بأشكاله كافة لتسويق مرشحيها وصناعة توجهات جمهورها وناخبيها، يصبح وفقا لهذا المعنى (الوسيلة) التي تتوسط ما بين الجماعات والاحزاب السياسية من جهة والمواطنين - الناخبين من جهة اخرى.. وهنا يتميز الدور الذي تؤديه وسائله في الحياة السياسية والعامة وفي الانتخابات والذي ينبع من طبيعة ووظيفة هذه الوسائل.. في الاخبار والشرح المفصل والتحليل المنطقي والتفسير الواقعي والمبادرة الجادة والرقابة الفعالة دون انحياز.

ولا شك ان سبب الاهتمام السياسي يعود الى ان وسائل الاعلام مؤثرة بشكل مباشر وسريع في الجماهير سلبا او ايجابا حسب دورها؛ حيث يقوم الاعلام بخمس وظائف رئيسية هي:

1. الوظيفة الاخبارية

2. التوجيه وتكوين المواقف والاتجاهات

3. زيادة الثقافة والمعلومات

4. تنمية العلاقات الانسانية وزيادة التماسك الاجتماعي

5. الترفيه والدعاية والاعلان

لكن، التوظيف السياسي للوسائل الاعلامية في الآونة الاخيرة بصورة ابعدها عن الواقعية وطبعها بشكل فاضح ومكشوف بالانحياز وافقدها الحيادية والبريق وادى الى تراجع دورها ووظيفتها الاساسية، جعل سمة العزوف عنها وعن قراءتها او مشاهدتها الصفة الغالبة على معظم جمهورها ومتابعيها، وبالتالي قد تنقطع (الوسيلة) التي تتوسط بين المواطن والكيانات السياسية وهو الاتجاه الاكثر ترشيحا في توصيف الواقع الاعلامي الحالي، ما قد يعيدنا الى حلقة الاعلام المركزي بشكل يفقد العملية الديمقراطية السلسلة الاهم التي تمد جسور التواصل المتينة والاهتمام المتزايد والجذاب وآليات وبوصلة التغيير التي يقودها المواطن في مرحلة الانتخابات عبر صناديق الاقتراع او ينشدها من خلال الانعكاسات التي تترجم مطالبه وتطلعاته في المراحل الاخرى او حتى الرقابة التي قد تشكلها الوسائل الاعلامية ذاتها عبر تغطياتها المباشرة وغير المباشرة.. والتي تغني مجاله وتخرجه من دائرة المركزي الموحد الى الثري المتنوع.

ان غياب المعارضة البرلمانية الجادة وانكفاء وضعف القوى السياسية غير المشاركة في البرلمان وعزوف الوسائل الاعلامية المتواجدة عن تغطية نشاطاتها وفعالياتها، قد يكون السبب الحقيقي وراء تردي الاداء الاعلامي في تغطية الاحداث ومعاناة المواطن بموضوعية؛ وانحيازه الواضح لتجميل صورة الاوضاع والقفز فوق الحقائق والتغاضي عن تلك المعاناة في مجال غياب الخدمات وتعثرها؛ وملفات الفساد واخطاء الوزارات وتقصيرها الواضح في اداء مهامها..

او اتجاه وسائل اعلامية اخرى الى خلق المبررات غير الموضوعية وتناول القضايا بصورة بعيدة عن العلمية والخلق والمهنية في التعاطي مع القضايا السياسية والعامة ما يخفي وراءه معاداة حقيقية للعملية السياسية وللمصلحة الوطنية العليا، وبالتالي سقوط هذه الوسائل امام جمهورها وابتعادها عن اهدافها في مقابل بقاء وسيادة اتجاه اعلامي؛ يجامل السياسة الرسمية ويتقرب اليها ويتجنب مقاطعتها بحثا عن المزايا والمغريات؛ ووسط احتكار واضح لا تخطأه عين المتتبع او المتلقي على حد سواء.

www.alamal-iraq.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/شباط/2012 - 23/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م