الكفاءات دعامة البناء الأولى لدولة المؤسسات

 

شبكة النبأ: مرحلة التغيير التأريخية التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط عموما والوطن العربي خصوصا، تتطلب تعاملا ذكيا معها من لدن الشعوب لاسيما النخب والقادة الذين يتصدرون ادارة شؤون هذه البلدان، ولعلنا لا نأتي بجديد حين نؤكد على أن حضور الكفاءات في مشهد العمل والبناء على الاصعدة كافة، يعد من أهم الدعامات التي تحتاج لها الشعوب في مستلزمات البناء الجديد، والتأسيي لدولة مؤسسات يسودها العدل ويعيش فيها الجميع بسلام وأمان وتكافؤ حقيقي في الفرص حسب القدرات والمؤهلات العلمية والمهارية وسواها.

ولكن وجود الكفاءات وحدها لا يكفي، إننا نحتاج الى أن نتعلم كيفية استثمار الكفاءات، بمعنى أننا بحاجة الى أن نربي أنفسنا على رعاية هذه الطاقات الفريدة، وهذه مسؤولية الحكومة اولا ثم المعنيين بحماية ورعاية الكفاءات كالوزارات والدوائر المعنية الاخرى، ويمكننا الاستفادة من تجارب الامم والشعوب الاخرى في كيفية التعامل مع هذه الشريحة المهمة، حيث تم التعامل مع الكفاءات في مجتمعات تلك الدول، بالطرق التي تليق بها، وتحسب لها حسابها الصحيح، وتحرص على وضع الرجل المناسب، في المكان الذي يبدع فيه، ويحرك مهاراته، ويطورها، بما يصب في مصلحة الفرد والمجتمع معا.

وهذا الامر يؤكد بأن وجود الكفاءات بحد ذاتها لا يؤدي الى النتائج المطلوبة، ما لم يتم التعامل معها، بالطرق التي تتمكن من توظيفها على النحو الأمثل، في بناء الدولة ومؤسساتها الادارية، والانتاجية، والثقافية، والتعليمية، والصحية، والاجتماعية وغيرها، فالمعروف عن الكفاءات، أنها في حالة إهمالها، ستبحث عن البديل دائما، وستكون الهجرة الى الأماكن التي تحترم طاقاتها، أفضل الحلول لها، لهذا كانت هجرة العقول العربية والاسلامية ولا تزال، تشكل عاملا مهما من عوامل التراجع والنكوص، الذي تعاني منه الدول العربية والاسلامية بمستويات متقاربة، لذا نحن نحتاج الى أن نتعلم كيفية استثمار طاقاتنا في عموم مجالات الحياة، ولا ينحصر الامر بالجهات المعنية فقط، بل يجب أن نصنع منهج سلوك عام يحترم الكفاءات ويراعيها، ولكن يبقى الجانب الرسمي هو الاهم في هذا المجال، كونه يمتلك مقومات المراعاة والدعم التام لهذه الطاقات المهمة، ولأن تعامل المعنيين الرسميين وغيرهم، مع الكفاءات في مجتمعاتنا، قاصرا بل متعمدا في إقصاء الكفاءات وتهميشها، وإجبارها على الهجرة، نتيجة لإهمالها المتعمّد، تخلصا من حضورها الذي يضر بالطفيليين وغير الموهوبين، ولا يترك لهم مجالا للإستئثار بالمنافع المادية، في هذه المؤسسة او تلك، لهذا نرى غير الموهوبين وأنصافهم، يتطيرون من الاذكياء المهرة، من اصحاب التجارب والشهادات والمواهب القادرة على بناء مؤسسات الدولة، وهياكلها السياسية، والادارية، والانتاجية، على نحو افضل، لأن أصحاب الكفاءات سيضعون حدا للمتزلفين الفاشلين، الذين يحسنون مسح الاكتاف، ويجيدون التملق لرؤسائهم، من دون التمتع بما هو أهم من ذلك، ونعني بها الخبرة والمهارة في تحقيق البناء والانتاج الافضل. لهذا نلاحظ حالة تكريس السلطة، ذات النهج الفردي المصلحي، جلية وواضحة للعيان، في معظم الدول التي تخشى كفاءاتها، وتعمل على تهميشها، وتهجيرها، طوعيا او بالقسر، لهذا فإن المجتمع الذي يطرد كفاءاته، لابد أن يتسيَّده حكم سلطوي فردي أو حزبي، قائم على الحفاظ على المناصب والمنافع بأي ثمن، ولابد لمنظومته الانتاجية والادارية وغيرها وثقافته المجتمعية أن تعتمد الولاءات الخاطئة، من هنا تتصاعد وتنمو وتترسخ ظاهرة الولاء للمنفعة الفردية، على حساب المنفعة العامة، ممثلة ببناء الدولة ومؤسساتها على نحو صحيح، وهو ما يحدث في المجتمعات، التي يغيب فيها الوعي بالكفاءات، وقدرتها على الاسهام ببناء الدولة المؤسساتية المتطورة.

وهنا يتبادر الى الاذهان تساؤل مفاده، هل أننا بحاجة الى تعامل آخر مع الكفاءات؟ وهل نحن بحاجة الى أنماط جديدة من الولاءات الصحيحة؟.وسوف تكون الاجابة بـ نعم، نحن بحاجة الى ذلك، لاسيما أننا نخوض تجربة ضارية، في مجالات البناء المؤسساتي، والانتاجي، والاداري، وغيرها من المجالات التي تشترك في البناء الأمثل للدولة، إننا بحاجة الى التعامل الصحيح، مع المواهب، والكفاءات، والخبرات، القادرة على تحويل طاقاتها الى منتج عملي قائم على الارض، ولهذا نحن بحاجة أيضا الى تغيير شامل في التعامل الخاطئ، سواء ما يتعلق بالرؤساء أو المرؤوسين، فليس المرؤوس المتملق هو وحده من يتحمل مسؤولية الولاء الخاطئ وتبعاته الخطيرة، بل الرئيس الذي الذي يقبل ويشجع مثل هذه الولاءات، يتحمل المسؤولية الاكبر في ذلك، فلولا وجود الرؤساء الذين يحبون الولاء المزيف، والتمجيد الأخرق، لما تزايدت أعداد الموالين المزيفين، من اصحاب المواهب المعدومة والقدرات التالفة، ولما أصبحت ثقافة الولاء فوق الموهبة سلوكا دارجا ومقبولا بين الناس. لذا يتضح بصورة جلية اننا نحتاج الى تربية متواصلة على احترام الكفاءات، وأن لا نلجأ الى بدائل تعيق عملية البناء المجتمعي والرسمي الصحيح بسبب انتهاجنا الخاطئ للولاء الخاطئ ايضا، فالخلل يبدو واضحا تماما، إذ أن كلا الطرفين الرئيس والمرؤوس في مفاصل الدولة، يشتركان في ترسيخ مشكلة الولاء الخاطئ التي باتت تتنامى في عموم مفاصل المجتمع، بسبب حضورها مع النمو التأسيسي الجديد للدولة، الامر الذي سيجعلها اكثر تواجدا، ورسوخا، في حالة اهمالها، لهذا يتطلب الامر معالجة حقيقية، تنتهج بث واشاعة منظومة سلوك شاملة أشبه بالمنهج التربوي السليم، في المجتمع، تقدر الكفاءات وتساندها وتمنحها محفزاتها وحقوقها كاملة، وتحارب وتنبذ الولاء المزيف في وقت واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/شباط/2012 - 22/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م