التيار الصدري ومقاطعة الولايات المتحدة

نـزار حيدر

ان البيان الذي اصدره زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر والذي اعتبر فيه ان العراق لم يعد محتلا من قبلها، يعد بحد ذاته خطوة ايجابية مهمة تؤكد السيادة الوطنية التي اكتسبها العراق بعد قرابة تسعة اعوام من الاحتلال الاجنبي الذي تعرضت له البلاد بسبب سياسات نظام الطاغية الذليل صدام حسين الحمقاء والتي فرضت على العراقيين العديد من الحروب العبثية التي لم يكن لهم فيها ناقة ولا جمل، سواء الداخلية منها او مع الجيران والمجتمع الدولي، كما انه يؤكد حرص التيار الصدري على المساهمة الجادة والفعالة في عملية اعادة البناء والاعمار، عندما اعتبر الصدر ان مرحلة الاحتلال الاجنبي للعراق قد انتهت وبدأت عملية الاعمار والبناء.

 وانني اذ اثني على القرار وعلى ما جاء فيه من مبادئ مهمة تؤكد حرص التيار الصدري وزعيمه على وحدة العراق وسيادته، وكذلك على عملية اعادة بناء ما خربته سياسات النظام البائد وما اعقبته من حرب شعواء شنته جماعات العنف والارهاب ضد العراق الجديد الذي يسعى العراقيون من اجل بنائه وعلى اسس جديدة وسليمة.

 في ذات الوقت ادعو السيد الصدر الى اصدار بيان آخر يعلن فيه الغاء قراره القاضي بمقاطعة كل انواع التعامل مع الولايات المتحدة الاميركية، والذي ظل متمسكا به طوال السنين المنصرمة التي اعقبت سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003، فبعد بيانه الاخير الذي اكد فيه على انتهاء حالة الاحتلال الاجنبي للعراق، وهو السبب المباشر لقراره مقاطعة التعامل مع الولايات المتحدة، لم يعد هناك ما يبرر استمراره في التمسك والالتزام بمثل هذا القرار، اذ ان من المفترض بالتيار الصدري ان يبحث عن آليات جديدة لتنظيم علاقته وطريقة تعامله مع الولايات المتحدة الاميركية كما يتعامل مع اية دولة اخرى في هذا العالم، فالاخيرة لم تعد دولة محتلة للعراق وانما هناك اتفاق اطار استراتيجي نظم العلاقة بين بغداد وواشنطن على اساس الاحترام المتبادل لمصالح الطرفين وعلى اساس المواثيق الدولية التي تنظم العلاقات بين دول العالم الاعضاء في المنظمة الدولية، وكذلك على اساس السيادة الوطنية.

 ان التيار الصدري الذي يمتلك كل هذه القاعدة الشعبية الواسعة في العراق، وكذلك ما يمتلكه من ثقل سياسي بين مختلف الكتل السياسية، بالاضافة الى ما يمتلكه من حضور ومشاركة واسعة في مختلف مؤسسات الدولة العراقية الجديدة (مجلس النواب والحكومة الاتحادية والحكومات المحلية) عليه ان يتعامل بمسؤولية اكبر بما يخص كل الشؤون العامة المتعلقة بالدولة العراقية الجديدة التي بناها العراقيون بدمائهم وبصبرهم وبمثابرتهم النادرة، ولعل واحدة من اهم هذه الشؤون العامة هي موضوع العلاقة بين بغداد وواشنطن، اذ ليس من المعقول ان يتعامل التيار الصدري مع هذه المفردة، وهي من اكثر المفردات استراتيجية بالشأن العراقي، مستصحبا الحالة السابقة، اذ ان عليه، كما ارى، ان يعيد قراءته لها بما يساهم في تغيير الموقف بشكل ايجابي يساعد العراق على تنظيم هذه العلاقة في اطار الاتفاقية المشار اليها، وبما يساهم في تطبيق بنود الاتفاق بمحتواها الواسع، والتي نص عليها في مختلف المجالات، خاصة التعليمية والصحية والاقتصادية والتجارية والتكنلوجيا والتعليم وغير ذلك، الامر الذي سيساهم بكل تأكيد في عملية اعادة البناء واعمار البلاد.

 ان علاقة جمهورية العراق مع الولايات المتحدة، والتي حددها اتفاق الاطار الاستراتيجي، مهمة للغاية بالنسبة للعراقيين، وكذلك بالنسبة لمستقبل العراق ولعلاقاته مع المجتمع الدولي، فاذا ظل موقف التيار الصدري على حاله من هذه المفردة، كما هو في السابق، فبرايي فان العراق سيتضرر كثيرا وعلى مختلف الاصعدة.

 كما ان ذلك سيعني بان التيار لم يرتب اي اثر على بيان الصدر الاخير، اذ كيف يعقل ان يتمسك التيار بقرار كان قد اتخذه ابان فترة (الاحتلال) في الوقت الذي يعتقد فيه زعيمه بان تلك الفترة من الزمن قد انتهت ولقد بدا زمن جديد يختلف عما مضى كل الاختلاف؟.

 لقد تفهم العراقيون موقف التيار المقاطع للتعامل مع الولايات المتحدة طوال السنين التسع الماضية، على اعتبار انه كان يستند الى موقف مبدأي من المحتل، وهو الموقف الذي كان يعبر، بشكل او بآخر، عن شريحة واسعة من الشعب العراقي، اما الان وقد انتفى هذا المبرر، وهو ما اشار اليه السيد الصدر في بيانه الاخير، فما الداعي، اذن، للاستمرار بالتمسك بمثل هذا الموقف وهذا القرار؟ والعقل والمنطق يدعوان الى اعادة النظر بالقرار بعد انتفاء المبرر؟.

 لقد كان للقرار ما يبرره عندما كانت الولايات المتحدة تعتبر دولة محتلة للعراق، اما الان وقد اكملت انسحابها من العراق ولم تعد كما كانت دولة محتلة، فما الداعي من عدم التعامل معها اسوة باي دولة اخرى في هذا العالم الذي يسعى العراق الجديد لبناء علاقات حسنة وطيبة معها، خاصة وان الولايات المتحدة دولة مهمة في العالم وعلى مختلف الاصعدة؟.

 ان التيار الصدري الذي قرر تغيير طريقة تعامله مع الملفات الاستراتيجية في العراق الجديد بناء على انتهاء حالة الاحتلال التي دخلتها البلاد مع شروق شمس اليوم الاول من العام الميلادي الجديد (2012) وهذا ما يلمسه المتابع للملف والشأن العراقي، ان على صعيد الخطاب السياسي او الاعلامي او على صعيد الحركة السياسية للتيار الصدري او حتى على صعيد علاقاته السياسية، والتي شهدت تطورا وتغيرا ايجابيا ملحوظا سيساهم في عملية اعادة الاعمار والبناء التي انطلقت بشكلها الجديد مع استعادة العراق لسيادته بحلول هذا العام الميلادي، فانه من الاولى بهذا التيار ان يعيد النظر في قراره بشان العلاقة مع الولايات المتحدة، والذي، كما ارى، يقف على رأس كل المتغيرات الجارية في العراق الجديد.

* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/شباط/2012 - 22/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م