الحكومي المثقف

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أعني هنا بالشخص الحكومي، هو كل مسؤول موظف في دوائر ومؤسسات الدولة المختلفة، بغض النظر عن درجته الوظيفية، وأعني بمفردة المثقف التي ترتبط هنا بالمسؤول الحكومي، قدرته على ادارة مهامه وفق منهج ثقافي متطور، يتحصّل عليه من قراءاته وعلاقاته وسعة تجاربه وآفاقه ومهنيَّته الجيدة، على أن يتلفع منظوره الثقافي بالنزعة الانسانية الخالصة.

فشخصية الحكومي المثقف، تلتقي مع شخصية الحكومي المهني وتدعمها، لاسيما اذا كانت ثقافته مستمَدّة من منابعها الصحيحة، فهي في هذه الحالة ستعضّد عمله المهني بجوهر إنساني خالص، وغالبا ما يدفعه حسه الانساني الى إنجاز مسؤولياته على أفضل وجه، تدعمه ايضا مهنية عالية، لأننا قلما نعثر على موظف مثقف يفتقد للمهنية، هنا تترك الثقافة تأثيرها القوي في انتاجية الحكومي، وفق منهج لا تشوبه الاخطاء المقصودة، كالتجاوز على حقوق الغير، أو التعثر بانجاز المهام الوظيفية وما شاكل ذلك.

بمعنى أن الثقافة تساعد على تحصين الحكومي من الزلل في أي مجال كان، لاسيما اذا تلك كانت منابع الثقافة انسانية صحيحة، ولا نعني هنا حصر الثقافة في جانب الوعي، أو الذكاء، أو سبل التعامل مع الآخر استنادا الى حالات المنفعة، فقد يكون هناك حكوميون مثقفون لكنهم يفتقدون لروح المسؤولية، وبهذا فهم ينشطون في البحث عن الفرص والمنافع المادية غالبا، أي أنهم قد استثمروا ثقافتهم هنا، لتحقيق الفوائد الذاتية حتى لو تحققت على حساب الآخرين بطرق غير مشروعة، هنا يتأكد لنا أن الوعي والثقافة من هذا النوع، لا علاقة لهما بمناهل الثقافة الانسانية الصحيحة، بل هي ثقافة التفضيل الذاتي والبحث المنفعي، التي تدفع بالحكومي الى استثمار مركزه ووظيفته وعلاقاته الى أقصى ما يمكن، لتحقيق أعلى المكاسب المادية وغيرها، في أقصر السبل وأسرعها.

لذا غالبا ما تحتاج تجارب البناء الانساني لاسيما الجديد، الى حكوميين مثقفين بالثقافة الصحيحة، فقلما يخضع مثل هؤلاء الى مغريات الوظيفة او المنصب، على العكس من الحكومي الجاهل، أو المثقف بثقافة لا إنسانية، فهذان النوعان غالبا ما يدعمان حالات الخراب والتخريب، لأنها الطريق الأسرع لتحقيق المنافع المادية، من خلال تدمير القانون أو إضعافه، ناهيك عن التأسيس للبيروقراطية الادارية او الوظيفية التي تكبل الجميع بسلسلة فولاذية من المعوقات المتنوعة، حيث يستثمر الحكومي الجاهل هذه الظروف من اجل الابتزاز والاستغلال المتواصل لحالات الانحراف اينما وجدت من اجل تحقيق اكبر قدر من المنافع غير المشروعة.

لهذا نلاحظ أن الشعوب المتخلفة تعاني من تزايد ظاهرة الحكوميين الجهلاء، أولئك الذين أسهموا بقوية في تغيير القيم الاخلاقية والمجتمعية المتعارفة، فأصبحت الرشا في عرفهم (شطارة) وذكاء، وأصبحت قضية بناء المستقبل الفردي لهجة متعارفة بين هؤلاء، حيث يدعوا بعضهم بعضا الى استغلال الوظيفة اقصى استغلال لأنها ليست دائمة لهم كما يرددون فيما بينهم.

إن هذا الجهل الثقافي المدقع الذي يحيط بالحكومي الموظف، هو الذي ساعد في تكوين شبكات البيروقراط ومصدات الروتين، وهو الذي يحاول إشاعة قيم غريبة لا تمت بصلة الى عراقة المجتمع المسلم أو الانساني عموما، لهذا علينا أن نتحرك بقوة وتواصل لبناء (الحكومي المثقف) بثقافة تنهل نفسها من مناهل الأصالة الانسانية، والنهج الذي يؤْثِر الآخر على النفس أو يساوي بينهما في أضعف الايمان.

الحكومي المثقف الانساني، هو ما نحتاجه اليوم، لأنه يستطيع أن يعيد القيم الادارية وسواها، الى سكتها الصحيحة، ويجيب عن أسئلة الحاضر التي تستهجن بشدة، ما آلت إليه دوائر الدولة ومؤسساتها من روتينية غريبة تساعد على الابتزاز والاستغلال، وتشوّه الوجه الجميل لمجتمع ينبغي أن يبني نفسه بطريقة تليق بالانسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/شباط/2012 - 21/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م