(مفاعل ديمونة) والوضع الجديد في المنطقة العربية

د. مؤيد الحسيني العابد

لقد نقلت وتنقل الأخبار عن الأوضاع المتشابكة في سورية ولبنان ومحاولات تقويض الروح المقاوِمة في نفوس المجتمع السوريّ بترّهات راح ضحيّتها العديد من المجتمعات العربية وغير العربيّة! كلّ وضع بحجّة ما! وإنعكاسات ما سمّي ب((الربيع العربي)) على الوضع في المنطقة عموماً، لكنّ بعض التحليلات التي أظنّ أنّها لاعب أساس، لا تخلو من يد إسرائيليّة تلعبه! وفق تصوّر آخر سأطرحه من وجهة نظر مراقب لا أكثر.

 لقد كتبت صحيفة الصنداي تايمزقبل أكثر من عشر سنوات عن مفاعل ديمونة (الإسرائيلي)(على لسان الخبير النوويّ فعنونو)، حيث ذكرت بما معناه أنّ هذا المفاعل قد عفا عليه الزمن وفق المعايير الدوليّة. أي أنّ المفاعل بكلّ المقاييس العلميّة يعدّ منتهي الصلاحيّة!

 لقد ذكرتُ في أكثر من مناسبة وفي أكثر من مكان، عن هذا المفاعل وإنتهاء صلاحيّته بالمعنى العلميّ والعلميّ التقنيّ! ففي عام 1996، وبالتحديد في إحدى المدن الليبيّة عند إستضافتهم لي لإلقاء محاضرة في كلية العلوم والتربية عن التلوّث الإشعاعيّ في الشرق الأوسط وتأثيراته على المنطقة عموماً وليبيا خاصّة، حين حصول تسرّب ما من مفاعل ديمونا الإسرائيلي(لأيّ سبب كان!).

وقد ذكرتُ (ويتذكر الزملاء الذين حضروا المحاضرة!) إلى أنّ مفاعل ديمونة آيل إلى حالة تسرّب بسبب تشقّق في جدرانه(ولم يكن الأمر من نتاجات تخت رمل! أو قراءة الكفّ، والتنجيم المنتشرة هذه الأيام في الفضائيّات! إنّما من دراية بنوعيّة الإشعاعات التي يكون من ضمنها تسرّب بعض النيوترونات التي تلعب الدور الكبير في هذا التشقّق ولنا حول هذه الحالات مقالات قادمة إن شاء الله تعالى) تجعل من منطقة مصر الشماليّة على الأقل منطقة ملوّثة لا تستطيع مصر أن تتلافى ذلك نتيجة الضغط الكبير الذي تمارسه وستمارسه (إسرائيل!) على مصر للتكتّم على الموضوع! وبالفعل حصل الذي حصل! حيث أشّرت في وقتها مراصد المراقبة الإشعاعيّة هناك، بحيث سجّلت زيادة ملحوظة في نسبة الأشعة عن الحدّ الذي يسمّى بالمسموح به للمنطقة أعلاه، ولا نكشف سرّاً(حيث باتت الأسرار التي نعتقدها، عبارة عن إعلانات على شاشات مموّلة من دول البترودولار! من قطر والسعودية وغيرها) إذا قلنا أنّ الأمر الآن بات أكثر خطورة بشكل كبير، فيما يخصّ وضع هذا المفاعل سيء الصيت، حيث دخلت على الخط، اللعب السياسيّة التي تتناوشها بالإضافة إلى كيان (إسرائيل!)، الولايات المتحدة وعملائها في المنطقة وبالخصوص مطايا الخليج! التي باتت أبواقها تخصّص لها أجهزة خاصّة لتضخيمها بمضخّمات تشرف على إدارتها مكاتب في البيت الأبيض وتل أبيب وبالعلن لا بالسرّ! فلِمَ السرّ إذا كان الأمر بات عادياً!

 لقد دفعت دول الغرب والولايات المتحدة إلى تأجيج الوضع في المنطقة بعد إنطلاقة الإنتفاضة في تونس ومصر، وأدخلت عليها الأدوات (الإسرائيليّة!) كمشروع متكامل لدفع ما يريدون دفعه للتغطية على الجرائم القادمة التي ستضرب المنطقة والتي أحذّر منها هنا وبصوت مرتفع! حيث ستستغل (إسرائيل!) هذا الوضع الذي إفتعلته في سورية (إذا ما فشلت الأدوات في تحقيق ما تصبو له هذه الدويلة الطارئة والولايات المتحدة!) وقد توضّحت المؤامرة بشكل كبير! حيث ستستفزّ العديد من القوى التي تتفاعل مع مشروعها للقيام بضرب مفاعل ديمونة(بشكل لا يدعو إلى الكثير من الخسائر على المستوى المادّي إلّا من تصريح بتسرّب إشعاعيّ هو في الأصل حاصل لا محالة إن لم يضرب هذا المفاعل!!) الآيل إلى الإنهيار ليكون الوضع كالحجّة لإشعال حرب سريعة للتغطية على حال هذا المفاعل والذي بات في وضع أشبه بغيبوبة شارون التي لم تنته بعد!(إذا ما عرفنا أنّ مكاتب الأمم المتحدة جاهزة لإجتماعات تقرّرها أيدي في دوائر معروفة كما تتصوّر هي، وأقول كما تتصوّر هي، لأنّ الفيتو المزدوج الأخير في مجلس الأمن حول الوضع في سورية غيّر بعض قواعد اللعبة تغييراً ملموساً!). أو بعمل غير ذلك لكنّه يصبّ في هذا الإتّجاه!

 لقد خطّطت (إسرائيل!) للعمل مع بعض الدول العربيّة إلى نقل بعض الأنشطة النوويّة إلى أراضيها للتغطية القادمة على ما تخطّط له من تطبيع على المستوى النوويّ!! إن صحّ التعبير(حين التخليّ عن بعض حلقات النشاط النوويّ الإسرائيليّ للسبب أعلاه!!). فالأردن دخلت على هذا الخط بشكل واضح وبإدّعاء إستقلاليّة النشاط النوويّ الأردنيّ! ومن ورائهم لجنة تعاون كاملة بين الطرفين! والتنفيذ سيتمّ على مرمى حجر من الحدود مع كيان (إسرائيل!) وبالموافقة الإسرائيليّة!

 ربّما يتصوّر البعض أنّ هناك الكثير ممّا لا يمكن إعتباره دقيقاً بالمعنى السياسيّ والأمنيّ! بإعتبار أنّ النشاط النوويّ الإسرائيليّ قد عرف عنه الكتمان فكيف بالكاتب ينقل هذا الوضع إلى العلن بإشارته إلى نشر النشاط النوويّ الإسرائيليّ إلى الأردن أو إلى غيره من دول(الجّوار!)؟

وللجواب على هذا التساؤل أقول:

 إنّ القادم بعد ما يسمّى ب((الربيع العربيّ)) على مستوى المنطقة، هو سياسة التطبيع سيئة الصيت من نوع آخر، مع كيان (إسرائيل!) والذي تتحرّك فيه دول عربيّة تسير في ركاب الصهينة والأمركة كقطر وآل سعود وتونس في الوقت الحاليّ وربّما دول أخرى، يريدون أن يضمّوا لها سورية التي باتت عصيّة على المشروع الأمريكيّ الصهيونيّ لتفتيتها وشرذمتها، ومعارضةً تريد الإنفتاح على هذا الكيان والإمتداد إلى مساعدة المشروع القادم والذي يكون من ضمنه النّفخ في مشروع الطاقة الموحّدة ونقل الطاقة الكهربائيّة بين تلك الدول وكيان (إسرائيل!) والذي تسعى الولايات المتحدة بكلّ ثقلها إلى التعجيل في تنفيذه لمصلحتها ومصلحة إستمرار المشروع الصهيونيّ وإبعاد كلّ قوى الممانعة من المنطقة وبالتالي للسيطرة على منابع النفط ومن ثمّ السّيطرة حتى على المال القادم من هذا النفط لتعويض الخسائر الكبيرة نتيجة هذه المواقف الإقتصاديّة الفاشلة من دول الإتحاد الأوروبيّ والولايات المتحدة الأمريكيّة.

لذلك نقول أنّ الأمر بات مكشوفاً أكثر من أيّ وقت مضى. فحجّة تعرّض مفاعل ديمونة إلى (إعتداء!) بات يجدي نفعاً مزدوجاً لكيان(إسرائيل!) أو تريده هكذا! حيث التخلّص من حاله البائس من جهة، ولعب دور المظلوم، للإنفتاح النوويّ مع دول سائرة في هذا الركب من جهة أخرى!

لهذا المفاعل(مفاعل ديمونة) الكثير من وسائل التمويه التي أخفيت على مدى سنوات عن الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة منذ تركيبه وإلى الآن، مقابل ذلك وبدل أن تقوم الوكالة بالتصريحات الواضحة لكلّ ما أكّده من عَمِل لسنوات في غرف مظلمة داخل المفاعل وما حوله، أو قول بدل ذلك، تقوم هذه الوكالة لإعتماد الظنّ على مفاعلات دول أخرى قد كشفت كلّ تفاصيل عمل مفاعلاتها ومحطاتها للتفتيش ومازالت الوكالة تشكّك بالنيّة!! كما هو معروف ولا من منادٍ ومناشد لما يحصل من كوارث في محيط ما حول مفاعل ديمونة! والتلوّث الذي يصيب المجتمع الفلسطينيّ بالأساس والذي يشمل الساكنين بتلك المناطق المحيطة وعلى أبعاد مختلفة.

 وكما نعلم أنّ المسافة المستقيمة بين هذا المفاعل وأقرب نقطة على حدود الأردن (مثلاً) لا تتجاوز 24 كيلومتراً. وعن أقرب مدينة آهلة بالسّكان لا تتجاوز المسافة المذكورة 50 كيلومتراً. ناهيك عن التأثيرات على المناطق الأبعد داخل الأردن وداخل فلسطين ومصر، والبعد عن حدود السعوديّة كخط مستقيم لا يتجاوز المسافة 150 كيلومتراً، وهكذا لمناطق ودول أخرى. أيّ أنّ الكارثة لاحقة بهذه المناطق وبالسكّان لامحالة!

يبقى السؤال، هل يعلم أرباب السياسة في تلك الدول ما الذي يحصل، حين حدوث التسرّب الأكثر والأخطر من المفاعل منتهي الصلاحية؟!

 لقد ذكر مركز حقوق الإنسان في الأردن رغبة في مقاضاة المسؤولين الإسرائيليّين عن((القصد الجنائيّ)) والوفيّات الناجمة عن السرطان المنتشر في المناطق المحيطة بهذا المفاعل((أنظر: مقالة نحمياس روعي في هاآرتس يوم 16 شباط(فبراير) 2010)).

وقد رغب مركز حقوق الإنسان المذكور لمقاضاة (إسرائيل!) لأنّها تضرّ بالبيئة وبالمقيمين في منطقة جنوب الأردن بسبب الإشعاعات المنبعثة من المفاعل النوويّ في ديمونا(هذا في حالة طبيعيّة، لكن إن حدث التسرّب الأكثر والأخطر، ما الذي سيحصل؟!). لكنّ الذي يبعث على الأسى، هو ما لسلطات الأردن ومصر والسعوديّة والسلطة الفلسطينيّة لا تشير ولا تدفع بالجهات القانونيّة والعلميّة للحديث ورفع الصوت عالياً ضدّ هذا الكيان بهذه النسبة من الأضرار وقبل أن تحصل الكارثة القادمة!! حيث إنّ الغازات السامّة التي تنبعث من الأشعّة خطيرة إلى الدرجة الكبيرة التي تجعل من العسير الوصول إلى علاجات سريعة ولا حتّى عبر زمن طويل، ناهيك عن تكاليف العلاج لمواطني دول فقيرة كالأردن ومصر ولبنان.

لقد إعتادت الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة إثارة العديد من الظنون(مجرّد الظنون!) حول العديد من المفاعلات في دول العالم، إن فكّرت في السير في طريق إستخدام الطاقة النوويّة للأغراض السلميّة. لكنّ هذه الوكالة لم تستطع إلى الآن الطلب لزيارة مفاعل ديمونة الذي يثير الكثير من الجدل في عموم الأوساط العلميّة والسياسيّة(كما أشرنا)، ولا تسمح (إسرائيل!) لأيّ من مندوبي الوكالة الوصول إلى المحطة عموماً وإلى المفاعل خصوصاً. حتى أنّ سلطات كيان (إسرائيل!) تعتبر الإقتراب من هذا المفاعل عملاً عدوانيّاً كالإقتراب من منطقة عسكريّة أو أمنيّة! حيث يذكر باعيل ليفي في تقرير له(ذكرته جريدة هاأرتس) إلى أنّ طائرة خفيفة لمتدرّب قد إقتربت من أجواء المفاعل أدّت بالقوة الجويّة الإسرائيليّة إلى إجبارها على النزول وإقتياد طيّارها والتحقيق معه بإعتبار أنّ هذا العمل يعرّض أمن (إسرائيل!) للخطر!!

لقد أشارت العديد من الصحف العالميّة إقتباساً من صحيفة الصاندي تايمز إلى أنّ مفاعل ديمونة ينتج بشكل واضح البلوتونيوم الذي يدخل كوقود أساس للقنابل النوويّة، وأنّ البلوتونيوم ينتج بشكل منفصل في مرفق من مرافق محطة ديمونة(وفق ما ذكره فعنونو!). وقد تطوّرت وزادت نسبة الإنتاج من البلوتونيوم بشكل لافت. ينتج المفاعل ما يقارب 40 كيلوغراماً من البلوتونيوم وقد تطوّرت النسبة أكثر في السنوات الأخيرة. أي أنّ عمر المفاعل يقلّ وتزداد النسبة في إنتاج البلوتونيوم! وهناك تزداد الخطورة أكثر فأكثر والذي سيؤدي لا محالة إلى كارثة بيئيّة أكبر بكثير من كارثة تشرنوبيل التي حدثت في عام 1986.

 إنّ إسرائيل تحتلّ المرتبة الثانية في العالم اليوم من حيث المقدار النسبيّ لحجم البلوتونيوم المنتج، لذلك يمكن القول أنّ هناك قلقاً كبيراً عند الأوساط الإنسانيّة والعلميّة ممّا سيحصل على مستوى المنطقة.

لقد أشارت دراسة فلسطينيّة قدّمت من سلطة جودة البيئة إلى خطورة هذا المفاعل وحاله، وقد قدّمت الدراسة للدورة 16 لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن البيئة((يذكر ذلك سباعي إبراهيم من القاهرة)). كما تشير الدراسة إلى ذلك بالقول(بالرغم من التوسّع المستمرّ في طاقة المفاعل الإنتاجيّة للأسلحة النوويّة فإنّ قبّة المفاعل ومبنى التبريد لم يطرأ عليهما أيّ تغيير منذ بدء تشغيله في ديسمبر عام 1963 الأمر الذي يجعل مفاعل ديمونة قنبلة موقوتة تنذر بخطر بيئيّ فادح في المنطقة بأسرها). وقد أشارت الدراسة إلى الأخطار المحتملة للمفاعل أيضا «اعوجاج الأنابيب التي تدخل إليها أعواد اليورانيوم ما يخلق مشاكل في الإدخال والإخراج في المفاعل وكذلك إمكانية تسرب المياه الثقيلة المشعة نتيجة لشروخ في الأنابيب الأمر الذي سيؤدي إلى حدوث تلوث كبير للبيئة المحيطة» وذكرت أن ما يؤكّد هذه الإحتمالات، المدعمة بصور للأقمار الإصطناعيّة «هو رفض إسرائيل السماح بالرقابة الدولية على هذا المفاعل وبخاصة المتعلقة بالسلامة.

والى الحلقة الثانية...

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/شباط/2012 - 20/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م