مصر... معضلة حقوق قد لا ترى النور

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: يتم اتساع الهوة بين المصريين المطالبين بحقوقهم التي كفلها لهم دستور البلاد وبين المجلس العسكري الحاكم من جهة وقوات الامن الداخلي من جهة اخرى، عن خلاف عميق بين الشعب وقواته الامنية الموكلة بحمايته في الاساس، وقد اظهرت تظاهرات 25 يناير وما بعدها ان الامر اكبر من تصحيح لمسار العلاقة السيئة، وان رأب الصدع لا يتم بالطريقة التي سار عليها الجيش او الشرطة تجاه الشعب.

وقد دعا المتظاهرون في ميادين الحرية بمصر الى الحاجة الى تغيير الثقافة الامنية المتبعة والراسخة في عقول القوات الامنية والتي لم تختلف كثيراً عن زمن مبارك، حيث الاعتقال والتعذيب والموت داخل السجون والاهانة، اضافة الى العنف المفرط واستخدام الغازات المسيلة للدموع والاعتداءات التي شملت الاطفال والنساء، ومن دون ان ينسى المصريون الفساد المالي والاداري الكبير المستشري داخل وزارة الداخلية.

وفي محاولة سياسية لامتصاص الغضب الجماهيري المتصاعد، اصدر المشير طنطاوي عفو عام بحق بعض النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الانسان، مع محاولة لتجميل صورة وزارة الداخلية من خلال الوزير محمد ابراهيم.  

لن يظل صامتا

فقد قال نشط مصري اصبح رمزا لمقاومة محاكمات الجيش للمدنيين انه لن يسكت وشجب ما يقوم به الجيش من اعتقال واساءة معاملة سجناء الرأي، وسجن مايكل نبيل مرتين منذ الاطاحة بمبارك من السلطة في فبراير شباط الماضي بتهمة اهانة المؤسسة العسكرية لكن عفوا صدر بحقه من رئيس المجلس العسكري الحاكم في وقت سابق مع 2000 اخرين، وفي اول ظهور علني منذ الافراج عنه من السجن العسكري قال نبيل (25 عاما) ان الجيش عذبه في السجن لكنه ظل صامد، وقال نبيل الذي دخل في اضراب عن الطعام خلال سجنه انهم لا يمكنهم السكوت عن اي انتهاك ضدهم، وسجن نبيل وهو مسيحي بعدما استخدم مدونته (www.maikelnabil.com) لاتهام الجيش بمحاولة قمع الثورة ضد مبارك، وفي ذلك الوقت رأى معظم المصريين الجيش كقوة محايدة واعجبوا بدوره في الدفاع عن الشعب على النقيض من الشرطة المكروهة، لكن العديد من المصريين روعوا منذ ذلك الحين بصور الجنود الذين يسحبون ويضربون ويقذفون الغاز المسيل للدموع على المحتجين الذين كانوا يطالبون بنهاية سريعة لحكم الجيش. بحسب رويترز.

وقال نبيل انه خلال اعتقاله اعطي عقاقير شوشت عقله كما احتجز في مستشفى للامراض النفسية لبعض الوقت على الرغم من كونه في حالة عقلية سلمية، وقال نبيل في مؤتمر صحفي في القاهرة ان هذا كان اسلوبا للتأثير على حالته النفسية ولخلق نوع من الهستيريا والذعر، واضاف انه لم يكن يتصور ان مثل هذه الاساليب تستخدم في 2011، وقال انه احتجز لبعض الوقت في زنزانة متر في متر بها مصباح يومض باستمرار، ولم يمكن الوصول الى مصادر بالجيش على الفور للرد على تعليقات نبيل، وتقدر الجماعة الحقوقية "لا للمحاكمات العسكرية" ان هناك 12000 شخص احيلوا الى محاكم عسكرية منذ سقوط مبارك وهذا العدد اكثر بكثير من اجمالي فترة حكم مبارك التي امتدت 30 عاما عندما كانت المحاكم الامنية مكانا مفضلا لمحاكمات الطوارئ، وعندما مثل امام محكمة عسكرية قال نبيل انه منع من استدعاء شهود، وقال انه تلقى رسائل دعم من ضباط جيش صغار يعارضون حملة الجيش ضد المعارضين لكن لم يدل بتفاصيل، ووصف نبيل رؤيته لاثنين من السجناء يجردان من ملابسهما ويضربان، وقال ان هذا كان اول حادث تعذيب يراه بعينيه، وتعهد المجلس العسكري الذي يحكم مصر منذ سقوط مبارك بتسليم السلطة للمدنيين بحلول يوليو تموز، وينفي المجلس بصورة روتينية اتهامات الانتهاكات او محاكمة اي شخص بسبب ارائه، واتهمت جماعات حقوق انسان دولية الجيش باستخدام اساليب قاسية تعيد الى الاذهان اساليب استخدمت خلال فترة حكم مبارك لاخماد المعارضة.

الأطفال في قلب المواجهات

بدورهم طالب العديد من نشطاء حقوق الأطفال بضرورة وقف تعريض الأطفال للعنف الناتج عن المواجهات المتواصلة بين عناصر الشرطة والمتظاهرين في مصر، مؤكدين على أنه أمر يناقض المعايير الدولية، وفي هذا السياق، قال محمود البدوي، وهو محامي ومدير الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان، "شاهدت مئات الأطفال يشتبكون مع الجيش والشرطة في مظاهرات عنيفة في مختلف أنحاء البلاد خلال الأشهر الأخيرة، وهذا أمر مناقض تماما لكل المعايير المحلية والدولية"، وكان العديد من الأطفال قد علقوا في اشتباكات بين المتظاهرين وعناصر الشرطة الذين يتولون حراسة مبنيي الحكومة والبرلمان في السابع عشر من ديسمبر الماضي، كما شوهد العديد منهم وهم يرشقون الشرطة بالحجارة ويحرقون المباني العامة، وقد تسبب اشتراك الأطفال في المواجهات المستمرة منذ بدء المظاهرات ضد الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، في شهر فبراير 2011 في إصابة عدد منهم بجراح ووفاة آخرين، وفي تعليق له على الموضوع، قال ممثل منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسف) في مصر، فيليب دوامال، في الثاني والعشرين من ديسمبر أن "الأطفال غالباً ما يعْلقون في دوامة الصراع، لقد رسمت عدد من التقارير وشهادات الأطفال أنفسهم صورة مرعبة عن مدى الأذى الذي تعرض له الأطفال أثناء الاشتباكات الأخيرة". بحسب ايرين.

كما وجد العديد من الأطفال أنفسهم عالقين في المواجهات الدامية التي حدثت بالقرب من ميدان التحرير في الثالث والعشرين من نوفمبر، حيث أشار عدد من الناشطين إلى أن أغلب المنخرطين في أعمال العنف هم من أطفال الشوارع مما يجعل قضية أطفال الشوارع إحدى الأولويات التي يجب أن تحظى باهتمام حكومة الإنقاذ الوطني، وهذا ما أكدته فادية أبو شبيهة، الخبيرة في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، بقولها أن "الحكومة يجب أن تولي اهتماماً أكبر لأطفال الشوارع الذين يفتقرون لأبسط أساسيات الحياة، فالمجتمع لا يوفر لهم أي نوع من أنواع الرعاية"، وأفاد محمود البدوي أن الأطفال تعرضوا للاستغلال وسيقوا للتدخل في المواجهات السياسية التي تشهدها الساحة المصرية، مشيراً إلى أنه رأى مجموعة من الأطفال يحملون النقود والسجائر أثناء الاشتباكات التي حدثت خارج مبنى البرلمان في السابع عشر من ديسمبر، وأوضح أن "حمل الأطفال للسجائر والنقود دليل على أنهم تلقوا رشوة مقابل مشاركتهم في الاشتباكات"، ولم يتم التأكد إلى الآن ما إذا كان الأطفال قد تلقوا فعلاً مبالغ نقدية مقابل مهاجمة قوات الشرطة التي كانت تحمي مبنى البرلمان، إلا أن وسائل الإعلام المحلية أشارت إلى اعتقال عدد من الأحداث للتحقيق معهم حول دورهم في هذه الاشتباكات، وفي هذا السياق، قال فيليب دوامال أن "اليونيسف تحث السلطات وكل الأطراف المعنية على احترام حقوق الأطفال وحمايتهم وفقاً للقانون المصري وللقانون الدولي، إذا لا يجب أن يكون الأطفال ضحايا للعنف أو شاهدين عليه".

وحشية الشرطة

فيما كانت إحدى اللحظات الفارقة في تطور انتفاضة 25 يناير والإطاحة بمبارك هي الضرب الذي يُزعم أنه أفضى إلى وفاة الشاب خالد سعيد على يد الشرطة في مدينة الإسكندرية، وهو الحدث الذي ألهب مشاعر المصريين جعلهم يصبون جل تركيزهم على قضية وحشية الشرطة، ووسط مزاعم حول استمرار وحشية الشرطة، أصبح إصلاح قطاع الأمن، وهو أمر حيوي لاستقرار البلاد من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، مطلباً ملحاً بشكل متزايد من جانب المتظاهرين وممثلي المجتمع المدني على حد سواء، وفي هذا السياق، قال الشرطي السابق إيهاب يوسف، الذي يشارك حالياً في حملة لتحسين العلاقات بين الشرطة والشعب ويُقابل بكثير من التشكك وعدم الثقة في الشارع، أن "الفجوة بين رجال الشرطة والمواطنين العاديين تتسع يوماً بعد يوم، وإذا لم يتم سدها، فإن ذلك سيعرض مصر للخطر، ولابد من بذل جهود متضافرة لإعادة العلاقة بين الشرطة والمواطنين إلى مسارها الصحيح"، وكانت مواقف الشعب تجاه الشرطة قد زادت تصلباً خلال حكم مبارك الذي دام 30 عاماً، وحلت الكراهية محل الاحترام، مما ساهم في خلق فراغ أمني خطير في أعقاب انتفاضة 25 يناير. بحسب ايرين.

وفي السياق نفسه، أكد جيمس راولي، المنسق المقيم للأمم المتحدة في مصر، أنه "من المهم أن تتخذ الحكومة خطوات عاجلة وليست آجلة لتحسين وتعزيز العلاقة بين الشرطة والمواطنين"، وربما كان اختيار 25 يناير، الذي يوافق عيد الشرطة، كنقطة انطلاق لثورة المحتجين بمثابة إشارة منهم إلى الشرطة بأنه ينبغي عليها معاملة المعارضين السياسيين للرئيس السابق مبارك بشكل عادل وصحيح، وقد علق الناشط السياسي، أشرف البارودي، على ذلك بقوله أن "المواطنين العاديين لا يثقون في الشرطة، بل إنهم لا يعتقدون أن رجال الشرطة صادقون حتى في محاولة حماية أمنهم"، ووفقاً للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية محلية، ينتمي معظم رجال الشرطة ذوي الرتب المتدنية، وخاصة التابعون منهم لقوات الأمن المركزي الذين يتم إرسالهم بالعصي والهراوات لمواجهة المتظاهرين، إلى الفئات الفقيرة وغير المتعلمة من الشعب.

حملة رجل واحد؟

في سياق متصل أسس الشرطي السابق يوسف منظمة غير حكومية تحت اسم الشرطة والشعب لمصر، وذلك بهدف خلق نوع من التفاهم بين الجانبين، ويقوم من خلال منظمته هذه بالاستماع إلى مطالب المواطنين العاديين، ورسم استراتيجيات لإصلاح وزارة الداخلية، كما قام باصطحاب مجموعة من المواطنين العاديين ذات مرة إلى أحد أقسام الشرطة لعقد اجتماع بينهم وبين الضباط، في محاولة لتمكين الطرفين من الوصول إلى فهم أفضل لبعضهم البعض، وكان يوسف يقابل عند بداية نشاطه في عام 2006، بتجاهل في معظم الأحيان، ولكن منظمته بدأت في أثناء الانتفاضة، عندما أصبحت الشرطة محوراً لغضب الشعب، تكتسب المزيد من الأهمية، وقد عقد يوسف وزملاؤه منذ ذلك الحين اجتماعات بين المئات من المواطنين ورجال الشرطة ومسؤولي الأمن، وحسب يوسف، فإن "الشعب كون صورة سيئة عن رجال الشرطة، تشكلت جزئياً بسبب ما يسمعه الناس عن الانتهاكات التي يرتكبها رجال الشرطة، ولهذا السبب، أوصينا بإجراء عملية تحديث كاملة لوزارة الداخلية، وخلق قنوات الاتصال المناسبة بين المواطنين ورجال الشرطة، وكذلك إعادة النظر في نوعية المناهج التي يدرسها رجال شرطة المستقبل أثناء وجودهم في أكاديمية الشرطة"، ويواصل يوسف إرسال اقتراحاته إلى وزارة الداخلية، ولكن التواصل يظل صعباً في ظل الاضطراب السياسي الحالي، كما أن وزارة الداخلية لم تعلن عن أية خطط للإصلاح حتى الآن، وفي إطار جهد مستقل، أنشأ بعض رجال الشرطة ائتلاف ضباط الشرطة الجديد الذي يهدف إلى تحسين التواصل مع المواطنين، وعادة ما يختار العدد القليل من الشرطيات البقاء بعيداً عن الأنظار، من جهته، أشار ياسر أبو المجد، وهو ضابط الشرطة الذي أسس الائتلاف، إلى أن "النظام السابق كان يستخدم رجال الشرطة لإسكات المعارضة وإذلال المواطنين العاديين، كما ارتكب بعض رجال الشرطة انتهاكات ضد المواطنين، مما زاد الطين بلة، ولهذا السبب أصبح من المهم بالنسبة لأشخاص مثلي بذل بعض الجهود".

وزير الداخلية الجديد

الى ذلك يقوم وزير الداخلية المعين مؤخراً، محمد إبراهيم، بجولات ميدانية ويلتقي بالناس في الشوارع لتشجيعهم على التعاون مع الشرطة، كما يقوم بزيارات مفاجئة إلى مراكز الشرطة للتأكد من أن رجال الشرطة يقدمون خدمات جيدة، ولقد وعد إبراهيم بتغيير الثقافة داخل الوزارة، ومنذ تعيينه في إطار حكومة "الإنقاذ الوطني" الجديدة، بدأ رجال الشرطة الذين يرتدون الزي الرسمي في الظهور بشكل أكبر في الشوارع، ويقول السائقون أنهم يلقون معاملة أفضل الآن، ويشير المصريون الذين يذهبون إلى إدارة المرور لتجديد تراخيص القيادة الخاصة بهم أنهم لم يعودوا مضطرين لدفع رشاوى لإتمام الإجراءات، ولكن ليس من الواضح بعد ما إذا كانت لفتات إبراهيم ستغير مفهوم الناس عن الشرطة أم ل، ولا يتوقع البعض تحسن العلاقات بين الشرطة والشعب حتى تقوم وزارة الداخلية بإطلاق سراح آلاف المواطنين الذين تم اعتقالهم من دون تهمة منذ بداية العام، وهو ما علق عليه الناشط ناصر أمين، عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان التابع للدولة، بقوله يبلغ عدد هؤلاء المعتقلين حوالي 6،000 شخص، "وهم موجودون في السجون فقط بسبب اشتباه رجال الشرطة فيهم".

حملة ضد منظمات حقوقية

من جهتها صعدت الولايات المتحدة انتقاداتها لمداهمة السلطات المصرية مكاتب منظمات حقوقية مؤيدة للديمقراطية وقالت ان الحملة "غير مقبولة" وألقت باللوم فيها على مسؤولين متبقين من نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند "طمأننا زعماء داخل الحكومة المصرية بأن هذا الموضوع سيحل، بأن المضايقات ستنتهي، وبأن المنظمات غير الحكومية سيسمح لها بالعودة للعمل كالمعتاد وستعود اليها ممتلكاتها"، واضافت "انه غير مقبول لنا بصراحة ان الوضع لم يعد الى الطبيعي"، وردت واشنطن بشكل حاد عندما داهمت السلطات المصرية مكاتب نحو 17 منظمة غير حكومية بينها المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي اللذان تمولهما الولايات المتحدة ويرتبطان بشكل فضفاض بالحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، ولمحت الحكومة الامريكية الى أنها يمكن أن تعيد النظر في مساعدات عسكرية سنوية لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار اذا استمرت المداهمات، لكن مسؤولين أمريكيين قالوا في وقت لاحق انهم حصلوا على تطمينات من مسؤولين مدنيين وعسكريين كبار بأن الحملة ستتوقف، وقالت نولاند انه يبدو أن تلك التأكيدات جوفاء وأن المضايقات استمرت للمنظمات المدعومة من الولايات المتحدة والمنظمات الاهلية المصرية. بحسب رويترز.

وقالت "نحن قلقون من أن بعض أشد التصريحات حدة لاسيما في الايام الاخيرة والتي صدرت عن السلطات المصرية أدلى بها على ما يبدو رموز قدامى باقون من نظام مبارك لا يتوافقون بوضوح مع الواقع الجديد للشعب المصري"، ووصف وزراء مصريون الحملة بأنها جزء من تحقيق في تمويل غير قانوني لانشطة سياسية قالوا انها زادت منذ اطاحت انتفاضة شعبية بالرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي، وعلا صوت منظمات المجتمع المدني في مصر بشكل متزايد في انتقاد ما يصفونها بالاساليب القاسية للجيش في التعامل مع الاضطرابات بالشوارع في الشهور الاخيرة، واعتقلت الشرطة المصرية أربعة نشطاء بسبب وضع ملصقات تنتقد المجلس العسكري الذي يدير امور البلاد حالي، وقالت نولاند ان الولايات المتحدة ترفض الاتهامات المصرية للمنظمات غير الحكومية بالتدخل في النظام السياسي وتصف تلك الاتهامات بأنها "جهود دعاية عدائية للغاية لترويع الشعب المصري"، وأضافت أن الجماعات المدعومة من الولايات المتحدة والتي تدير برامج بشأن تدريب الاحزاب السياسية واجراء انتخابات نظيفة تعهدت بالعمل بشكل شفاف وعلني وأن جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الامريكية سيثير القضية عندما يزور القاهرة، وقالت "نأمل أن تكون السلطات المصرية تحاول حل هذا الامر، لكنها بصراحة تأخذ وقتا طويلا للغاية".

فيما نفت الحكومة المصرية اتهامات من منظمات لحقوق الانسان بأنها تحاول قمع بعض أشد معارضي المجلس العسكري الحاكم في البلاد، وقال وزراء في الحكومة المصرية أثناء مؤتمر صحفي ان السلطات تصرفت بموجب القانون وفي اطار تحقيق خاص بالتمويل غير القانوني للانشطة السياسية، وقال وزير العدل عادل عبد الحميد عبد الله "اجراء التفتيش على تلك المقار قد تم تنفيذا لقرار قضائي صادر من السيد مستشار قاضي التحقيق المنتدب من محكمة استئناف القاهرة للتحقيق في ملف التمويل الاجنبي، كافة الاجراءات قد تمت في اطارها القانوني السليم ووفقا للشرعية المستمدة من القانون"، وأضاف ان مصر حريصة على دعم منظمات حقوق الانسان بما في ذلك المنظمات الاجنبية وان هناك 35 ألف منظمة معتمدة في مصر ومرخص لها قانونا للعمل بحرية تامة ما دامت أوضاعها تتفق وأحكام القانون المصري.

وقالت فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي والمسؤولة عن متابعة ملفات المساعدات الخارجية "كل دول العالم بلا استثناء بما في ذلك الولايات المتحدة تحظر التمويل السياسي الاجنبي الذي يمول أنشطة سياسية أو أهداف سياسية أو أنشطة تتعلق بعمل الاحزاب"، وأضافت ان عدد المنظمات غير الحكومية التي تنتهك قانون تمويل الانشطة السياسية تزايد منذ تفجرت الانتفاضة، وأكد الوزيران على استقلال النظام القضائي المصري لكنهما لم يقدما تفسيرا لما يعتبره المنادون بالديمقراطية والكثير من المصريين الاخرين اخفاقا للنظام القضائي في محاسبة المسؤولين عن مقتل اكثر من 850 شخصا خلال الانتفاضة ضد مبارك، وقال ناشط يدعى محمد فهمي "النظام القضائي ومكتب النائب العام يتسمان بالسرعة والفاعلية في التحقيقات وتوجيه الاتهامات لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية التي تكشف عن ارتكاب السلطات المصرية انتهاكات لحقوق الانسان ضد المتظاهرين"، وأضاف "لكنهم لم يتمكنوا من احالة اي مسؤول او ضابط شرطة متهم بقتل شهداء الثورة الى العدالة".

وبعد مرور ما يقرب من عام على الثورة لم يصدر حكم ادانة لاي مسؤول بقتل المحتجين، وفي 29 ديسمبر كانون الاول برأت محكمة مصرية خمسة من ضباط الشرطة في تهم جنائية تتعلق بقتل خمسة متظاهرين خلال الثورة، وقالت ابو النجا ان الحكومة تحرص في ضوء مكاسب ثورة 25 يناير كانون الثاني على التأكيد على حقوق الانسان واحترام المواطن المصري، وأوضحت أبو النجا ان السفيرة الامريكية بالقاهرة ان باترسون وعدت بأن المنظمات الامريكية التي فتشت مقارها في مصر في اطار التحقيق ستسعى لتسجيل نفسها لدى السلطات، ولم يتضح على الفور أن أيا من المنظمات التي استهدفتها الحملة كانت مسجلة مسبقا لدى السلطات، وساعدت منظمات المجتمع المدني في دعم الاحتجاجات التي اطاحت بالرئيس حسني مبارك في فبراير شباط كما انتقدت هذه المنظمات مرارا رد فعل الجيش على الاضطراب المستمر في الشارع في الاشهر القليلة الماضية، وقالت 27 منظمة من منظمات المجتمع المدني في بيان مشترك الاسبوع الماضي ان المجلس العسكري أمر بالمداهمات للتشهير بأنشطة المنظمات وتشويه سمعتها وغيرها ممن كانوا في صدارة الانتفاضة المناهضة لمبارك.

ملصقات تنتقد المجلس العسكري

من جانب اخر اعتقلت الشرطة المصرية أربعة نشطاء لقيامهم بوضع ملصقات تنتقد المجلس العسكري الذي يدير أمور البلاد فيما قال محام انها خطوة لاسكات حركة الاحتجاج، وأثار المجلس انتقادات متزايدة لادارته للمرحلة الانتقالية في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، وأدلى المصريون مؤخراً بأصواتهم في المرحلة الثالثة والاخيرة من انتخابات مجلس الشعب التي بدأت يوم 28 نوفمبر تشرين الثاني، وقال عمرو عز المنظم في حركة شباب 6 ابريل ان النشطاء الاربعة أعضاء في الحركة التي ساعدت في حشد الانتفاضة المناهضة لمبارك، واحتجز الاربعة أثناء وضع ملصقات تقارن بين الصور البطولية للجنود في حرب عام 1973 ضد اسرائيل وصور جنود يضربون النساء في القاهرة اثناء احتجاجات اخيره، وقال مصدر في مكتب النائب العام ان الاربعة يخضعون للاستجواب لقيامهم بلصق صور تسيء الى الجيش لكن أضاف أن أمرا من النيابة بحبسهم لم يصدر بعد، واتهم جمال عيد الذي يرأس منظمة حقوقية تقدم مساعدة قانونية للنشطاء الاربعة المجلس العسكري بتصعيد الاجراءات القمعية قبل مظاهرات دعا اليها نشطاء الانترنت يوم 25 يناير كانون الثاني في الذكرى الاولى للانتفاضة،

وقال عيد الذي يرأس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان "هذه الخطوات المتسارعة تهدف لاسكات الحركات والنشطاء الذين يؤيدون الثورة أو يدعون لاستمرار الثورة ابتداء من يوم 25 يناير (كانون الثاني) المقبل"، وقال عيد ان مداهمة مقار 17 منظمة حقوقية بينها منظمات داعمة للديمقراطية كان جزءا من هذا الاتجاه، وقالت السلطات ان تفتيش مقار تلك المنظمات تم في اطار تحقيق قضائي حول التمويل الاجنبي لنشطاء وليس لاسكات بعض أشد الناقدين لسياسة المجلس العسكري، ويقول معارضون ان المجلس العسكري الذي يقول انه يريد ترك السلطة يهدف لابقاء نفوذ له يضمن استمرار تمتعه بالميزات التي تمتع بها في عصر مبارك، وقال المجلس انه يحترم حق المصريين في حرية التعبير والاحتجاج حين يكون التعبير عن هذا الحق سلمي، ويقول المجلس انه سيسلم السلطة في منتصف العام لسلطة مدنية منتخبة ديمقراطيا. بحسب رويترز.

كما قالت قناة النيل للاخبار بالتلفزيون الرسمي ان المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون مصر أصدر عفوا عن 1959 محتجزا أدانتهم محاكم عسكرية منذ الاطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك في فبراير شباط العام الماضي، ومن بين المشمولين بالعفو النشط مايكل نبيل الذي شارف على الموت بسبب اضرابه عن الطعام، ويأتي العفو قبل أربعة أيام فقط من ذكرى مرور عام على بدء الانتفاضة المصرية التي استمرت 18 يوما في 25 يناير كانون الثاني العام الماضي، ولم يتضح بعد ما اذا كان أفرج عن أي من المحتجزين الذين شملهم العفو، وجرى تقليص عقوبة نبيل الذي أصدرت محكمة عسكرية حكما بحقه بالسجن لتشويه سمعة الجيش الى عامين في ديسمبر كانون الاول الماضي بعد انتقادات من قبل جماعات دولية مدافعة عن حقوق الانسان، واعتقل نبيل (25 عاما) في مارس اذار الماضي وبدأ اضرابا عن الطعام احتجاجا على ادانته لنشره تعليقات على الانترنت قال فيها ان الجيش حاول سحق الانتفاضة ضد مبارك، ويقول كبار القادة العسكريين الذين يحكمون مصر الان ان الجيش لم يشارك في قمع المحتجين وتعهد بتسليم السلطة لحكومة مدنية بنهاية يونيو حزيران القادم، ويقول نشطاء ان قضية نبيل تسلط الضوء على النهج المتشدد الذي ينتهجه الجيش ضد المعارضين الذين ينتقدون كبار قادته لاستخدامهم أساليب مماثلة للاساليب التي اتبعها نظام مبارك، وقال مارك شقيق مايكل نبيل انه يمكن القول بأن الثورة نجحت فقط عندما يتم اطلاق سراح جميع النشطاء الى جانب مايكل الذين ما زالوا محتجزين من قبل محاكم عسكرية واعادة محاكمة جميع المدنيين الذين صدرت ضدهم أحكام من هذه المحاكم، وتقول جماعة ضغط تعارض المحاكمات العسكرية تشكلت بعد الانتفاضة ان المحاكم العسكرية نظرت 12 ألف قضية على الاقل منذ فبراير شباط الماضي، وتضيف الجماعة ان الاحكام تصدر غالبا بسرعة في محاكمات مغلقة ودون تمثيل مناسب للدفاع، وليس واضحا بالضبط عدد النشطاء والمحتجين الذين حوكموا أمام محاكم عسكرية في العام الماضي وما زالوا في السجن، ويأتي قرار العفو الاخير في وقت تستعد فيه جماعات من الشباب لتنظيم مظاهرات ضخمة في ذكرى مرور عام على ثورة يقولون انها لن تكتمل الا بعد تسليم السلطة للمدنيين، وقال مارك ان العائلة تلقت نبأ العفو لكن شقيقه لا يزال محتجز، وأضاف أن الثورة يجب أن تستمر مادام هناك مدنيون محتجزين "ظلما" في سجن عسكري.

استدعاء رئيس الوزراء

على صعيد اخر استدعى مجلس الشعب المصري رئيس مجلس الوزراء ووزراء الصحة والعدل والداخلية لمناقشتهم حول ما قدموه لأسر القتلى والمصابين في الانتفاضة التي أسقطت الرئيس حسني مبارك، وبدأ المجلس الذي يمثل الاسلاميون الاغلبية فيه جلساته، وانتخب القيادي في جماعة الاخوان المسلمين محمد سعد الكتاتني رئيسا له، وكان مقررا أن يناقش المجلس قضية قتلى ومصابي الانتفاضة في الجلسة المسائية لكن الكتاتني قال انه نقل الموضوع الى الجلسة الصباحية للاولوية التي قال ان المجلس يعطيها له، وقتل في الانتفاضة التي اندلعت يوم 25 يناير كانون الثاني العام الماضي واستمرت 18 يوما نحو 850 متظاهرا وأُصيب أكثر من ستة آلاف، وكانت الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب بدأت بالوقوف دقيقة إجلالا للشهداء، وفي بداية الجلسة رفض المجلس بيانا أدلى به وزير الدولة لشؤون مجلسي الشعب والشورى محمد أحمد عطية الذي قال ان الحكومة عوضت أسرة كل شهيد بمبلغ 30 ألف جنيه (5020 دولارا) وقدمت علاجا للمصابين، وقال الكتاتني "أدعو رئيس الوزراء ووزيري الصحة للحضور أمام المجلس للرد على استفسارات النواب في قضية حقوق الشهداء وبطء العدالة في محاكمات قتل المتظاهرين". بحسب رويترز.

وطالب نواب باستدعاء وزير الداخلية أيضا فأضافه الى القرار، ولم يعرف على الفور متى يلبي رئيس الوزراء كمال الجنزوري والوزراء الثلاثة طلب الاستدعاء، وقال نواب ان أسر القتلى يواجهون مصاعب بالغة في صرف التعويضات أو الحصول على أي ميزات أخرى ويواجه المصابون مصاعب أيضا في الحصول على التعوضات والعلاج والوظائف التي قررتها الحكومة، وبكى رئيس المجلس وعشرات الأعضاء خلال حديث النائب الاخواني أكرم الشاعر عن معاناة أسر القتلى والمصابين، وصفق المجلس للشاعر حين طالب بمحاكمة "عادلة" لمن قتلوا وأصابوا المتظاهرين ووصف بعض النواب محاكمة مبارك ووزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي وعدد من ضباط الشرطة بأنها هزلية، وطالب أعضاء في المجلس بنقل مبارك الذي يعالج في مستشفى فاخر خارج القاهرة الى سجن طرة في جنوب العاصمة، وبدأت محاكمة مبارك بتهمة التآمر لقتل متظاهرين خلال الانتفاضة في الثالث من أغسطس اب وبدأت محاكمة العادلي وستة من كبار مساعديه وقت الانتفاضة في وقت سابق وتم ضم القضيتين، وتنظر محاكم الجنايات في عدد من المحافظات قضايا مماثلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 12/شباط/2012 - 19/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م