لبنان... أزمات اجتماعية وانقسامات سياسية

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تعد لبنان من البلدان العربية ذات المكانة الهامة على أكثر من صعيد، سواء كان اقتصاديا او ثقافيا او اجتماعيا، إذ يتكون الشعب اللبناني من مجموعات ذات ثقافة متطورة نسبيا، مع توافر رغبة جامحة لقيادة كل ما يتعلّق بالحريّة والتحديث عربيا، ويعود ذلك للتاريخ والحاضر الرصين لهذا البلد.

وعلى الرغم من أهمية لبنان في نشر الثقافة والتحضر إلا أنها تعاني من انتهاكات حقوق الإنسان بشكل خطير، وعلى عدة مستويات كالتهميش الاجتماعي والعنف الأسري وتجارة الجنس وعبودية الخدم والكثير الكثير من الانتهاكات الحقوقية والاجتماعية، ويرى الخبراء بأن هذه الانتهاكات نتيجة الانقسام السياسي والطائفي، وهذا يتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان والمواطنة، فالطائفية شكل من أشكال العنصرية ونقيض للعدالة والمساواة ومصدر الحروب والأزمات في لبنان، والتمييز الطائفي في الوظائف والمناصب العليا في الدولة على أساس الدين يشكل انتهاكاً فادحاً لحقوق الإنسان.

وفي ظل التهميش الاجتماعي وانتهاك الحقوق يبقى السؤال قائما، كيف يمكن الحصول على ضمان الحقوق المدنية للأقليات المقيمة في الأراضي اللبنانية دون تمييز أو مفاضلة.

العنف الأسري

في سياق متصل يتم النظر في قضايا العنف الأسري في المحاكم الدينية الـ 15 في لبنان والتي يصفها الناشطون بالانحياز إلى جانب الرجال، في الوقت الذي ينتظر الناشطون في مجال حقوق المرأة بفارغ الصبر العمل بقانون جديد حول العنف الأسري في البلاد، وتقدر غيدا عناني، منسقة البرامج في منظمة "كفى" اللبنانية، التي تدير حملات مناهضة للعنف واستغلال النساء أن عدداً كبيراً من اللبنانيات - قد يصل إلى ثلاثة أرباعهن - قد تعرضن للإساءة الجسدية على أيدي أزواجهن أو أقربائهن الذكور في مرحلة ما من حياتهن، ففي لبنان الذي ينتهج نظاماً ديمقراطياً متعدد الطوائف، يتم النظر في قضايا العنف الأسري في إحدى المحاكم الدينية الخمس عشرة المنتشرة في البلاد أو في محاكم الأسرة التي تعود قوانينها إلى العهد العثماني ويصفها الناشطون بأنها تنحاز إلى جانب الرجل بشكل شبه دائم، ويقترح مشروع القانون الجديد إخراج قضايا العنف الأسري من دائرة المحاكم الدينية إلى النظام المدني متخطياً الخطوط طائفية وإعطاء النساء المسلمات والمسيحيات حقوقاً متساوية في ظل القانون، وهو ما يقول الناشطون أنه بمثابة خطوة رئيسية نحو تحقيق المساواة بين الرجال والنساء، وقالت ناديا خليفة، وهي باحثة في مجال حقوق المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" غير الحكومية: "لا تعامل محاكم الأسرة المرأة والرجل على قدم المساواة ... والقانون هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن ما زال أمامنا طريق طويل حتى نحصل على المساواة في لبنان.

وقالت وردة (ليس اسمها الحقيقي) وهي أم لستة أطفال إنها عانت من العنف الأسري على مدى عشرين عاماً. وأوضحت أن زوجها كان يتعاطى المخدرات ويضربها ويعتدي عليها طوال زواجهما. وبعد فشلها في الحصول على المساعدة في المستشفى ومن الشرطة، ذهبت لرؤية ممثل المحكمة الشيعية، ولم يقم الممثل بالكثير لمساعدة وردة سوى شرح الصعوبات في الحصول على الطلاق بسبب رفض زوجها منحها إياه. وفي نهاية المطاف لجأت إلى منظمة "كفى" وهي اليوم وعلى الرغم من استمرار زواجها تعيش مع والديها دون أن يكون لها حق في زيارة أبنائها، وفي كل عام تلجأ أكثر من 500 امرأة للمراكز النسائية في لبنان. ولكن لا يوجد في البلاد سوى أربع دور حماية لضحايا العنف الأسري والتي لا تستطيع جميعها استيعاب أكثر من 40 امرأة، من الخطأ القول أن عدد حالات العنف والاغتصاب أعلى من التي يتم التبليغ عنها ... فالحقيقة هي أنه لا يتم التبليغ عنها إطلاقاً، ولكن وفقاً لغيدا عناني من منظمة "كفى" يبلغ عدد النساء المعنفات أكثر من ذلك بكثير، حيث قالت: "من الخطأ القول أن عدد حالات العنف والاغتصاب أعلى من التي يتم التبليغ عنها ... فالحقيقة هي أنه لا يتم التبليغ عن هذه الحالات إطلاقاً"، وأوضحت أن المستشفيات ومراكز الشرطة تفشل في التبليغ عن حالات العنف الأسري قائلة أنه "الأطباء في الكثير من الأحيان لا يسألون عن الكدمات وإذا اشتكت المرأة من تعرضها لعنف أسري فإن المستشفى يكتب في تقريره أنه حادث منزلي وبالتالي لا يتم إجراء المزيد من التحقيق في هذا الشأن، أما الشرطة فتسجل حوادث العنف ضد المرأة على أنها "ضرب" دون أن تحدد في هوية الجاني "وكأنه طالما لا توجد حالات [عنف أسري] لا توجد مشكلة"، وفقاً للعناني. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

ومع وجود 18 طائفة دينية معترف بها رسمياً في لبنان، تضم البلاد 15 محاكمة دينية للحكم في قضايا الزواج والطلاق والحضانة وغيرها من المسائل الشخصية ومن بينها العنف الأسري. وهناك قوانين قضائية منفصلة تحكم القضايا الجنائية الخاضعة للقانون العام، وقالت عناني أنه "ينظر [في البلاد] إلى شؤون الأسرة على أنها مسائل خاصة جداً... كما ينظر للمرأة على أنها من ممتلكات الرجل، وقد واجهت الجهود المبذولة لإصلاح المحاكم الدينية على مدى العقد الماضي مقاومة شديدة خشية الإخلال بالتوازن الطائفي في بلد لا يزال يتعافى من آثار حرب أهلية امتدت 15 عاماً وانتهت عام 1990.

تهميش اجتماعي

كما يبدو أن من بين جميع المجتمعات اللبنانية، يعتبر الدوم، الذين يصفهم بعض الباحثين بأنهم "غجر لبنان"، الأكثر تهميشاً، إذ أشار تقرير جديد إلى أن ما يصل إلى 68 بالمائة من أطفالهم لا يذهبون إلى المدارس، وفي هذا السياق، قال شارل نصرالله، مدير جمعية "إنسان"، وهي منظمة غير حكومية تشجع على احترام حقوق المجتمعات المستضعفة أن "حصول الدوم على الحماية القانونية والرعاية الصحية والتعليم والمأوى الملائم والغذاء أمر صعب جداً، بل يكاد يكون مستحيلاً ... وقد أدى التهميش الاجتماعي الحاد إلى تفاقم هذه المشاكل، ويوصف الدوم أحياناً بأنهم "نَوَر"، وهي كلمة عربية تحمل دلالات إزدرائية كسوء النظافة الصحية والكسل والتسول والأخلاق المشكوك فيها. وعلى الرغم من أن العديد منهم يحمل الجنسية اللبنانية، وفقاً لتقرير أصدرته جمعية إنسان والمنظمة غير الحكومية السويسرية "تير ديزوم" Terre des Hommes، إلا أن التمييز الراسخ جعلهم في وضع أسوأ حتى من اللاجئين الفلسطينيين، من جهته، قال جيسون سكواير، ممثل منظمة "تير ديزوم" في لبنان أن "نتائج هذه الدراسة تصرخ مطالبة جميع الأطراف الفاعلة على الساحة الإنسانية بإعادة التفكير في مبادراتها وبرامجها الحالية وإضافة الدوم وأطفالهم إلى الخريطة الإنسانية في لبنان". وأضاف أن "المجتمع الأوسع في لبنان لا يعيش أو يجرب نفس المصاعب اليومية التي يواجهها الدوم".

والدوم هي أقلية عرقية يُساء فهمها تعيش في عدد من دول الشرق الأوسط، من بينها لبنان والأردن والأرض الفلسطينية المحتلة وتركيا والعراق وإيران. ومثل مجتمعات الغجر في أوروبا، يعتقد المؤرخون أن الدوم ينحدرون من جماعات تؤدي الفنون هاجرت غرباً من الهند منذ عدة قرون، وأشارت دراسة حديثة نشرتها الجامعة الأميركية في بيروت حول الفقر في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أن معظمهم يعيش على حوالي 2.7 دولار للشخص في اليوم الواحد. وقالت كريستين هوب، مديرة مشروع الدوم في منظمة "تير ديزوم" أن "حوالي 9 بالمائة من الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، قبل عشر سنوات، كانت عائلتنا تخشى إدراج الأطفال في المدارس... كما كنا نخشى أن يتم اعتقالنا أو رفضنا لأن الناس يعتقدون أننا خائفون من العلم. أما الآن، فنحن نحاول تسجيل أبنائنا في المدارس، على النقيض من ذلك، وجد تقرير منظمة "تير ديزوم" وجمعية إنسان أن "أكثر من 30 بالمائة من عينات الدوم التي غطاها المسح يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، وأفاد مركز بحوث الدوم أن لدى القليل من الدوم الذين يعيشون في المدن وظائف ثابتة وأنه يمكن رؤيتهم وهم يتسولون في الشوارع، أو يقرعون الطبول ويعزفون على المزمار وغيرهما من الآلات الموسيقية في الحفلات والأعراس، أو يقرؤون الطالع أو يؤدون أعمالاً يدوية. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

وقد أجرت جمعية إنسان ومنظمة "تير ديزوم" مقابلات مع أفراد من مجتمع الدوم في أربعة مواقع، ووجدتا أن العديد منهم يعيشون في مدن الصفيح البدائية ومعظم منازلهم غير متصلة بشبكة الصرف الصحي. كما أن معظم الأمهات محرومات من خدمات رعاية الأمومة ويواجه العديد من الأطفال إهمال الآباء الذين يكافحون من أجل تغطية النفقات. بالإضافة إلى ذلك، لم يلتحق نحو 68 بالمائة منهم بالمدارس على الإطلاق، وقالت هوب أن "أحد المؤشرات على عمق التمييز الذي يواجهه الدوم هو الرغبة في التخلي عن هويتهم العرقية،" مضيفة أن من البراهين الدالة على ذلك حقيقة أن لغة الدوماري تُستبدل بسرعة باللغة العربية، وأضافت أن "نصف البالغين وربع الأطفال الذين قابلناهم فقط يتحدثون الدوماري. وعلى الرغم من أن اللغة علامة على هويتهم العرقية، ولكن يبدو أن الآباء والأمهات يحاولون قمعها لحماية أبنائهم من التمييز الذي عانوا منه، ولم تتمكن جمعية إنسان ومنظمة "تير ديزوم" من تقدير حجم مجتمع الدوم في لبنان، ولكن أبحاثهما تشير إلى أن هناك 3,112 شخص منهم يعيشون في مدن بيروت وصيدا وصور. وقالت هوب أن"هناك العديد من مجتمعات الدوم داخل لبنان، لاسيما في طرابلس والبقاع، وعلى عكس اللاجئين أو البدو، الذين غالباً ما يتم الخلط بينهم وبين الدوم، تم منح الجنسية للدوم في عام 1994. وعلى الرغم من تمتعهم بحقوق المواطنة، إلا أن الدوم يواجهون تهميشاً أكبر من اللاجئين الفلسطينيين وتتجاهلهم جميع المنظمات غير الحكومية تقريباً، وفقاً للتقرير، وأطفال الدوم، على وجه الخصوص، عرضة للعنف وسوء التغذية المزمن وزواج الأطفال وظروف العمل الخطرة والاستغلال.

كما أن العديد من أفراد المجتمع يترددون في الحصول على الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية أو التعليم لأنه يتم النظر إليهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وحتى وقت قريب كان الدوم في لبنان قوم رُحل. ولكن منذ منحهم الجنسية، استقر معظمهم وبدؤوا تسجيل أطفالهم في المدارس، كما أفادت هوب، وقال رجل من الدوم يعيش في منطقة بر الياس في البقاع: "قبل عشر سنوات، كانت عائلتنا تخشى إدراج الأطفال في المدارس... كما كنا نخشى أن يتم اعتقالنا أو رفضنا لأن الناس يعتقدون أننا خائفون من العلم. أما الآن، فنحن نحاول تسجيل أبنائنا في المدارس.

أطفال العمال المهاجرين

فيما يعد أبناء العاملين في خدمة المنازل في لبنان جزءاً مهمشاً في المجتمع اللبناني الذي يضم حوالي 200,000 عامل مهاجر – معظمهم نساء من الفلبين وسريلانكا وإثيوبيا – ممن لا يتمتعون بصفة قانونية، وعلى الرغم من أن بعض أبنائهم يولدون في لبنان، إلا أنهم لا يحصلون على أية هوية رسمية. كما لا يوجد إحصائيات حول عددهم الحقيقين ويسمح القانون اللبناني لأطفال السريلانكيين والفلبينيين والغرب إفريقيين المسجلين في المدارس اللبنانية الحصول على إقامة، ولكنهم يتعرضون للتهميش والعنصرية بسبب الوضع الاجتماعي لذويهم، ولهذا السبب يتوق أبناء هذه الفئة إلى العودة للبلد التي ينحدر منها أهلهم والعيش مع أسرهم.

ولدت نيشا، 11 عاماً، في لبنان بعد أن قرر والداها البحث عن عمل في هذا البلد خلال منتصف التسعينيات هرباً من الحرب الأهلية المستعرة في بلدهما. وبعد سنوات قليلة من مولد نيشا، تعرض والدها للترحيل لأنه فقد كفيله الرسمي وتم إمساكه من قبل السلطات اللبنانية دون أوراق قانونية. وبقيت والدة نيشا بعد ذلك في البلاد واستمرت في العمل كخادمة في المنازل، وقالت نيشا: "لا تعامل أمي بشكل لائق كما أنها تعمل كثيراً. هي لا تحب عملها ولكن عليها أن توفر لنا سبل العيش، وأضافت قائلة: "أتمنى لو نتمكن من العودة إلى سيراليون ولكن لأنني ولدت هنا لا يوجد لدي وثائق تمكنني من السفر. بدأت أمي بالإجراءات قبل عامين للحصول على أوراقنا من سيراليون وعلي الآن انتظار ما سيحدث. ولكنني لا أستطيع المغادرة الآن"، "لا أحب العيش هنا لأنني لا أنسجم مع اللبنانيين وأود العودة إلى سريلانكا لأعيش حياة الناس هناك"، منى، 15 عاماً، وعن الحياة في لبنان قالت الطفلة: "العيش هنا قد يفقدك صوابك، فأنا أواجه الكثير من العنصرية كل يوم. أدخل في شجار في كل الأوقات مع أصدقائي اللبنانيين لأنهم يوجهون لي عبارات عنصرية"، "أخطط وصديقتي منى العمل كمتدربتين في مركز تجميل. أريد أن أصفف الشعر عندما أكبر للحصول على راتب أفضل ولأتمكن من الاعتناء بأمي"، ولدت منى، 15 عاماً، لأم سريلانكية وأب أردني. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.  

جاءت والدتها إلى لبنان قبل 20 عاماً للعمل كخادمة في المنازل،  قالت الطفلة أن والدتها تعرضت لسوء معاملة لفظية وجسدية على يد مخدومتها شأنها في ذلك شأن الكثير من الخادمات في لبنان،  وأضافت الفتاة قائلة: "لا أحب العيش هنا لأنني لا أنسجم مع اللبنانيين وأود العودة إلى سريلانكا لأعيش حياة الناس هناك"، "أريد أن أرى باقي أفراد أسرتي وأن أتكلم لغتي وأكون بجانب الأشخاص الذين هم مثلي".

خادمات البيوت

الى ذلك كانت سيدة إثيوبية تقابل صديقة لها بعد الخروج من الكنيسة في بيروت. وتعتقل السلطات اللبنانية في طرابلس 80 سيدة إثيوبية بانتظار تقديمهن للمحاكمة، مر أكثر من سنة على وجود ثمانين سيدة إثيوبية رهن الاعتقال في سجن النساء بطرابلس شمال لبنان بتهمة عدم امتلاكهن لجواز السفر. وعادة ما يتم سحب الجواز من هؤلاء النساء عند بدأهن العمل كخادمات في البيوت، في حين لا يملك البعض منهن جوازا في المقام الأول، ويتم إلقاء القبض على معظمهن في الشارع بعد هروبهن من أرباب عملهن بسبب الانتهاكات التي يتعرضن لها والتي عادة ما تتراوح بين الحبس القسري والتجويع وإلحاق الضرر الجسدي أو حتى الاغتصاب. كما أن بعضهن يهربن بعد أن يتعرضن للاتهام بالسرقة. وغالبا ما تجد هؤلاء الخادمات أنفسهن في مأزق يصعب عليهن الخروج منه، بعد خرقهن لعقود عملهن التي تضمن لهن رحلة العودة إلى الوطن عند انقضاء سنتين من الخدمة، وفقدانهن لجوازات سفرهن.

وفي هذا السياق، تشرح رولى المصري، منسقة مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي، وهي منظمة غير حكومية تعنى بالدفاع عن حقوق العمال، أن "السبب وراء استمرار اعتقال هؤلاء النسوة هو رفض أرباب عملهن دفع ثمن تذاكر عودتهن إلى بلدهن. فالأمن العام (وكالة المخابرات اللبنانية) لا يملك المال لذلك، كما أن سفاراتهن غالبا ما لا تكون مدركة لموضوع احتجازهن، ومن بين المحتجزات، مواطنة سودانية تدعى خلود، تقول أنها تعيش في لبنان منذ 18 عاما. حيث كانت قد أتت إليه برفقة زوجها وطفليها هربا من النزاع المسلح والبطالة. وتشكو خلود من أن زوجها تعرض للترحيل آخذا معه جميع الأوراق الرسمية الخاصة بالعائلة، وتقول: "أنا الآن لا استطيع إثبات كوني سودانية حتى أتمكن من الحصول على جواز سفر جديد. وهذا يتركني عالقة هنا، وتناضل خلود لدفع مبلغ 110 دولار أمريكي مقابل الإيجار الشهري لشقة من غرفة واحدة دون مطبخ أو ثلاجة أو مياه. وتعتمد على التبرعات التي يقدمها لها الأصدقاء لتغطية تكاليف تعليم طفليها، من جهتها، تقول جماعات حقوق الإنسان أن قوانين العمل اللبنانية لا توفر أية حماية لعمال المنازل الذين يناهز عددهم 200,000 عامل وعاملة، معظمهم نساء من الفلبين وسريلانكا وإثيوبيا، تقيم خلود، السودانية الأصل، في لبنان منذ 18 عاما. وتعمل كخادمة تحت الطلب. وهي لا تملك أية أوراق رسمية وتعتمد على التبرعات لتغطية تكاليف تعليم طفليها، بعد عامين من تضافر جهود جماعات حقوق الإنسان التي تعمل مع وزارتي العمل والعدل وكذا مع الأمن العام ، وعدت السلطات بوضع مشروع قانون جديد موحد للمهاجرين العاملين في مجال الخدمة المنزلية من شأنه تحسين ظروف عملهم، وسيتمكن العمال لأول مرة، في ظل هذا القانون، من الاطلاع على عقود عملهم بلغتهم الأصلية، تماما مثلما هو الشأن بالنسبة لأرباب عملهم. كما سيتم تمديد مدة العمل من سنتين إلى ثلاث سنوات، وستنص العقود على ألا يتعدى عمل النساء 10 ساعات في اليوم لمدة ستة أيام في الأسبوع، وسيتم منحهن ثمان ساعات متواصلة من الراحة. كما ينص القانون الجديد على ضرورة دفع الرواتب، التي كانت منظمة رصد حقوق الإنسان قد ذكرت أنها غالبا ما تحتجز كعقاب للخادمة، بالإضافة إلى ضرورة توقيع الخادمة على استلامها راتبها شهرا بشهر. شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

في المقابل، لن يلغي القانون الجديد حق صاحب العمل في فسخ العقد لأي سبب من الأسباب، مما سيجعل الخادمة مسؤولة عن دفع ثمن تذكرة عودتها إلى الوطن ، أو سداد أي ديون مستحقة عليها. كما أن هذا القانون الجديد لن يضمن للخادمات حق حيازة جوازات سفرهن.، وبالرغم من هذا التحرك، يقول النشطاء أنه لا بد من حدوث تغيير في القانون لضمان خضوع العقود الجديدة وعمل وكالات التوظيف للتنظيم. حيث يقول نديم حوري، باحث أول في منظمة رصد حقوق الإنسان بلبنان، أن "تجربة بلدان أخرى، مثل الأردن التي طبقت نظام عقد العمل الموحد وحددت الحد الأدنى لأجور عمال المنازل، تبين أن العقد وحده لا يكفي بل هناك حاجة ماسة لوضع قوانين كفيلة بحماية هؤلاء العمال، وكان شهود عيان قد أفادوا في فبراير/شباط أنهم شاهدوا خادمة تسقط من على شرفة في الطابق السادس في حي الحمراء وسط بيروت، مما أدى إلى وفاتها. وأوضحت منظمة رصد حقوق الإنسان أن خادمات المنازل يمتن بمعدل واحدة كل أسبوع في لبنان، معظمهن في محاولات انتحار أو فرار فاشلة.

تجارة الجنس

على صعيد ذو صلة  قبل سبع سنوات، عندما كانت رنا في السادسة عشرة من عمرها، أجبرها زوجها على العمل في تجارة الجنس،  وبالرغم من معرفتها بمخاطر الأمراض المنقولة جنسيا، إلا أنها غالبا ما لا تستخدم الواقيات الذكرية، مثلها في ذلك مثل العديد من العاملات المحليات في هذه التجارة، واللواتي يقدر عددهن بما لا يقل عن ستة آلاف عاملة، وتعلق رنا على ذلك بقولها: "أترك الاختيار للزبون. فأنا أريد استخدام الواقي الذكري، ولكن معظم زبائني لا يرغبون في ذلك". وعند سؤالها عن سبب تجاهلها لخطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري أو غيره من الأمراض الأخرى المنقولة جنسيا، أجابت ببساطة: "أنا لا أريد أن أخسر زبائني".

وفي هذا السياق، حذر إيلي الأعرج، رئيس جمعية الرعاية الصحية في لبنانSIDC ، من أن عدم استخدام الواقي الذكري بين العاملات في تجارة الجنس المحليات يمكن أن يصبح في القريب العاجل مشكلة صحة عامة. وأوضح أنه "حتى الآن لم يتم تسجيل حالات إصابة بفيروس نقص المناعة البشري بين العاملات في تجارة الجنس في البلاد اللواتي شملهن الاستطلاع. ولكن بمجرد أن يصل الفيروس إلى هذه المجموعة فإنه سينتشر بسرعة كبيرة".

في مسح أجرته الجمعية على مدى أكثر من خمسة أشهر ، قابل موظفوها 502 عاملة في تجارة الجنس في لبنان وتوصلوا إلى أن ثلثهن مصاب بأحد الأمراض المنقولة جنسيا، ووفقاً للبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، هناك حوالي 1234 حالة إصابة بفيروس نقص المناعة البشري بين عموم المواطنين، في حين يقدر البرنامج أن يكون هناك ما بين 2500 و 3000 مصاب بالفيروس يجهلون حقيقة إصابتهم ، وحسب لارا دبغي، منسقة مشاريع ببرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز والعدوى بفيروسه، فإن "هذا الرقم يدل على الانتشار المنخفض في البلاد ، فهو لا يتجاوز واحد بالمائة... ونحن نأمل ألا تزيد النسبة عن ذلك، ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز والعدوى بفيروسه، لم تخضع سوى حوالي 200 من العاملات في تجارة الجنس في لبنان لاختبار الكشف عن الإصابة بالفيروس. ولم تكشف الفحوصات عن إصابة أي منهن، وقد عزى العاملون في مجال الصحة ذلك إلى انخفاض معدل انتشار الفيروس في لبنان. ولكنهم أقروا بأن هذا الوضع قابل للتغير بشكل سريع للغاية. حيث أفادت دبغي أن "بعض الناس لا يعلمون بأمر إصابتهم. حيث أن عشرة بالمائة فقط من المصابين هم الذين يعلمون بحقيقة حملهم للفيروس على الصعيد العالمي، وقد تم تشكيل فريق عمل يضم وزارات مختلفة ومنظمات غير حكومية ومنظمات الأمم المتحدة والبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بغرض تصميم حملة توعية وطنية، في محاولة للحفاظ على انخفاض نسبة الانتشار، وتتمثل أحد أهداف هذه الحملة في زيادة استخدام الواقي الذكري. حيث قالت دبغي "لقد وجدنا أن ما بين 28 و30 بالمائة فقط من العاملات في تجارة الجنس هن اللواتي يستعملن الواقيات الذكرية. وتكمن المشكلة في كون الزبون هنا يعتبر هو الملك وهو من يقرر ما يريد ويحصل عليه.

من جهتها، أفادت هبة أبو شقرا الأخصائية الاجتماعية في دار الأمل، وهي عبارة عن مركز محلي يقدم المشورة للعاملات في تجارة الجنس أن "العاملة المحلية في تجارة الجنس في لبنان غالبا ما تكون امرأة فقيرة معتدى عليها تفتقر في كثير من الأحيان للتعليم ولا تملك مهارات إقناع جيدة. وتعمل كثير من هؤلاء النساء على الطرق السريعة أو في بيوت الدعارة، حيث يتعرضن لسوء المعاملة في معظم الأحيان، وقد سجلت دار الأمل حالات لنساء يقايضن الجنس بالغذاء. وحسب أبو شقرا، فإن المرأة في مثل هذه الظروف لا تهتم كثيراً باستخدام الواقي الذكري إذا كان ذلك سيعني فقدانها لزبائنها المحتملين. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

وفقاً للقانون اللبناني، يعتبر العمل في مجال الجنس قانونياً إذا مورس في بيوت الدعارة، إلا أن الحكومة لم تصدر تراخيص لبيوت الدعارة منذ عام 1975، وفي هذا السياق، قالت دبغي: "نحن نؤيد تقنين الدعارة. عندما تكون الدعارة قانونية، يمكنك الوصول إلى العاملات في مجال الجنس بشكل أفضل، ووضع برامج وقاية لحمايتهن. ما يحدث الآن أن العاملات في المجال يُمنعن من استخدام الواقي الذكري أو يجدن أنفسهم مضطرات لإخفائه عن الشرطة، ووفقاً لأبو شقرا، تقوم الشرطة في كثير من الأحيان باعتقال النساء لمجرد حيازتهن للواقي الذكري. وقد تتعرض هؤلاء للسجن لمدة تصل إلى ستة اشهر بتهمة البغاء في حال إدانتهن. هذا يجعل حمل الواقيات الذكرية عمل محفوف بالمخاطر بالنسبة للعاملات في تجارة الجنس، ويقول المناضلون من أجل إضفاء الشرعية على تجارة الجنس أن العاملات في مجال الجنس ستتمتعن بحماية أفضل بموجب القانون، وتحصلن على اختبارات صحية أفضل واستشارات نفسية، وكذلك فرصة أكبر في التفاوض بنجاح على ممارسة الجنس المأمون، وحتى يتم ذلك، ستستمر رنا في العيش مع خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري في كل مرة تمارس فيها الجنس بدون وقاية. وتعلق على ذلك بقولها: "أنا أعي خطر فيروس نقص المناعة البشري وأشعر براحة أكبر عندما يطلب العميل استخدام الواقي الذكري.

محو الأمية

من جهة أخرى قبل سبع سنوات، بدأت خديجة أسعد تحفيظ القرآن الكريم للفتيات في قرية وادي جاموس اللبنانية النائية في منطقة عكار، بالمحافظة الشمالية دون أن تكون لديها أدنى فكرة عن مدى تأثير هذه المبادرة على مجتمعها الفقير في نهاية المطاف، وقد تحدثت عن تجربتها قائلة: "اعتدت القيام بذلك في المنزل، وبعد أن زاد عدد النساء الأميات في وادي جاموس اللواتي قصدنني لتعليمهن القراءة، ذهبت لرؤية رئيس البلدية خضر عبد القادر عكاري، الذي خصص لنا غرفة في مبنى البلدية، وبدأ عددنا يكبر شيئاً فشيئاً. تعرفت على مسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية في عكار، وحضرت دورة تدريبية لتعليم البالغين الأميين، وحصلت على بعض الكتب لاستخدامها في التدريس، لم تتلق خديجة أي تعليم جامعي أو ثانوي، بل تعلمت القراءة فقط في المدارس الابتدائية. ومثل معظم الفتيات في قريتها، تزوجت في سن مبكرة، وقضت معظم وقتها في المنزل. وتبلغ خديجة الآن 42 عاماً ولم تصبح أماً بعد مما ولَّد لديها، حسب قولها، شعوراً بالعار في هذا المجتمع الريفي التقليدي وجعلها تسعى لتحقيق شيئ أكبر لنفسها ولنساء القرية، وقد كان هذا ما دفعها للتفكير في تأسيس منظمة غير حكومية في عام 2008 تحت اسم "جمعية الأسوة الحسنة، وتحدثت خديجة عن هذه التجربة قائلة: "لقد غيرت حياتي كلها وحياة النساء اللواتي لم يكن قادرات على القراءة قبل الالتحاق بالفصول الدراسية بالجمعية...إن حياة النساء صعبة للغاية في هذه المنطقة. فهن يقضين وقتهن في العمل في المنازل أو في الحقول، ولكن عندما تتعلم الفتاة كيف تقرأ، فإنها لا تقتصر فقط على الذهاب لقطف الزيتون في الحقول، بل تتغير آفاقها ويصبح بإمكانها القيام بوظائف أخرى داخل منزلها مثل الخياطة أو تصفيف الشعر أو التخصص في التجميل، وافتتحت خديجة أخيراً ورشة خياطة للمساعدة في تمويل برنامج محو الأمية وتقديم فرص للمزيد من نساء القرية للعمل خارج المنزل، وساعدها في ذلك أحد أشقائها الذي تبرع لها بالمكتب. وقد قامت جمعية الأسوة الحسنة  حتى الآن بتدريب 120 فتاة وإمرأة في القرية على القراءة. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

وفي نهاية عام 2009، زار وفد من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) القرية لتقييم مشاريع خاصة برعاية الطفل، وقرر الوفد مساعدة خديجة على إطلاق مبادرة لبيع الملابس المنتجة في ورشتها، مقابل استخدام العائدات لتمويل دورات خاصة للطلاب الذين يعانون من صعوبات في التعلم، وبعد عدة أشهر، التقت خديجة بلوكا بابيني، وهو مصور إيطالي يعمل في نيويورك وكان في مهمة في لبنان لصالح شركة الجينز التركية أورتا بلو. وبعد أن سمعت أورتابلو عن المشروع من بابيني، قررت الدخول في شراكة مع خديجة لتنفيذ مشروع جديد يتيح للنساء العاملات في جمعية الأسوة الحسنة تصنيع الزي المدرسي للأطفال في أفريقيا. وتبرعت الشركة بـ 12 ماكينة خياطة جديدة وزودت النساء بقماش الجينز لتصنيع الزي المدرسي، وتم التبرع ببعضه لتلاميذ المدارس في القرية.

وستقوم النساء خلال هذا الصيف بخياطة الزي المدرسي للطلاب في سيراليون. وتعلق خديجة على ما حققته قائلة: "ليس لدي أطفال ولكنني أعرف أن ما أقوم به قد غير مجتمعي نحو الأفضل...إن الناس يعتبرونني أسوة لهم الآن. ومنذ أن بدأت العمل، وأنا أشعر بأنني بدأت حياة جديدة. فقد كنت أشعر بملل فظيع قبل ذلك.

القنابل العنقودية

على صعيد مختلف تسببت القنابل العنقودية في قتل أو تشويه أكثر من مائة طفل في لبنان منذ عام 2006، وقال مسؤول بالجيش اللبناني حول الذخائر العنقودية أن القنابل العنقودية تسببت في قتل أو جرح 408 مدني لبناني من بينهم 115 طفلاً، ويتولى المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام مهمة تنسيق جميع عمليات إزالة الألغام فى البلاد، وقد تحدث الرئيس اللبناني ميشيل سليمان في الاجتماع عن المعاناة الناجمة عن هذا السلاح "الدنيء" الذي صمم من أجل القتل المبرمج وإلحاق الإعاقات على مدار فترات طويلة. كما أكد التزام لبنان الكامل بالاتفاقية خاصة عندما يتعلق الأمر بتقديم المساعدة للضحايا وتخليص أراضيها من القنابل العنقودية، وقد ضم الاجتماع ممثلين من أكثر من 115 حكومة ومن الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والناجين من القنابل العنقودية لمناقشة كيفية التقدم فى الالتزامات الرئيسية للاتفاقية، وفي السياق نفسه، ذكر ستيف غووز، رئيس تحالف حظر القنابل العنقودية ومدير قسم الأسلحة في منظمة هيومان رايتس ووتش، أنه "يجب على الحكومات الالتزام بوعودها وإثبات اتخاذها لإجراءات عاجلة وشاملة من أجل القضاء على القنابل العنقودية ومعالجة الآثار غير الإنسانية التي تلحقها بالمدنيين في جميع أنحاء العالم، وتعتبر لبنان وتونس الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين قامتا بالتصديق على الاتفاقية، في حين وقعها لبنان ولم يقم بالتصديق عليها بعد، وطبقا لتحالف حظر القنابل العنقودية، فان العراق ولبنان هما الدولتان الأكثر تضررا من آثار القنابل العنقودية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في حين تعتبر ليبيا أكثر الدول تلوثا بالذخائر العنقودية في الآونة الأخيرة، وذكرأن الاتفاقية ساهمت في تدمير نحو 50 بالمائة من القنابل العنقودية في العالم، كما أشار تحالف حظر القنابل العنقودية إلى أنه تم تطهير حوالي 66 بالمائة من الأراضي الملوثة في لبنان وتمت إعادتها للسكان، وأضاف غووز أنه بالرغم من النجاح الباهر الذي حققته الاتفاقية إلا أن نحو 80 دولة لم تقم بعد بالتوقيع عليها بعد بما فيها عدد من أكبر الدول المصنِّعة أو المستخدِمة أو المخزِّنة للقنابل العنقودية مثل إسرائيل وأمريكا والصين وروسيا وباكستان والهند. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/شباط/2012 - 14/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م