الثقافة والعمل الجماعي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: العمل الثقافي ميدان خصب للتنافس بين المثقفين أنفسهم، وبين المنظمات الثقافية التي تنشط هنا وهناك لتفعيل المشهد الثقافي، ولا ضير في هذا، فالتنافس حالة جيدة ومطلوبة لتحسين الاداء الثقافي، سواءً على مستوى المثقفين كأفراد، أو على مستوى المنظمات مع بعضها، وكلنا يؤمن لو لا حضور حالة التنافس والتأثير المتبادَل، لا يمكن أن يتواجد عنصر التحفيز لإنتاج الأفضل في الثقافة وفي ميادين الحياة الاخرى.

في العمل الثقافي تظهر عيوب الشخصيات والمنظمات الثقافية ايضا، هناك أفراد يدّعون الثقافة، لكنهم لا يعون قضية اختلافهم عن عامة الناس من حيث الوعي، وضرورة تقديم النموذج الأفضل في التعامل والانتاج، فينسى بأنه مثقف وينحدر الى السلوك الغريزي كغيره من الناس ويتحول التنافس بينه وبين الآخر الى صراع، وعندما تتكرر مثل هذه الشخصيات الثقافية التي لا تعي تميّزها عن غيرها، فإن صورة التنافس سوف تتحول الى صراع، وسوف يشمل المنظمات مع بعضها كلما ازداد عدد المثقفين الذين يميلون الى الصراع كبديل عن التنافس.

الثقافة والمثقفون ومنظماتهم، جميعا يحتاجون الى معالجة لهذه الصورة المتحركة لصالح الصراع بدلا من التنافس الايجابي، وهذا العلاج يكمن في القدرة على انتهاج العمل الجماعي كوسيلة وأداة للانتاج الثقافي، بطبيعة الحال يشترط العمل الجماعي توعية متواصلة ومقدرة على تهذيب الذات، والحصول على درجة عالية من الإيثار، كلنا نحتاج الى التعظيم والاحترام، كلنا نبحث عمّن يذكر اسمنا ويشيد بجهودنا ويحسّن صورتنا، ولكن على أن لا تتحول حاجتنا للتقدير والاحترام، الى حاجة قاهرة مؤذية، قد تدفعنا الى تسقيط الآخر، وإلغاء حالة الايثار كليا في سلوكنا أو من أفكارنا، هنا يتحوّل المثقفون الى مجموعة متصارعين على تضخيم الذات، وتحصيل الاشادة والتقدير من الآخرين حتى لو كانوا لا يستحقونها.

العمل الجماعي في تفعيل الثقافة علاج فعّال لكبح جماح النفس الباحثة عن التمجيد الشكلي الفارغ، وعندما نعمل معا بروح الجماعة، فإن النجاح مكفول لنا جميعا، وأن التعظيم والتمجيد والاشادة ثمار تتوزع علينا جميعا، عظيم ذلك المثقف أو الانسان الذي يؤثر غيره على نفسه، ومجيد ذلك المثقف الذي يعتدّ بذاته ويحترم نفسه، ويكتفي بنجاح العمل الثقافي دون أن تُنسب له أسباب النجاح، وكبير ذلك المثقف الذي يقدم للآخر نموذجا انسانيا واثقا متميزا محبّا للجميع، وقادرا على كبح إفرازات النفس المعقدة، التي تدفع نحو تأجيج الصراعات وتحويل التنافس من حالته المفيدة، الى حالة صراع لا يليق بحكمة الانسان وعقله وآفاق أهدافه الكبيرة.

نعم كلنا نعرف ونتفق على أن المثقف نتاج الحاضنة الاجتماعية وسماتها، ولكن لماذا يسمح أن تُطلَق عليه تسمية مثقف؟ اذا كان لا يختلف عن غيره ممن يعملون في ميادين السياسة وغيرها، ويتصارعون على المناصب وسواها، من دون الالتزام بالضوابط الاخلاقية والانسانية التي ينبغي أن لا تغيب قط عن العمل في الميدان الثقافي؟.

إن المثقف نموذج راق للانسان، إذا كان يستحق شرف هذه التسمية، وهو من يتحكم بنفسه وأهوائه وغرائزه وليس العكس، واذا اراد احد المثقفين أن يصل الى هذه الصورة المثلى للمثقف، عليه أن يؤمن قولا وفعلا بالعمل الجماعي في ميدان الثقافة، وعليه أن يتحصّن ضد الافعال أو الافكار التي تحاول أن تستفزه وتلقي به في دوامة الصراع من اجل التعظيم والتمجيد والاشادة، فكثير من العظماء - في الثقافة وغيرها- لم يحصلوا على العظمة والتمجيد إلا بعد رحيلهم عن هذا العالم، ولكن البشرية جمعاء خلّدتهم وليس شعوبهم أو أممهم فقط، ولدينا من النماذج ما يؤكد هذا القول.

لذا تستدعي الثقافة الناجحة، عملا جماعيا لا يُنسَب لفرد، أما الطريقة التي نصل من خلالها الى نشر هذا الاسلوب العملي، فهناك التوعية والمراس الدائم والتثقيف المتواصل من لدن النخبة المثقفة الواعية، التي تجتهد دائما من اجل الوصول الى ثقافة صحيحة، وليس من اجل مكاسب مادية او معنوية سرعان ما تُفصح عن زيفها، فتفضح صاحبها، ليصطف الى جانب من لا يستحقون كلمة او صفة (مثقف).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/شباط/2012 - 14/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م