من القاموس السياسي العراقي المعاصر... عفا الله عما سلف

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: العفو سجية الكرام، والانتقام من سجايا اللئام.. وفي المثل الانكليزي (الانتقام طبق يؤكل باردا).. وهو لدينا اكثر ما يكون ساخنا ويسمى الثأر.

عفا رسول الله (ص) عن مشركي مكة في يوم فتحها المبين.. وكان شعار عفوه الشهير (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن).. وكان ابو سفيان راس المشركين وزعيمهم الأكبر ليصبح بعدها صحابيا جليلا في كتابات بعض المسلمين. ولا ادري كيف ارتقى زعيم الشر هذا من رتبة الدناسة الى مرتبة القداسة، واللافتات التي يعلقها المسلمون في كل عيد نبوي نقرأ فيها: (محمد قدوتنا).. وما فهمنا معنى القدوة وما فهمنا لعنة الله على الظالمين، دعوة موصولة ولعنة دائمة حتى قيام الساعة.

ولكن هل آمن المسلمون بعد فتح مكة على إيمانهم حين أصبح ابو سفيان وآبناؤه سادة المواقع الجديدة بعد رحيل صاحب العفو الشهير؟

التاريخ يخبرنا بوقائع الغدر والخيانة التي تمرس فيها قادة الشر من مشركي مكة وما يحيط بها.. لتتحول نتائج العفو الى ملك عضوض يتلقفها الابناء تلقف الكرة.

في السياسة وقبل ولادة ميكافيلي بقرون أسس أبناء ابو سفيان ومن انتسب الى مدرسته النهج الميكافيلي في السياسة وهو (الغاية تبرر الواسطة)، وأضحى الاسلام قبليا، عصبويا، أمويا، لا يعرف غير اقصاء وتهميش وابعاد ونفي كل من لا تنطبق مواصفات الإمّعات والتابعية الذليلة لسلطة السيف او المال.

عفا الله عما سلف، كثيرا ما رددها من يتوسط لحل نزاع ينشب بين طرفين او اكثر، او يرددها صاحي الذنب امام من ارتكب ذنبا امامه يطلب منه العفو والسماح عما بدر منه بحقه، متوقعا ان ينال هذا العفو لما يعرفه عنه من كرم ونبل.

في المثل العربي العفو عند المقدرة، والمقدرة هنا تعني الاستطاعة على الايذاء والانتقام التي تتوفر للشخص للنيل ممن اساء اليه.. فلا عفو مع عدم امتلاك المقدرة لان عدم الامتلاك هو ضعف لايليق الطلب من صاحبه بالعفو عن الاخرين.

عفا الله عما سلف، قصة المأساة العراقية التي لولاها لما وصلنا الى ماوصلنا اليه، ولما عاش العراق هذه الحروب وهذا الخراب المستمر منذ اطلقها الزعيم عبد الكريم قاسم بعد شفائه من محاولة اغتياله من قبل البعثيين وعلى رأسهم صدام حسين.

عفا الله عما سلف خطأ تاريخي له نتائجه الوخيمة في تاريخ العراق المعاصر.. المعفو عنهم عادوا وانقلبوا على صاحب العفو بعد سنوات قليلة لينفتح تاريخ العراق على بوابة دامية من العنف المفرط راح ضحيتها صاحب العفو بأيدي القتلة الذين عفى عنهم، وليعيدوا الكرّة بعد ذلك ايضا في العام 1968 ويصبح راس الفتنة راس العراق الكبير وصاحب الالقاب والمقامات العالية، انه قائد العراق الضرورة صدام حسين الذي لم يتعود العفو يوما لأنه يعرف ان المعفو عنهم سينقلبون عليه يوما ما في لعبة من تبادل الادوار والمواقع لا ترحم اصحاب العافين عن غيرهم.

لو، اداة شرط لامتناع كما يعبر سادة القواعد والنحو العربي، وهي مدار كتاب لاحد الروائيين المشهورين واعتقد انه ستبفان زفايج الذي جعل هذه الكلمة مدخلا لسؤال اشكالي حاول من خلاله تخيل العالم وكيف يكون لو ان الكثير من احداثه لم تجر بالشكل الذي جرت به.

مثلا: ماذا لو ان هتلر لم يحكم المانيا؟ وماذا لو ان نابليون لم ينهزم في واترلو؟ وماذا لو ان الثورة الفرنسية لم تقم؟ الى اخر لو.. ولو.. ولو.

تخيل معي الاجابات، وتخيل ماذا لوان عبد الكريم قاسم لم يعف عمن حاول اغتياله ونفذ فيهم الحكم العادل الذي يوازي جريمتهم؟

عفا الله عما سلف يحاول بعض السياسيين اليوم اعادتها الى الواقع السياسي العراقي عبر دعوة اطلقتها النائبة عتاب الدوري التي تنتمي الى القائمة العراقية، مخاطبة رئيس الوزراء نوري المالكي ليستفيد من هذا العفو طارق الهاشمي وصالح المطلك.. ونسيت ان القدرة على العفو لا يمكن ان يستفيد منها الجميع، قتلة، ومحتالون، وسماسرة موت، وفاسدون، وهي في دعوتها تنسى تصريحاتها التي تعزف على وتر الطائفية وفتنتها الكافرة.

عفا الله عما سلف، هل تذكرنا بالعفو في العام 1959 وما جر آليه العراق من مآسي لازلنا ندفع أثمانها اليوم وحتى أجيال قادمة؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/شباط/2012 - 13/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م