العراق... صناعة وتدوير الأزمات!

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: لم يكن العراق بحاجة الى مزيد من المشاكل بين السياسيين، فقد دخلت الأزمات السياسية مرحلة من الاتهامات الخطيرة تتعلق بالارهاب والاستبداد بين الأطراف السياسية، ما يولد هاجسا مخيفا من تردي الأوضاع الأمنية لتلقي بظلالها على الواقع الاقتصادي والخدمي.

وما يزيد الأمر خطورة عندما تتطور الأحداث وتجتمع الأزمات لتحدث خروقات أمنية دموية، عادة ما يروح ضحيتها الأبرياء. فان أعمال العنف والتفجيرات مرتبطة بما يحدث من نزاعات سياسية بين أطراف الشراكة المبنية أساساً على توافقات طائفية وعرقية.

العراق اليوم يشهد حالة من الفوضى في وقت يأمل فيه العراقيون على إيجاد حلول للمشاكل بين القادة السياسيين وللانقسامات الاجتماعية والاقتصادية. وتأتي الأزمة السياسية المتفاقمة في العراق وسط مخاوف من زيادة الانقسامات والعنف. واليوم قد أنهت الكتلة العراقية مقاطعة البرلمان في وقت تصر فيه على استمرار وزرائها خارج اجتماعات مجلس الوزراء.

من جهته رحب رئيس الوزراء نوري المالكي، بعودة القائمة العراقية إلى مجلس النواب، فيما دعا وزراء القائمة لاستئناف حضور جلسات مجلس الوزراء لضمان المصالح العامة للمواطنين.

وقد اندلعت الازمة في الشهر الماضي بعد قيام الحكومة الجديدة التي اصدرت مذكرة توقيف بحق نائب الرئيس، طارق الهاشمي، بتهمة الإرهاب. واحتجاجا على هذا، قاطعت الكتلة العراقية جلسات البرلمان ومجلس الوزراء.

لكن قادة الكتلة العراقية اكدوا أن هذه الخطوة لا تؤشر نهاية الأزمة السياسية. هذا القرار قد يساعد في تخفيف التوترات ويمهد الطريق أمام القيادة السياسية من اجل عقد اجتماع قمة وطنية لمناقشة المصالحة بين الكتل السياسية.

جاءت هذه الخطوة بعد يوم من جولة اتصالات أخرى قام بها نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن مع قادة العراقية حثهم فيها على العودة إلى البرلمان من اجل عقد مؤتمر وطني يحاول الرئيس طالباني ترتيبه.

وحسب تصريح البيت الأبيض، فان بايدن تحدث إلى زعيم القائمة إياد علاوي ورئيس البرلمان أسامة النجيفي. يقول التصريح أوضح الزعيمان العراقيان بان هناك مداولات تجري بين الفصائل والأطراف السياسية العراقية كافة حول عقد المؤتمر الوطني الذي يترأسه الرئيس جلال طالباني.

وأضاف التصريح بان بايدن ناقش مع كلا الزعيمين أهمية حل القضايا البارزة من خلال العملية السياسية.

ويرى محللون سياسيون أن هذا السيناريوا كشفت عدم قدرة القائمة العراقية على المناورات السياسية وعدم قدرتها ايضا على ان يتراجع القضاء عن قراره تجاه الهاشمي. بالرغم من انه مازال في إقليم كردستان بحيث لا تتمكن القوات الأمنية الحكومية من الوصول إليه.

ويلوح الهاشمي، بنقل قضيته الى المحاكم الدولية في حال عدم استجابة القضاء العراقي لمطالبه، مطابلا ان تحسم القضية وطنيا مضيفا اذا لم يستطيع القضاء العراقي ان ينصفني فمن حقي ان اذهب الى القضاء العالمي.

التطورات الأخيرة المتمثلة بالاتهامات الموجهة الى طارق الهاشمي، ومسؤولين آخرين، والردّ عليها، عناصر أكثر خطورة الى التراكمات التي تلت الاتفاق، ومن بينها الوزارات الأمنية ومصير مجلس السياسات.

ولعل ما رفع من درجة التوتر في الآونة الأخيرة الاقتراحات التي تقدمت بها مجالس عدد من المحافظات صلاح الدين والأنبار وديالى لاستحداث أقاليم، ومنحها استقلالية تشمل الجانب الأمني.

هذه المطالب ووجهت باحتجاجات ورفض. واعتبرت الحكومة عائقا أمام فرض سيطرة أمنية، ما يفسح في المجال لنشاط قوى وتنظيمات محظورة.

 ومن المعروف أن فكرة تقسيم العراق إلى أقاليم ثلاثة كانت قد طرحت من قبل الإدارة الأمريكية على لسان جون بايدن، إبان الأزمة الطائفية التي اشتعل أوارها عام 2006.

وأفاد المسلحون انهم نفذوا حملة من الهجمات الطائفية خلال الأسابيع الأخيرة، مما ادى الى سقوط المئات من الشيعة ويستهدف عادة المتمردون الأحياء الشيعية. ويتخوف مراقبون من أن قوى الارهاب تحاول استفزاز الشيعية لهجوم مضاد.

أصبحت قصة العراق المعاصر وكأنها منقوشة على الحجر والإدعاء بأن خروج القوات الأميركية هو السبب وراء كل المشاكل السياسية المستمرة التي يواجهها العراق. والواقع أنه ليس كل ما يحدث في العراق يعكس وجود أو رحيل القوات الأميركية.

وهنا يترد تساؤل عمّا إذا كان القادة العراقيون قد انجزوا مهمتهم فعلا في وضع دستور يحترمه الجميع وبلدا مستقرا، أم أن النزاعات قد تعني أزمة غير قابلة للحل.

يقول الكاتب والمحلل السياسي "كريستوفر هل" إن المشاكل السياسية في العراق هي من صنع العراق وحده، ولا بد أن يحلها العراقيون أنفسهم. صحيح أن الوساطة الخارجية يمكن أن تساعد، لكنه لا ينبغي لأحد أن يتوهم أن القوات الأجنبية التي عملت طيلة ثماني سنوات كقوة احتلال بعد الغزو، قد تكون مثالية بما يكفي لأداء هذه المهمة.

ويتعين على القائمة العراقية أن يعتادوا على كونهم مجرد أعضاء في تحالف، بدلاً من زعماء له. ذلك أن قاعدة الأغلبية الشيعية حقيقة ثابتة من حقائق الحياة، على الأقل ما دام المواطنون العراقيون يربطون هوياتهم السياسية بانتماءاتهم الطائفية. وسوف يحسن زعماء القائمة العراقية صنعاً بإظهار المزيد من الكفاءة في الحكم بدلاً من تأجيج التوترات. بحسب رأي الكاتب

قد يكون بوسع بلدان عربية أخرى ذات أغلبية سُنّية أن تساعد في التوصل إلى تفاهم مع حكم الأغلبية الشيعية في العراق. فقد عملت هذه البلدان على تسوية الخلافات داخل الطائفة السُنّية العراقية، وربما كان بوسعها أن تعمل على تيسير المصالحة السُنّية الشيعية أيضاً، وأن تكف عن الإشارة إلى أن الشيعة العراقيين بوصفهم وكلاء لإيران. ولا شك أن احتضان العراق بدلاً من تقويضه سوف يشكل بداية طيبة لتحقيق هذه الغاية.

ولا يخفي الأكراد الآن استغلالهم النزاع بين الكتل السياسية لانتزاع تنازلات من بغداد بشأن النفط والمناطق المتنازع عليها، فان مصادر كردية أكدت ان الأكراد يريدون اغتنام فرصة المؤتمر الوطني الذي يجري التحضير لعقده من اجل حل الأزمة السياسية في بغداد، لتسوية نزاعاتهم الخاصة مع الحكومة المركزية.

فان القادة الأكراد يأملون بحمل بغداد على تقديم تنازلات مقابل تعاونهم. ومن الأهداف التي يريد الأكراد تحقيقها اعادة ترسيم الحدود الداخلية واجراء استفتاء في المناطق المتنازع عليها لتقرير ما إذا كانت تخضع لسيطرة حكومة اقليم كردستان أو حكومة بغداد، واصدار قانون النفط والغاز الذي يعترف بعقود الأكراد النفطية وينص على تقاسم العائدات مع حكومة بغداد، بعدما ظل القانون مجمدا سنوات داخل مجلس النواب.

ويتضح من هذا أن ما سيشهده العام الجديد، وما يخبئه المستقبل من أحداث، رهن بمدى إمكانية عراق ما بعد الانسحاب الأمريكي في وقف إنتاج الأزمات وإعادة إنتاجها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/شباط/2012 - 11/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م