الترهل في المؤسسات الحكومية

طرق علاجه

علي إسماعيل الجاف

يبدأ الموظف او المنتسب الحكومي في بداية مشواره الوظيفي في المؤسسات الحكومية نشيطا ومثابرا وملتزما بهدف تقدم خدمة فعلية وحقيقية الى عامة الناس في الجهة التي ينتسب فيها. وما ان يمضي عليه سنة تجريبية، التي تسمى بلغة الإدارة العامة سنة تحت التجربة، التي تكون شكلية أكثر مما هي نوعية ومعيارية بحيث يتم تقييم الموظف او المنتسب اعتمادا على استمارة كلاسيكية قديمة يمنح من خلالها درجة الجيد جدا وفي الغالب الامتياز على فقرات تلك الاستمارة.

ويلاحظ الموظف او المنتسب ان المؤسسة او الدائرة او الهيئة لا تهتم بالقضايا النوعية وإنما الكمية، في وقتنا الحاضر، التي تتطلب تواجد كميات بشرية بصفات مختلفة يبدو للعيان أنها ذات كفاءة وقدرة وقابليات تمكنها من القيام بالمهام والواجبات الرسمية وفق سقف زمني محدد. ويسعى ذلك الموظف او المنتسب جاهدا لتقديم ما لديه من خبرات ومهارات لخدمة المصلحة العامة، فيصدم بوجود معارضي التغيير ومقاومي التحديث في النظم والبرامج الكلاسيكية القديمة التي انتهت صلاحيتها في وقتنا الحاضر كوننا في بلد يحاول مواكبة التقدم والتطور العلمي والتقني. فيشاهد من حوله ينصبون له الفخاخ، ويلوحون له بالتهميش والإقصاء والنقل ... الخ؛ لكي يعطوه إيعازا واضحا مفاده: يجب عليك ان تستسلم، أيها الموظف الملتزم والمثابر والمواظب، وتواكب الركب من القدماء وكبار السن وماسحي الأكتاف ووارثي المناصب حتى يكونوا راضين عنك كونك تمثل تهديدا لهم ...

لكن يواصل ذلك الموظف او المنتسب اخلاصه، ويبدأون بإيقاعه في فخاخ اللجان المقعدة والواجبات الصعبة والأعمال الإضافية، فنراه يجتهد ولا يستسلم وربما يخطا ويصرف مالا من جيبه الخاص فتكون النتيجة: العقاب او عدم الرضا! فينظر حوله وينادي من هم قربه، فلا يجد أذانا صاغية لما يقوله ... لان الجميع ضده ويريدون التخلص منه. فيكون القرار النهائي الذي يتخذه مجبرا هو مسايرة الوضع الذي يراه كونه لا يستطيع ان يواجه جيوش الظلم والاستبداد والمحسوبية المتكالبة عليه.

وبعد مرور سنتين او أكثر على ذلك الموظف او المنتسب يندم على من قدمه من خدمات وتفاني في العمل وجهد بدني وفكري من اجل مؤسسته او هيئته او دائرته او وزارته لأنه ينظر الى من حوله فيرى الجميع يفوقونه مقاما ومنزلة دون ان يكون لديهم جهدا استثنائيا او اداءا فريدا او عملا نوعيا ونموذجيا، و كون الراتب الشهري ثابت والمخصصات والحوافز والساعات الإضافية والايفادات وكتب الشكر والتقدير والدعم المادي والمعنوي متواصل لهم، وهو يتحسر وينتظر قوت عياله الشهري الذي يبارك له الله فيه؛ لكن يمر بمرحلة عسيرة وصعبة ويجاري الأوضاع بمرارة وحسرة كبيرتين.

ولحل تلك المشاكل والمواضيع الجوهرية المهمة في يومنا وعصرنا الحاضر، نقترح الآتي:

1.) تطبيق التوصيف الوظيفي في المؤسسات الحكومية؛

2.) تحديد القوى العاملة في المؤسسات الحكومية؛

3.) تحديد وصف العمل لكل وظيفة حكومية؛

4.) تفويض الصلاحيات او تخويل الصلاحيات وفق معايير علمية دقيقة ومحكمة؛

5.) استحداث أقسام الرقابية الوظيفية (التقييم والتقويم) في كل دائرة او هيئة او مؤسسة ترتبط بجهات خارجية (المحافظ، رئيس الوزراء او البرلمان)؛

6.) السعي لاستحداث دائرة التمكين في كل وزارة؛

7.) استحداث استمارات تقييم وتقويم للمنتسبين او الموظفين حديثة ومتطورة لا تسمح بعشوائية ومزاجية وفردية اتخاذ القرارات في المؤسسات الحكومية تتابع من قبل فقرة (5 و6) أعلاه؛

8.) يجب الاعتماد على المناهج التطبيقية، التي تناسب واقعنا وليس قوالب غربية او أجنبية جاهزة، في تطوير وتمكين وتدريب كوادر المؤسسات الحكومية ويكون ارتباط مركز التدريب والتطوير او هيئة التمكين والتقويم او اللجان العليا لتطوير الكوادر الحكومية بالفقرة (5) حصرا؛

9.) تشكيل هيئة استشارات عليا او اللجنة العليا للاستشارات، داخل الدائرة او الهيئة او المديرية او المؤسسة، ترتبط بالوزير حصرا او المفتش العام حصرا لإبداء المشورة في الاستبدال، الاستحداث، التطوير، المشاريع، البرامج الحديثة، الخطط الإستراتيجية...الخ الى الإدارة العامة في تلك المؤسسات الحكومية، ليكون القرار استشاريا وليس فرديا؛

10.) استحداث وحدة متابعة في كل شعبة، قسم، مركز، هيئة ...الخ للقضاء على الروتين الإداري، والقيام بالمتابعة الدورية والعاجلة وفق منهج اسمه السقف الزمني او أدارة الوقت لان اغلب الأعمال المؤسساتية تعتمد كليا على الورقة والقلم؛

11.) استحداث "شعبة او قسم العلاقات العامة" (لدى الباحث كتاب مؤلف من قبله حول الموضوع) يهدف الى الحد من ظاهرة الفساد الإداري والمالي وظواهر الرشوة والمحسوبية والمحاباة يفترض تقليل وتضعيف العلاقة المباشرة بين المواطن (طالب الخدمة) والموظف (مقدم الخدمة)، باستخدام معطيات تقنية المعلومات والكمبيوتر كالحكومة الالكترونية في انجاز المعاملات، خاصة وإنها أثبتت نجاحها في العديد من الدول؛

12.) دعم قيم الوظيفة العامة أو العمل من خلال الاهتمام بأخلاقيات الوظيفة العامة في عملية الاختيار والتعيين والترقية، وجعل توافر خصائص نزاهة الأفراد شرطاً من شروط التوظيف والترقية إلى جانب الشروط الأخرى، خصوصاً بالترقية للمناصب القيادية؛

13.) زيادة المقابل المادي ليتلاءم مع المتغيرات الاقتصادية ومستوى المعيشة للموظفين، والعمل على مكافئة الموظفين المتميزين: " أزجر المسيء بثواب المحسن "؛

14.) تعميق الوعي بقيم العمل وأخلاقياته، أو الوظيفة العامة فكراً وسلوكاً لدى الأفراد العاملين، وتبصيرهم بمخاطر آفة الفساد الإداري وأعراضه ومخاطره وعواقبه، على إن تتجسد ممارسة الأخلاقيات المذكورة بقادة المنظمة أولاً؛

15.) إعلان الميزانية المالية المخصصة وأوجه إنفاقها، للأفراد العاملين والمستفيدين مما يمثل الشفافية في عمل قيادة المنظمة وبالتالي زيادة الرضا الوظيفي، وتكون قيادة المنظمة انموذجاً متميزاً لقيادات المنظمات الأخرى؛

16.) توعية المراجعين بأهمية دورهم في معالجة أي شكل من أشكال إساءة استخدام السلطة أو أي صورة من صور الفساد من قبل قيادات المنظمة، وتتم هذه التوعية عن طريق مختلف أنواع الأجهزة الإعلامية في المنظمة وخارجها ومن خلال الإرشادات في أماكن انتظار المراجعين، بما يكفل زيادة فهمهم للإجراءات، والالتزام بها والتبليغ السريع عن أي محاولة ترصد من قبلهم لكي يتم توجيه العقاب المناسب للمخالف؛

17.) تركيز الرقابة الفاعلة وتشديدها، وذلك بواسطة لجان سرية مهمتها متابعة أساليب تعامل الموظفين مع المراجعين ومعاقبة الموظف الذي يتقبل أسلوب الرشوة أو الوساطة أو المحاباة في انجاز معاملات المراجعين، ولابد أن تتمتع هذه اللجان بالاستقلالية التامة والسلطة والصوت المسموع لدى قيادة المنظمة ؛

18.) الاهتـمام بالتنــميــة البشــريـــة والاستــثمار فــي رأس المـــال البشـــري (Human Resources Investment) من خلال تحسين مستويات دخل الموظفين ودرجة تطويرهم وتوفير الخدمات لهم، لأن ذلك سيكفل مستوى معيشي يغنيه عن أي سلوك منحرف فضلاً عن انه سيجعله يفكر مرات عديدة قبل إقدامه على أي سلوك منحرف قد يجعله يفقد ما يحصل عليه؛

19.) ضرورة تبني فلسفة ادارة القيم (Management by Values) وإدارة الأهداف (Management by Objectives) وإدارة التنظيم (Management by Organisation) إذ أن ذلك ينسجم وحاجة المجتمع إلى تجسيد روح العدالة الواقعية في العمل والعلاقات الإنسانية، حيث يساعد ذلك القيادات في التقليل من حالات الفساد الإداري وتحقيق العدالة والمساواة بشكل واضح وهام؛

20.) تفعيل دور المفتشين العموميين وفصل ارتباطهم بالدوائر التي يعملون فيها وربطهم بهيئة النزاهة العامة؛

ونود ان نذكر ان كل فقرة ذكرت أعلاه، تتطلب شرحا وافيا من قبل الباحث كونه المختص في الموضوع، فهنالك فروقا بين المؤسسات الحكومية (الخدمية والإنتاجية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/شباط/2012 - 9/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م