بين ديمومة الحياة والعمل كقيمة مقدسة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: مثلما لا يتساوى العالِم بالجاهل، فإن العامل لا يتساوى بمن يتقاعس عن العمل، الأول العالِم يدرك ويفهم ويتعامل مع شؤون الحياة بوعيه الرصين، أما الجاهل فإنه لا يقطف شيئا من ثمار العلم بسبب جهله، فيبقى رازحا في الحضيض على الدوام إلا اذا نهض بوعيه وطوّر عقله، كذلك الحال يبقى العاطل بذاته (وليس المعطَّل بغيره) فهو كالجاهل في النتيجة، يعيش في حضيض الحياة، والسبب لأنه لا يسعى بصورة جدية لتحقيق ذاته من خلال العمل.

يعرّف العمل بمفهومه المادي الملموس، بأنه سعي الكائن لانتاج شيء ما، يؤكَل أو يُشرَب أو يُرتَدى أو يُسكَن، أو أنه بالنتيجة يساعد على تحقيق الاشياء الأربعة التي سبق ذكرها، وسواها مما يحتاجه الانسان والكائنات الاخرى الأليفة لمواصلة الحياة، أما في حالة تقاعس الفرد عن القيام بدوره هذا، فإنه سيصبح عالة على المجتمع، وعاملا لتأخير التقدم والاستقرار، لأن أعباء عيشه، ستلقى على كاهل إنسان آخر، ومثلما يقوم الآخرون برفد الحياة بالديمومة، على كل انسان أن يقوم بدوره المناسب، كما يقول المثل المعروف (زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون).

ولا يصح في أي حال أن يتساوى الانسان المنتِج بغير المنتج، أي ليس من العدالة بشيء أن يتساوى من يعمل وينتج ويساعد على نمو الحياة وتطورها، بمن لا يؤدي دوره في هذا المجال، حتى أن الله سبحانه وتعالى أكدّ في محكم كتابه العزيز، عبر الآيات الشريفة، أن الحياة ساحة لتقديم العمل الأفضل كما نقرأ ذلك في سورة الملك (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).

ولكي يزداد الانسان تمسكا في قيمة العمل المنتِج والصالح، فقد حثت النواميس والاعراف والافكار البناءة، على ضرورة تمسك الانسان بالعمل واعتباره قيمة مقدسة لا يجوز التفريط بها، والاعتياش بوسائل عيش يغيب عنها العمل الصحيح، ولكي لا يخطئ الانسان في أعماله، بقيت الذات الإلهية تتابع وتراقب عمل الانسان، فيُجزى على العمل الأفضل، أو يعاقب على العمل الخاطئ، أو على تقاعسه عن العمل، لذا يقول الله تعالى في كتابه الكريم (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) -التوبة 105-.

لذا ينبغي أن تُغرس قيمة العمل في ذات الانسان منذ أوائل نشوئه وترعرعه، وعلى المحيط العالي أن يسعى لغرس حب العمل لدى الاطفال، وأن يفهم الصغير، بأنه لا يتمكن من مواصلة حياة أفضل وأجمل من دون احترامه للعمل والتمسك به، وثمة أمر يكاد أن يعرفه الجميع، فالحياة اليومية الروتينية تكاد تهيمن على عوالم بعض الافراد، فتصبح حياتهم روتينية مكرورة لا تنطوي على الجديد، أو المحفز على التطوير والتغيير نحو الافضل، لذا يعد العمل من أهم وأفضل وسائل تجديد الحياة، على الصعيدين الفردي والجماعي، بمعنى أن الفرد قادر على تحسين حياته وجعلها تزخر بالجديد الجميل من خلال العمل، ويمكنه ايضا من خلال التقاعس ان يجعلها رتيبة مملة وبائسة في آن، لذا يؤكد أحد الكتاب على أن (العمل يقتل أكبر أعداء الانسان الملل والشر والفقر).

ولابد أن يفهم الانسان منذ طفولته، أن حياته مرتبطة بعمله الجاد، وأن الامنيات وحدها غير قادرة على تحقيق ما يصبو إليه، ولابد أن تقترن الامنية بالعمل، فإذا كانت الامنية كالحلم الذي يتمنى الانسان تحقيقه في حياته، عليه أن يفهم ويؤمن أيضا، أن سبيله الى ذلك هو العمل، كما يقول الشاعر في هذا الخصوص: (وما نيل المطالب بالتمني... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا).

ولكن قد يكون الانسان عاطلا عن العمل خلافا لرغبته ومؤهلاته، كما يحدث الآن في العديد من الدول العربية والاسلامية ومنها العراق، حيث تنتشر البطالة بين شريحة الشباب وغيرهم على الرغم من القدرات المالية الهائلة التي تدرها ثروات النفط وسواه، والسبب هنا سوء الادارة للحكومات التي تعاقبت على حكم هذه الشعوب، لذا في هذه الحالة لا يمكن تحميل الفرد العاطل عواقب عجزه عن اداء عمل ما يتناسب مع قدراته ومؤهلاته، ومع ذلك ينبغي أن يسعى الانسان الى ملء فراغه بالعمل أيا كان نوعه شريطة أن لا يشكل تجاوزا على حقوق او كرامة الآخرين.

وبهذا تعد قضية العمل وفق هذا المنظور عاملا فاعلا واساسيا لتحقيق الذات الانسانية، وخلافها لا يمكن للانسان أن يشعر بوجوده أو قيمته أو مكانته، بل لا يشعر بحياته كلها ولا بقيمتها او الجدوى منها، لهذا ينبغي احترام العمل من لدن الجميع واعتباره قيمة مقدسة لا يجوز التفريط بها قط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/شباط/2012 - 8/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م