مثقفو الاعتدال... عقول تمهد لمجتمعات أفضل حالا

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يتّسم المثقفون وفقا لأفكارهم وما يؤمنون به، بالعنف أو السلم، أو الاعتدال، وهي حالة التوسط بين النقيضين، ولا يوجد مثقف خارج هذا التصنيف، لأنه حامل ومنتِج الافكار معا، وطالما أن مهمة المثقف هي الترويج لما يؤمن به، لذا سيقع منتَجهُ داخل إطار الفكر الذي يحمله وينتجه في آن.

الافكار يمكن أن تشعل الحروب بين الامم والشعوب، وقد حدث هذا عبر التأريخ، ويمكن أن تكون على العكس من ذلك، فترتقي بالامم والشعوب، وتبثّ أجواء السلم، وتدفع نحو التطور والازدهار، وهو ما فعله الفلاسفة والمفكرون والمثقفون في أمم وشعوب كثيرة.

الثورات كما هو متعارف لا تستمد طاقاتها وديمومتها من العنف، فالتغيير نحو الأفضل لا يتسق مع وسائل العنف ولا غاياته، ولذلك كان مثقفو الثورات العظيمة مصابيح فكرية مضيئة، تسير وفقا لمساراتها وتوجيهاتها، ملايين البشر الراغبين بالانتقال من حال سيّئ الى أفضل، ولن تستقر ثورة تقوم على الدم، لأن إراقة الدماء أشبه بصَبُّ الزيت على النار، لذلك أينما توجد الثورات والتغيير الافضل يوجد المثقفون المعتدلون.

أما مثقفو العنف والفتن وصناعة الحروب والصراعات الساخنة او الباردة، فتجدهم في الغالب في البيئات المتشنجة المشحونة بالغلّ والتعقيد والانطواء، ناهيك عن أجواء الظلم والجهل والتراجع في جميع مناحي الحياة، وهكذا تكون البيئة المجتمعية مشجعة لظهور واحتضان مثقفي العنف، بسبب أفكارهم وتوجهاتهم التي لا تدنو من الوسطية ولا تعرف الاعتدال، فهو إما أن يكون نارا أو ترابا، أما أن يصبح هواءً نقيا مساعدا على صنع اجواء السلام والسكينة والاستقرار، فتلك مسألة مستبعَدة جدا.

مثل هؤلاء المثقفين، لا يريد أحدهم أن يخدم أمته ولا شعبه، فهو مؤدلج مسبقا ومعبّأ بالضغينة، لذا غالبا ما يكون منتَجه الفكري متطرفا، ومشجعا على التناحرات والفتن، وهو بطبيعة الحال يجهل قيمة الكلمة وسلطتها ومفعولها، وربما لا يعرف بأن الكلمة هي التي تشرعن للعنف أو السلام، وإذا أدرك ذلك وظل مصرا على نهجه وسعيه في إثارة الصراع والخراب، فهو مثقف متطرف ينطوي على سوء السريرة والافكار معا، وبهذا قد يفتح مثل هؤلاء أبواب جهنم على شعوبهم، إنهم يفعلون ذلك مع سبق الاصرار، وهي درجة من التطرف تجعل من الانسان يتحول الى كتلة من الشر، ومشروع دائم لاشعال الحروب والفتن، وصناعة الخراب ليس في بلده وحده، بل قد يسعى الى بقاع اخرى في الارض، لأن الفكر المتطرف والمثقف العنيف كالجسد وظله تماما، لا يفترق أحدهما عن الآخر، وهكذا تكون النتائج وخيمة لاسيما في الشعوب ذات القدرات الضعيفة في التنظيم والثقافة وميادين العيش الاخرى.

إننا نحتاج الى المثقف المعتدل، مثقف اللاعنف، لبناء عالم أفضل، عالم يمكن أن تقوده حالة من الاحترام المتبادَل بين الامم والشعوب كافة، ينتجها العقل المحترِم، الذي اقترحه احد العلماء المعاصرين (هوارد غاردنر صاحب كتاب خمسة عقول من اجل المستقبل)، مؤكدا على أن مستقبل البشرية قائم على انتاج العقول التي تحترم غيرها، ولا تقصي آرائهم، بل تبحث دائما عن النافذة التي تقود الى احترام الآخر وأفكاره ومعتقداته وآرائه، باختصار نحن بحاجة ملحّة وكبيرة الى المثقف المعتدل الذي يبث حالة القبول بالآخر ويشيع حالة السلم والتعايش بين الجميع، حتى لو اختلفت أفكارهم وآراؤهم، فما يجمع بين الانسان والانسان أكثر بكثير مما يفرق، وما يجعل العالم أفضل حاضرا ومستقبلا هو الفكر المعتدل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/كانون الثاني/2012 - 7/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م