المرأة المصرية ما بعد الثورة... الحلقة الأضعف وأكبر الخاسرين

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يبدو ان المرأة في مصر باتت تشكل الحلقة الأضعف في معادلة التغيير الصعبة التي تجري في تلك الدولة، خصوصا ان مراكز القوى المستبدة لا تزال تمثل أمرا واقعا يسعى الى اجهاض المكاسب المفترضة من الثورة التي اطاحت بنظام مبارك.

فالمجلس العسكري والحركات الاسلامية ذات النزعة المتطرفة اخذت تتبادل الادوار في التنكيل تارة والتحقير تارة أخرى بقيمة النساء في مصر، متخذة ذرائع قانونية باطلة وفتاوى مختلقة ما انزل بها سلطان.

فيما شكل انزواء الاحزاب والتجمعات الوطنية المعتدلة مؤشرا خطيرا على الانحدار القادم لحقوق المرأة مع خلو الساحة المصرية من جهات تكفل عدم التمادي في انتهاك تلك الشريحة الاساسية في المجتمع.

فقد شاركت النساء بدور رئيسي في الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في مصر يوم 25 يناير كانون الثاني 2011 وأطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك. وكانت المصريات أيضا في مقدمة الصفوف خلال احتجاجات على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى ادارة شؤون البلاد وعلى الحكومات المتعاقبة التي عينها المجلس.

فالطالبة والناشطة أسماء حمدي في التاسعة عشرة من عمرها عندما اعتقلت يوم 18 يناير كانون الثاني 2011 قبل بضعة أيام من انطلاق الانتفاضة. وقالت أسماء "يعني مع أني لسه سني صغير بس شفت كثير. شايفة أننا نستاهل تعليم أحسن.. نستاهل أن يكون عندنا مستوى صحي أفضل وكمان الحريات معدومة.. مفيش حد يقدر يقول رأيه بحرية الا لما يتاخذ يعني أو يتقبض عليه. وبالتالي فكنت شايفة أننا لازم نعمل كده علشان نحصل على حقوقنا أصلا."

كانت أسماء توزع منشورات تدعو لمظاهرات حاشدة يوم 25 يناير كانون الثاني الذي بدأت فيه الحشود تتجمع الى أن أطاحت بحكم مبارك يوم 11 فبراير شباط 2011.

وقالت الناشطة الشابة "هو الوضع له جانبين. فيه جانب كويس وفيه جانب سييء للغاية. الجانب السييء قوي هو الانتهاكات اللي كانت بتحصل للسيدات قبل الثورة.. نفسها لسه بتحصل بعد الثورة على ايد كمان العسكر مش بس الداخلية. بس الحاجة الكويسة يعني أنه الناس بدأت تعرف اللي بيحصل وبدأت تحاربه وبدات تقف ضده وتساند الستات دول عشان يأخذوا حقوقهم. لكن اللي كان بيحصل قبل كده أن كان الموضوع بيتم التغطية عليه والتعتيم عليه بحيث أن ما حدش يعرف أو يأخذ حقه."

وقتل خلال الانتفاضة زهاء 850 متظاهرا وأصيب أكثر من ستة الاف اخرون. ولا توجد بيانات رسمية لعدد النساء بين القتلى والجرحى.

ووجهت للمجلس العسكري اتهامات باستغلال انقسامات المعارضة وخوف المصريين من الفوضى لتعزيز سلطته والحد من التغيير. كما يقولون ان تعامله مع احتجاجات حدثت خلال الاشهر القليلة الماضية أعادت في أحيان الى الأذهان ما كان يحدث أيام مبارك وكأنه ينهج نهجه.

وقالت نساء اعتقلهن الجيش خلال أحداث تالية للانتفاضة انهن تعرضن لكشوف لاثبات العذرية وتفتيش جسدي وتحرش جنسي وضربن بعصي كهربائية خلال احتجازهن. كما ثارت موجة من الغضب في أعقاب تشر صور ولقطات مصورة لجنود يضربون فتاة ويجردونها من ملابسها خلال مظاهرة. بحسب رويترز.

وتوثق جمعية نظرة للدراسات النسوية الهجمات والاعتداءات التي تعرضت لها النساء لكنها لم تنشر تقريرا بهذا الخصوص. وقالت فاطمة إمام الباحثة في جمعية نظرة "مع الاسف الفنرة الاحيرة النساء في مصر تعرضت لكثير من الانتهاكات. على رأسها عياب تام من المجال السياسي وده تم تأكيده فذ كذا حادثة زي وجود عدد قليل جدا من الوزيرات في مجلس الوزراء على اختلاف بقى.. وزارة شفيق.. وزارة شرف.. وبعد كده دلوقتي وزارة الجنزوري. وكمان فيه حاجة ثانية.. ما كانش فيه ستات خالص في اللجنة اللي أعدت الاعلان الدستوري. وكمان عدم وجود أي اهتمام بتوسيع الرقعة اللي بتشغلها المرأة في المجالس النيابية وده كمان كم القوانين اللي أصدرتها المجلس الاعلى بوجود ست واحدة بس في اللوائح الانتخابية."

وتقدمت الناشطة الحقوقية داليا زيادة التي انضمت الى حزب العدل بترشيح نفسها في أول انتخابات برلمانية بعد سقوط مبارك. وكانت مجلة نيوزويك قد ذكرت اسم داليا زيادة ضمن أكثر 150 شخصية نسائية تأثيرا في العالم في عام 2011.

وقالت داليا "أنا ما أقدرش أقول ان كفاح المرأة على مدار الفترة اللي فاتت هو كان.. مش بس من الثورة وحتى الان.. لكن حتى من قبل الثورة كمان.. ما كانش.. ما أقدرش أقول انه لم يكن يستحق العناء. بالعكس.. ما أنجزناه حتى الان كان يستحق العناء. فمثلا هناك سيدات وشابات في سن صعير أصبحن مرشحات للبرلمان وأصبحن قادرات على التنافس في البرلمان ولم يكن بوسعهم عمل ده أيام مبارك مثلا. فأنا شايفة أن ده خطوة ايجابية. لكن فيه خطوات أخرى سلبية أهمها تجمد عقلية المجتمع تجاه المرأة واصرارهم على تحجيم دور المرأة في دور معين ومحدد وهو المنزل أو في أدوار معينة داخل المجتمع دون قبولها في أدوار قيادية. طبعا المسألة دي مسألة صعبة وح تأخذ وقت لكن احنا لازم نستمر في الضغط من أجل ذلك سواء كنشطاء أو سياسيين من أجل ايجاد المكان المناسب للمرأة في المجتمع وإدماجها في كل أنواع النشاط."

وكانت طوابير النساء تمتد مئات الامتار أمام لجان التصويت في انتخابات مجلس الشعب. لكن كثيرين يخشون أن يؤدي حصول الاسلاميين على أغلبية مقاعد مجلس الشعب الى المزيد من تراجع دور وحقوق النساء. ولم تفز داليا زيادة في انتخابات مجلس الشعب التي لم ينجح فيها سوى ثماني نساء.

حماية حقوق المرأة

ومما يؤكد التدهور الحاصل في مصر قالت منظمة العفو الدولية في بيان ان معظم الاحزاب المصرية التي نشأت بعد الثورة المصرية تحفظت على بند يتعلق ب "حماية حقوق المرأة" في وثيقة طرحتها المنظمة على هذه الاحزاب.

واوضحت المنظمة ان معظم الاحزب التي دعتها المنظمة لتوقيع وثيقة من عشر نقاط بعنوان "اعلان حقوق الانسان" تحفظت على البند التاسع منها الذي يدعو الى "حماية حقوق المرأة بما في ذلك ضمان مساواة المرأة في الحقوق المتعلقة بالزواج والطلاق وحضانة الاطفال والميراث".

وتابعت المنظمة ان هذه الاحزاب "استندت إلى احكام الشريعة الاسلامية لتبرير عدم قدرتها على الالتزام بهذا التعهد".

وتتبع مصر المذهب السني الذي لا يكفل المساواة بين المرأة والرجل في حقوق الميراث على وجه التحديد. وقال فيليب لوثر القائم باعمال مدير قسم الشرق الاوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية انه "مما يبعث على القلق ان عددا من الأحزاب رفض الالتزام بضمان مساواة المرأة في الحقوق". واضاف "بالنظر الى حصول حفنة قليلة فحسب من النساء على مقاعد في مجلس الشعب الجديد، فمن الواضح انه لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام قيام المرأة بدور كامل في الحياة السياسية المصرية".

ويضم البرلمان المصري الجديد الاول بعد اسقاط نظام حسني مبارك والذي بدأ اعماله مؤخرا، عشر سيدات بينهن ثماني منتخبات واثنتان تم تعيينهما ضمن عشرة اعضاء يحق لرئيس الجمهورية الذي يقوم مقامه الان رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي، اختيارهم.

واكد البيان انه من بين 15 حزبا اجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم حول "اعلان حقوق الانسان" فان حزبين فقط وقعاه بالكامل وهما الحزب المصري الديموقراطي الاجتماع (يسار الوسط ليبرالي) وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي (يسار).

وقال البيان ان سبعة احزاب وقعت البيان مع تحفظها على البنود المتعلقة بحقوق المرأة وانهاء التمييز والغاء عقوبة الاعدام. واكد ان حزب "الحرية والعدالة" الذي فاز بما يقارب نصف مقاعد مجلس الشعب "لم يقدم ردودا محددة بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها المنظمة من اجل التعرف على ارائه".

وصرح فيليب لوثر ان "منظمة العفو الدولية تهيب بمجلس الشعب الجديد ان ينتهز فرصة صياغة دستور جديد من اجل ضمان جميع الحقوق لجميع المواطنين في مصر على ان يكون حجر الأساس هو ضمان عدم التمييز وضمان المساواة بين الرجل والمرأة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/كانون الثاني/2012 - 6/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م