غسيل سمعة... عن المعايير المهنية في العراق

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: البرنامج الاشهر في الفضائيات العربية برنامج (الاتجاه المعاكس) الذي يقدمه فيصل القاسم من على شاشة الجزيرة الفضائية منذ سنوات طويلة.. وهو الاشهر بكثرة زعيق ضيوفه وصراخهم على بعضهم او مع مقدم البرنامج.. ولغرض التواصل مع جمهور المشاهدين استحدث البرنامج فقرة الاتصالات الهاتفية التي كثيرا ما أوقعت مقدم البرنامج في اكثر من ورطة وموقف حرج.. ثم استحدث البرنامج فقرة الردود والمشاركة عبر البريد الالكتروني والتي يمكن السيطرة على ما يرد فيها من خلال التحكم في قراءة ما يحلو له من ردود تتطابق مع القضية التي يؤيدها البرنامج.. ثم استحدثت فقرة الاستفتاء حول موضوع الحلقة والتي كثيرا ما يتم التلاعب بنتائجها بما يخدم توجهات القناة والدفاع عن احدى القضايا..

البرنامج بصيغته التهريجية والتحريضية تلك اصبح مثالا يحتذى به منذ ذلك الحين بالنسبة لبقية القنوات وبرامجها الحوارية اضافة الى استنساخ وتقليد فقرة الردود والاستفتاء.

الاعلام العراقي اخذ حصته من هذا الولع العربي بالبرنامج.. وكنا شاهدنا الكثير من مقدمي البرامج الحوارية وهم يقلدون فيصل القاسم في الكثير من حركاته ومماحكاته.. اذا كانت القنوات العربية هي الاقدم تأسيسا في الفضاء العربي والتي افرزت الكثير من الظواهر السلبية في مجالات العمل الاعلامي ليس اقلها استنساخ العديد من البرامج والمواد الغربية المتناقضة مع البيئة الثقافية والاجتماعية العربية والاسلامية، فان الفضائيات العراقية وظهورها المتاخر بعد العام 2003 والتي خرجت بعد عقود المنع وتكميم الافواه فانها نقلت امراضا متوطنة من ناقل المرض والذي عادة مايكون اكثر فتكا في حالة حضانته عند المريض الاول.

قناة الشرقية والتي هي واجهة اعلامية من كثير من الواجهات في امبراطورية سعد البزاز الاعلامية اخذت ملامح كثيرة من ملامح الفضائيات العربية وخصوصا قناة الجزيرة الفضائية سواءا عبر برامجها الحوارية او فقرات بعض تلك البرامج او طريقة التقديم التي اشتهر بها مقدم الاخبار في الجزيرة جميل عازر او فيصل القاسم صاحب الاتجاه المعاكس.

في فقرة مستعارة من فضائيات اخرى تطرح قناة الشرقية استفتاءا عبر سؤال تتراوح الاجابة عنه بنعم او لا.. كان سؤال الاستفتاء الذي طرحته الشرقية هو: هل طارق الهاشمي مذنب ام بريء من التهم الموجهة اليه؟

وكانت حصيلة الاستفتاء هي: 74 بالمائة بريء، و13 بالمائة مذنب.. وهو مايذكر بنظام المحلفين في المحاكم الامريكية.

كل يوم في طريقي الى العمل او العودة منه، في الحافلة او في مايدور بين الناس من احاديث لم المس مثل تلك النسبة العالية من البراءة للتهمة المنسوبة الى طارق الهاشمي..بل المس اصرارا على اتهامه وتمنيات بكشف ملفات اخرى لمسؤولين اخرين.

ما هي الضوابط التي اعتمدت عليها الشرقية لاستخراج مثل هذه النسبة والتي تشي بتوجهات طائفية ليست بعيدة عن خطاب الشرقية وبرامجها رغم محاولاتها النأي عن مثل هذه التوجهات في العموميات من المسائل؟

منذ تاسيسها تعمل قناة الشرقية على مايمكن تسميته ب (غسيل السمعة).

وكلمة (غسيل) هذه كثيرا ما ترد في ما يتعلق بغسيل المخ او العقول او غسيل الاموال وهي تعبير سلبي ومغرق في الانحراف في جميع ما يتعلق بميادين عمله الا اللهم في ما يتعلق بغسيل الملابس ولكنه هنا ايضا تفوح منه رائحة القذارة والاوساخ.

غسيل السمعة كثيرا ماقامت به قناة الشرقية منذ انطلاقتها وحتى اليوم وعبر اكثر من شخصية للكثير من الشخوص والاصوات النشاز في الواقع السياسي العراقي الذي افرزته تداعبات تاريخ العام 2003.

وهي كثيرا ما تاخذ على عاتقها الترويج لطروحات القائمة العراقية او للخطاب البعثي ومفرداته الايديولوجية، وكثيرا ما كانت منبرا لاشد رموز التطبيل والمديح للنظام السابق والذين اصبحوا بعد سقوطه هم وطنيو العراق المخلصين وقادة الشرف العراقي وحماة مجده ضد الغزو الامريكي والغزو الصفوي.

الشرقية لم تخبرنا عن توجهات المستفتين الذين برّؤوا الهاشمي وهل هم يمثلون اطياف المجتمع العراقي ام طيفا واحدا؟ اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الهاشمي نفسه وفي اكثر من تصريح يعتبر اتهامه هو استهداف للسنة في العراق واقصاء لهم وتهميش لدورهم الى اخر مفردات الطائفة والمذهب في دفاعه عن نفسه.

اخيرا اذكر بما ركزت عليه الدراسات الاكاديمية لوسائل الاعلام على اسئلة مثل كم تبلغ الدقة (او ما هي درجة الانحراف) التي تعكس بها وسائل الاعلام الواقع وباي طرق تشكله.

الاجابة على هذا السؤال سوف ترينا كم هي قريبة او بعيدة قناة الشرقية عن الواقع الذي تتحدث عن ارقام استفتاءه المتهالكة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/كانون الثاني/2012 - 5/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م