ماذا كان يأمل العراقيون من قادتهم؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: كان العراقيون أجمع يأملون بمرحلة أفضل بعد رحيل الاحتلال، وخروج آخر جندي أمريكي، كما صرح بذلك مسؤولون أمريكيون وعراقيون رفيعوا المستوى، والسبب أن هذا البلد الذي عانى الاحتراب والانقسام وأعمال العنف في ظل الاحتلال، سوف يتنفس الصعداء بعد رحيله، وسوف يتنبّه قادته الوطنيون الى بناء الشخصية الوطنية العراقية التي كادت أن تتلاشى، في ظل المَسخ المتواصل لها، من لدن جهات كثيرة داخلية وخارجية، يهمها جدا قتل الروح الوطنية، لأنها السبيل الأسرع الذي يمهد لأطماعهم بالسيطرة على هذا البلد وخيراته ومكوناته الاجتماعية والسياسية كافة.

ولكن ماذا حدث بعد خروج الاحتلال الأمريكي للعراق، وهل تحقق فعلا ما كان يأمله العراقيون من ساستهم أولا، ومن دول الجوار ثانيا؟، إن المتابع لهذا الشأن سوف يكتشف من دون عناء كبير، بأن ما حلم به العراقيون لم يتحقق حتى الآن، وأن بدايات مرحلة ما بعد خروج الاحتلال لا تبشر بخير، ويمكن رصد الدلائل الأكيدة التي تثبت هذا القول، من خلال ضياع الشخصية العراقية بين ضعف الداخل وصراعاته، وبين تصريحات الخارج وأطماعه التي لا تحتاج الى تفسير أو تأويل بسبب وضوحها السافر.

ثمة شيء ربما لا يشعر به البعض، وأعني بهم السياسيين الذين يتصدرون اليوم حراك السياسة العراقية وتوجيهها، وهو غياب أو ضعف ثقة المواطن العراقي بالشخصية الوطنية للعراق، بمعنى أوضح، كان العراقيون يشعرون أن لهم دولة وكيان سياسي يحترمه الآخرون رغما عنهم، وكان الجميع يتعامل مع هذا البلد باعتباره دولة ذات سيادة مصانة، لا أحد يجرؤ على التطاول عليها، بالتصريح أو بأي نوع آخر من التجاوز، وكان المواطن العراقي يعتز بعراقه أيما اعتزاز، وكان يشعر بالثقة والاطمئنان بأنه يعيش في بلد واضح ومعروف بهويته وساسته ومرجعياته كافة.

ساسة اليوم من العراقيين لا يقدرون مدى خطورة شعور المواطن بالضياع، وهو يعيش في قلب وطنه، ولا يريدون أن يفهموا بأن الأمان والاستقرار الفردي والجماعي، يبدأ من لحظة ايمان الانسان باستقلالية وطنه وحكومته وسيادته التامة، وهم بدلا من أن يتنبهوا لهذه النقطة الحيوية، ويحاولوا معالجتها من خلال تعميق الشعور الوطني بوحدة العراق واستقلاليته، يذهبون بقوة الى التناحر والصراع الذي تدفع به أجندات واطماع خارجية وجهوية باتت معروفة لأقلّ الناس وعيا وفهما، بمعنى يتحوّل الساسة العراقيون الى أدوات لصراعات خارجية تحدث داخل البلد، وهذا السلوك الفاضح هو الذي يدفع باتجاه مسخ الشخصية العراقية وإضعاف الروح الوطنية، وترك البلد أسير التصريحات والتدخلات الخارجية من جهة، وأسير الصراعات اللامسؤولة بين قادته السياسيين من جهة ثانية.

لذا لم يكن العراقيون يأملون بما يحدث الآن بعد رحيل الاحتلال، ولم يتوقع المواطن العراقي، أنه سيعيش شعوره المزمن، بفقدان وطنه لشخصيته المعنوية، في دوامة الصراع الداخلي والاطماع الخارجية، التي ما فتئت تتفاقم مع الضعف والانقسام الخطير للارادة الوطنية، بمعنى اوضح أن المواطن العراقي يعيش اليوم شعورا مدمّرا، يدفعه للتسليم بفقدانه للوطن المستقل ذي السيادة التامة، التي ينبغي أن لا أحد يجرؤ على المساس بها، حتى لو كان ذلك بالتصريح، كما فعلت بعض دول الجوار مؤخرا.

لذا يتساءل العراقيون، هل ضاعت شخصية العراق كدولة مستقلة كاملة السيادة، تمنح الشعور بالاطمئنان والاستقرار التام لمواطنيها، أم أن السياسيين سينكرون ذلك، ويعلنون بالكلام وحده سيادة لا تزال تحت مرمى دول الجوار، ناهيك عن سهام السياسيين أنفسهم التي توجَّه لبعضهم البعض، فتصيب جسد الوطن من دون أن يشعروا بذلك ولا بخطورته.

المطلوب واضح ومعروف جدا، المواطن العراقي يريد أن يتخلص من شعوره بضياع شخصية الوطن، وهو شعور معروفة نتائجه للقاصي والداني، ومعروفة خطورته للجميع، يتحقق هذا بظهور الارادة السياسية الوطنية المستقلة، التي تستطيع بهيبتها أن تحمي هيبة الدولة العراقية الجديدة، المسالمة والقوية في آن، يستطيع السياسيون الذين يتصدون اليوم لادارة البلاد، أن يفهموا خطورة المرحلة الراهنة وحساسيتها، إن البلد على كف عفريت، ويقع في مفترق طرق، فأما أن يؤسس السياسيون لدولة لا تتبع سوى ذاتها المستقلة وشخصيتها المعنوية الراسخة، وأما تبقى هذه الشخصية تائهة في اتون الضياع والتمزق والتلاشي في دوامة التناحرات الداخلية والاطماع الخارجية..

مطلوب عراق واحد قوي مسالم متحرر، وارادة سياسية وقيادة وطنية عراقية مستقلة، تعمل على بناء العراق الديمقراطي المستقل المعاصر، وهي مسؤولية السياسيين العاملين الآن في إدارة الشأن العراقي، حيث تحتفظ ذاكرة الحاضر والتأريخ بأسمائهم وأنسابهم، خلاف ذلك، لابد أن يفهم هؤلاء بأنهم يجازفون بحاضر ومستقبل شخصية العراق ووجوده.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/كانون الثاني/2012 - 5/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م