محنة العراق بين الداخل والخارج

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عراق ما بعد سنة 2003 يختلف عن عراق ما قبلها، هذه بديهية لا ينكرها الجميع، فقد سقطت أركان الدولة العراقية وتساوت جميعها مع الارض، وفقا لنظرية الفوضى - الأمريكية- الخلاقة، التي تهدف في أبسط منظوراتها، الى التهديم الشامل للمجتمع أو الدولة المستهدّفة، على أمل بزوغ بناء جديد يختلف عمّا مضى، ثقافة ورؤى وسلوكا في معظم مجالات الحياة.

ولكن ما الذي تحقق بعد الفوضى الخلاقة؟ هل بزغت شمس عراق جديد؟ وهل انطمر الماضي تحت ركام ما تساقط من أركان الدولة العراقية ومكوناتها؟ وهل تمكن العراقيون من بناء أنفسهم بما ينسجم والتضحيات الجسام التي قدموها، لاسيما في مجال الأنفس والدماء التي لا تزال تُسفح أمام مرأى العالم أجمع، من دون أن ترفّ عين أو يخفق قلب على أرواحهم أو دمائهم؟.

ما لاحظناه كوننا ننتمي لهذا البلد ونحرص على بنائه بصورة سليمة، هو عكس ما خططت له الفوضى الخلاقة، فالجميع يتفق على أن عراق ما بعد 2003 شهد ولا يزال أنوعا غير مسبوقة من التنافس والصراعات على المستويين الداخلي والخارجي، بكلمة أوضح، حين أتاحت الفوضى الخلاقة للعراقيين أن يظهروا اختلافاتهم العرقية والدينية والعقائدية وسواها الى العلن، فقد تحول هذا الفعل الى نوع من الصراع الدامي، لاسيما في الاعوام 2005-2007، وكان للخارج دوره الواضح في تأجيج هذا الصراع ومحاولة ادامته، وهكذا بقي هذا البلد يحترق في تنور الاحداث الكارثية، وكان الداخل بمثابة الحطب والوقود في آن، فيما دأب الخارج على اتخاذ دور المتابع الحريص لادامة النار وتأجيجها.

وطالما أننا نتفق على أن الحسابات الدولية والاقليمية، ألقت بظلالها الثقيلة على الساحة العراقية، وأثرت تأثيرا واضحا وكبيرا في تأخير عملية البناء الجديد للعراق، فإن حالة صراع الارادات، كان ولا يزال قائما بين الداخل وقدراته المحدودة، وبين الخارج وقدراته غير المحدودة، وهي حالة تشير الى ترجيح كفة الخارج على الداخل بما لا يدع مجالا للإنكار أو التمويه أو المكابرة التي لا تنسجم مع أحداث الواقع.

لقد كان خروج الامريكان من العراق فرصة لتوضيح حجم الصراع الخارجي الذي تدور رحاه في ساحة العراق، وهذا ما أكدته زيارة مبعوث الامم المتحدة مؤخرا لكل من تركيا وايران، لكي يطلب منهما عدم التدخل بالشأن العراقي، وعدم اطلاق التصريحات التي تمثل تدخلا سافرا في شؤون البلد السيادية، وفي وضع كهذا يشي بتدخل خارجي فعلي في شؤون العراق، يحترب الداخل بصورة مشاحنات ومماحكات وصراعات واضحة بين السياسيين العراقيين، وفي الوقت الذي يتطلب فيه وحدة الصف الداخلي وتذويب الاختلافات أيا كان نوعها، والسير وراء قيادة سياسية عراقية قوية موحدة، نلاحظ أن التأجيج الداخلي يكاد لا يقل أواره عن التأجيج الخارجي، وهكذا يصبح هذا البلد كرة نار يتناقلها الخارج والداخل بتناغم وشبه اتفاق مسبق، في الوقت الذي يؤكد بأن جميع الخسائر الفادحة، لا يتكفل بدفعها سوى المواطن العراقي من أمنه ولقمة عيشه وخدماته واستقراره.

إذن لا أحد يستطيع نفي فشل الفوضى الخلاقة في بناء نمط حياتي وفكري جديد للعراقيين، وليس هناك من هو قادر على نفي ما يتعرض له المواطن العراقي من خسائر مهمة، جراء التصارع والتشتت الداخلي، في وقت يتنمّر فيه الخارج ويكشّر عن أنيابه تارة في السر وأخرى في العلن، في ظل تصارع الارادات الاقليمية والدولية في آن، وهو أمر لا يخفى على احد، الامر الذي يتطلب علاجا عراقيا مباشرا ودقيقا.

ذلك العلاج يقع على عاتق الداخل أولا، يتمثل ببساطة، في وحدة الصف والكلمة، بغض النظر عن الاختلافات الكثيرة التي جعلت من الشعب العراقي لا يشبه غيره، بسبب اختلافاته العرقية والاثنية والعقائدية، وهنا يظهر بقوة دور النخب السياسية، وصناع القرار، ينبغي أن لا تتركوا العراق يحترق، وينبغي تحجيم الخارج مقابل تضخيم الداخل، أما الكيفية التي يتم من خلالها تحقيق هذا الهدف، فهو مسؤولية حصرية تقع على عاتق كل سياسي مشترك في العملية السياسية، رسمي كان أو سواه.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/كانون الثاني/2012 - 4/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م