باكستان أخطر مكان على النساء... الموت بصمت أو العار

 

شبكة النبأ: تواجه المرأة في باكستان وضعا حرجا غير مسبوق في تاريخ تلك الدولة الإسلامية، سلبت خلال ذلك معظم حقوقها الإنسانية والاعتبارية دون أي مسوغ قانوني أو شرعي، سوى بعض الأعراف الاجتماعية والفتاوى الدينية المتشددة بعد أن هيمن الفكر السلفي الوهابي على عقول الرجال.

فيما تعاني الكثير من النساء الى انتهاكات جسدية ومعنوية ترقى الى مستوى جرائم مشتركة المسؤولية، كالاغتصاب والقتل والتعذيب الذي لحق بالمئات من النسوة، دون ان يجد منصف او نصير، فيما امسى العنف الأسري الذي تتعرض له المرأة ظاهرة واسعة الانتشار، خصوصا بعد ان ارتضت السلطات الباكستانية غض الطرف عن تلك الجرائم بسبب ضعف الدولة وإجراءاتها القانونية إزاء سلطة المجتمعات القبلية التي باتت تمتلك زمام المبادرة.

عذاب الاغتصاب ووصمة العار

لقد أصبح المنزل المكون من ثلاث غرف الكائن في منطقة كورانغي في مدينة كراتشي الباكستانية، والذي كان يقطنه حتى قبل شهرين علم الدين وأسرته المكونة من ستة أفراد، خاوياً.

ويقول الجيران أن علم الدين، وهو بائع متجول، غادر فجأة بعد اغتصاب عدة شبان محليين لابنته البالغة من العمر 14 عاماً بينما كانت في طريق عودتها من أحد الدروس المسائية. ولم يتم الإبلاغ عن الجريمة قط لأن علم الدين وإخوته رأوا أن ذلك سيضر بشرف العائلة، وبدلاً من ذلك جمع علم الدين، على ما يبدو، عائلته وممتلكاته في شاحنة وغادر المدينة في جوف الليل إلى إقليم البنجاب.

وقالت الينا بيبي، وهي إحدى الجيران، أنهم "اضطروا إلى حمل الفتاة لأنها كانت مصابة بجروح. إنها لمأساة أن يحدث هذا لطفلة، ولكن الناس الآن يعتبرون هذا المنزل نذير شؤم ويترددون في شرائه".

ولا يتم الإبلاغ عن العديد من حالات الاغتصاب في باكستان، وذلك بسبب وصمة العار، ولا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد حوادث الاغتصاب. ومع ذلك، فقد ذكرت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها عن حقوق الإنسان الذي صدر عام 2010 أن عدد حالات الاغتصاب التي تم الإبلاغ عنها بلغ 928 حالة.

وأضاف التقرير أن "حالات الاغتصاب المبلغ عنها التي تصل إلى المحكمة نادرة. وذكرت الشرطة والمنظمات غير الحكومية أنه في بعض الأحيان يتم توجيه اتهامات اغتصاب باطلة في خضم أنواع مختلفة من النزاعات، مما يحد من قدرة الشرطة على تقييم الحالات الحقيقية والمضي قدماً في المحاكمة".

"وذكرت المنظمات غير الحكومية أن رجال الشرطة يدانون أحياناً في حالات اغتصاب، وزعمت المنظمات غير الحكومية أيضاً أن الشرطة في بعض الأحيان تعتدي على الضحايا أو تهددهم لإرغامهم على إسقاط التهم، وخصوصاً عندما يتلقى رجال الشرطة رشوة من المشتبه بهم".

قالت لجنة حقوق الإنسان الباكستانية المستقلة في تقريرها السنوي لعام 2010 أن 2,903 إمرأة تعرضن للاغتصاب في العام الماضي، بمعدل حوالي ثمانية في اليوم الواحد.

وأشارت المنظمة غير الحكومية المسماة الحرب على الاغتصاب، التي تتخذ من كراتشي مقراً لها، في بيان صدر في الشهر الماضي، إلى أن البيانات التي تم جمعها من ثلاثة مستشفيات والشرطة أظهرت أن متوسط عمر الضحايا في المدينة قد انخفض من 18 سنة في العام الماضي إلى 13 سنة في هذا العام. وذكرت أيضاً أنه لم يتم إبلاغ الشرطة سوى عن عدد قليل من الحالات التي أبلغت عنها المستشفيات.

"إن موقف الشرطة الذي يفتقر إلى الحساسية، وحقيقة أن النساء يتعرضن لمزيد من التحرش على أيدي الشرطة، يثنيهن عن الإبلاغ عن هذا العنف،" كما أفادت سارة زمان، مديرة منظمة الحرب على الاغتصاب.

وردت بعض التقارير المروعة عن سوء المعاملة من قبل الشرطة، بما في ذلك تقرير عن تلميذة تبلغ من العمر 13 عاماً وتدعى ناتاشا بيبي تعرضت للاغتصاب على مدى 21 يوماً كانت خلالها محتجزة لدى الشرطة في مدينة واه كانت في شمال البنجاب.

وأكدت غولنار تبسوم، وهي مستشارة في منظمة شيركاتغاه غير الحكومية التي تتخذ من لاهور مقراً لها وتدافع عن حقوق المرأة "إن الوحشية المتزايدة في مجتمعنا وطبيعته الأبوية تسمح بوقوع حوادث من هذا النوع".

وقالت غولاب بيبي التي تبلغ من العمر 40 عاماً لإيرين في كراتشي: "في العام الماضي، تعرضت ابنتي للاغتصاب بعنف على يد ابن عمها، وكانت تبلغ من العمر 12 عاماً في ذلك الوقت. ولم نبلغ عن الواقعة لتفادي الفضيحة، وحماية لها من وصمة العار، ولكن الشائعات لا تزال منتشرة حتى الآن، وطفلتي ترفض الابتعاد عني وتقول إنها تشعر بأنها "قذرة"، ونحن نتساءل عن الشخص الذي سوف يقبل الزواج منها بعد أن أصيبت بوصمة العار هذه".

كما أصبح التردد في الإبلاغ عن الاغتصاب في المناطق الريفية أسوأ من ذلك؛ فقد ذكر لائق محمد، وهو مزارع في مقاطعة خايربور بإقليم السند، أن أخته البالغة من العمر تسع سنوات تعرضت للاغتصاب على يد ابن مالك أراضي ذو نفوذ في المنطقة. هؤلاء الناس لديهم اتصالات، وهم ببساطة يقدمون رشوة للشرطة، وينبغي علي أن أفكر في سلامة بناتي وشقيقتي الصغرى الأخرى. لا يمكننا أن نخاطر بتلقي عقوبة أخرى".

وأضاف محمد في تصريح لإيرين "لقد تغيرت حياة شقيقتي إلى الأبد. إنها مجرد طفلة، لكننا عاجزون عن مساعدتها". والتردد في الإبلاغ عن حالات الاغتصاب يعني أيضاً أن الناجيات لا تحصلن على الدعم النفسي في كثير من الأحيان.

"يحتاج ضحايا الاعتداء الجنسي إلى المشورة والمساعدة، وحقيقة أن مجتمعنا ليس قادراً حتى على الحديث عن مثل هذه الحوادث في معظم الحالات يجعل الأمور أكثر سوءاً بالنسبة لآلاف النساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب كل عام،" كما أفادت صايمة أختار، وهي طبيبة نفسية في كراتشي.

معاناة

من جهة أخرى يُعد تعرض سعدية بيبي، من مولتان بولاية البنجاب الجنوبية المحافظة، للضرب بشكل شبه يومي على يد زوجها جزءاً روتينياً من حياتها، حيث تحدثت عنه قائلة: "منذ أن تزوجت قبل حوالي سبع سنوات، أتعرض للطم أو اللكم أو الركل كل يوم تقريباً، كما استخدم زوجي السجائر لإصابتي بحروق مرة أو مرتين".

وتشمل "الذنوب" التي ترتكبها سعدية وتُضرب من أجلها طهي طعام "لا مذاق له" والتحدث "بصوت عال جداً" في الهاتف أو "الاشتراك في الجدال".

وقد علقت سعدية على ذلك بقولها: "ما أكرهه فعلاً هو أنه الآن بدأ يضرب بنتينا أيضاً، ولم يتعد عمرهما بعد ست وخمس سنوات، بدعوى ضرورة تعلمهما الطاعة".

ولكن سعدية، التي تبلغ من العمر 27 عاماً، لا تستطيع القيام بالكثير لتغيير هذا الوضع، خصوصاً وأن "العديد من النساء الأخريات يقلن أن هذا جزء روتني من حياتهن أيضاً. ماذا يمكننا أن نفعل حيال ذلك؟"

وفي هذا السياق، ذكرت منظمة العفو الدولية في تقريرها عن باكستان لعام 2011 أن "العنف القائم على الجنس، بما في ذلك الاغتصاب، والزواج القسري، والقتل دفاعاً عن الشرف، والهجوم بالحمض وغيرها من أشكال العنف المنزلي، تتم مع الإفلات من العقاب بسبب تردد الشرطة في تسجيل الشكاوى والتحقيق فيها". بحسب شبكة ايرين الانسانية.

كما توصلت دراسات سابقة، بما فيها الدراسة التي أجرتها منظمة هيومان رايتس ووتش في عام 1999، إلى نتائج مماثلة تشير إلى أن العنف ضد المرأة يشكل "وباء" في البلاد. وواصلت هيومان رايتس ووتش منذ ذلك الحين حملة تدعو فيها لسن قوانين تحمي المرأة بشكل أكثر فعالية.

وفي السياق نفسه، أشارت دراسة صادرة في يونيو 2011 عن منظمة ترست لو (TrustLaw) التابعة لمؤسسة طومسون رويترز، إلى أن باكستان تعتبر ثالث أخطر دولة بالنسبة للنساء بعد أفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يعاني90 بالمائة من النساء من العنف المنزلي. كما أشار التقرير إلى وجود أشكال أخرى من سوء المعاملة الجسدية الشائعة أيضاً، استناداً إلى شهادات خبراء المساواة بين الجنسين.

جرائم الشرف

فيما يمكن أن تكون العواقب بالنسبة للمرأة رهيبة. فوفقاً لتقارير وسائل الإعلام، قام رجلان فى أبريل من هذا العام بالدخول إلى منزل أسما فردوس البالغة من العمر 28 عاماً، وقطعا ستة من أصابعها، وشقا شفتيها وذراعيها وقطعا أنفها. وكان هذا هو "العقاب" الذي نالته أسما لاختلاف زوجها مع أقاربه. ولا يزال مستقبلها غير مؤكد كما أنه من غير المحتمل أن يقبل زوجها بعودتها إلى منزله.

ووفقاً للجنة حقوق الإنسان المستقلة في باكستان، بلغ عدد ضحايا "جرائم الشرف"791 امرأة خلال عام 2010. ويتم تنفيذ "جرائم الشرف"، التي قد تصل إلى القتل، "لإنقاذ شرف" العائلة بعد اتهام المرأة "باأنها "أضرت" به بأي شكل من الأشكال. كما يطال هذا العقاب أحياناً النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب أو أقدمن على الزواج من رجال من اختيارهن أو يُشتبه في أي اتصال بينهن وبين رجال من خارج العائلة.

وتقول لجنة حقوق الإنسان المستقلة في باكستان أن الغالبية العظمى من حالات العنف المنزلي (التي لا تقود بالضرورة إلى القتل) لا يتم التبليغ عنها. وقد علقت غولنار تابوسوم، رئيسة منتدى عمل المرأة، وهي منظمة غير الحكومية، على ذلك بقولها: "تكمن المشكلة في كوننا مجتمع أبوي للغاية، مكانة المرأة فيه متدنية، والوحشية تزداد يوماً بعد يوم".

وكان مشروع قانون يهدف إلى منع العنف المنزلي قد سقط خلال عام 2010 بسبب عدم تقديمه في الوقت المناسب إلى مجلس الشيوخ.

مشاكل المهر

من جانب آخر أوضح تقرير مؤسسة طومسون رويترز أيضا أن باكستان تعاني من واحد من أعلى معدلات جرائم القتل المرتبطة بالمهر في العالم. ويتسبب موضوع المهر بشكل عام في تعرض نساء كثيرات للتوتر والعنف الذي يمكن أن ينتج عنه.

وفي هذا السياق، قالت حُميرة حامد (ليس اسمها الحقيقي)، البالغة من العمر 21 عاماً والتي تزوجت منذ عام واحد: "ظل زوجي وعائلته يطالبون أبواي بالمزيد والمزيد من الهدايا - أجهزة تلفزيون وقطع أثاث وغسالة وغيرها من الأغراض، على الرغم من أنهما ليسا من الأغنياء وأعطيا بالفعل الكثير في وقت الزواج. ولا تزال الضغوط مستمرة حتى الآن ولازلت أتعرض للضرب في كل مرة لا يصل فيها ما طلبوه من هدايا".

وعلى غرار العديد من النساء الأخريات اللاتي تعانين من نفس هذا الوضع، قالت حميرة أنها لا تعرف ماذا تفعل وإلى من تلجأ. "نحن جميعاً بلا حول ولا قوة. والداي لن يسمحا لي بالعودة إليهما بسبب وصمة الطلاق، ومن غير المقبول للمرأة أن تعيش بمفردها، رغم أنني متعلمة، وأستطيع أن أعيل نفسي. وبالتالي فليس أمامي خيار سوى محاولة تحمل عنف زوجي...على الأقل بعض صديقاتي تعشن في نفس الوضع - ولكن الآخريات لا يتحدثن أبداً عن هذه المشكلة".

يتعرضن للتشويه لمجرد خروجهن من ديارهن

في حين تجعل تهديدات طالبان الحياة بائسة للعديد من الفتيات والنساء في المناطق النائية في باكستان، فلا يذهب سوى عدد قليل جداً من الفتيات إلى المدرسة في مقاطعة باجور، إحدى المناطق القبلية السبعة في شمال غرب باكستان، وذلك خوفاً من التهديدات التي صدرت عن حركة طالبان.

وفي هذا السياق، قال سالم جان، وهو مواطن من مدينة خار - المدينة الرئيسية في المقاطعة: "عندما استأجرت معلماً لتمكين ابنتاي الكبيرتان من مواصلة تعليمهما في المنزل، بدأت أتلقى التهديدات". ويجد سالم نفسه في مأزق كبير يدفعه للتساؤل ما إذا كان عليه مغادرة المنطقة. ويعزو خوفه إلى استمرار "وجود المسلحين في المنطقة على الرغم من ادعاءات الجيش بالنصر في عام 2010".

ووفقاً للجنة حقوق الإنسان المستقلة في باكستان، اضطرت العديد من الفتيات للالتحاق بالمدارس الدينية في العام الدراسي 2009-2010 بسبب الخوف من الطالبان. حيث أفادت اللجنة في تقريرها الصادر في شهر سبتمبر أنه "لم يتم قبول أية فتاة في الصف الدراسي التاسع في باجور (منطقة حدودية) أو في كوهات أو في لاكي ماروات خلال عام 2009-2010 بسبب تهديدات طالبان". كما أنه لم تلتحق أية فتيات بالتعليم الجامعي في باجور أو لاكي ماروات أو بيشاور.

كما أفاد التقرير أن الآباء يمتنعن عن إرسال بناتهم إلى المدارس بسبب معارضة حركة طالبان لتعليم الفتيات والدعاية المناهضة فه من خلال قنوات الإذاعة غير الشرعية والتهديدات والإعلان عن أن تعليم الفتيات هو ابتذال وعمل غير إسلامي.

وقالت زليخة بيبي، من قريتها القريبة من مدينة وانا، أنها سمعت عن سيدات تعرضن للتشويه على أيدي مسلحين بسبب ارتكابهن "لجرائم" مثل التجرؤ على الخروج من الدار بمفردهن دون مرافقة رجل.

وأضافت زليخة أن "الفتاة التي تعيش خارج المناطق القبلية لا يمكنها تخيل الخوف الذي نعيش فيه نحن النساء. فهنا في جنوب وزيرستان، هناك حالات لاقتحام طالبان للمنازل من أجل التحقق من أخلاق النساء، وقد وصلت بهم الأمور إلى حلق شعر ابنة عمي التي لا تزال في سن المراهقة فقط لأنها لم تكن تغطي رأسها بشكل لائق قبل أشهر قليلة".

العيش في رعب

وقالت مريم بيبي، المديرة التنفيذية لمنظمة خواندو كور (منزل الأخوات) غير الحكومية التي تتخذ من بيشاور مقراً لها، أنه "بالرغم من الموقف الرسمي الذي أعلن أن طالبان قد تعرضت للهزيمة، فإن الحركة لا تزال حاضرة في المناطق النائية....والسيدات يعشن في رعب، وقد أخبرنني بقصص عن الاستغلال والمضايقات والأشكال الأخرى من العنف الفظيع التي يتعرضن لها على أيدي المسلحين".

كما أكدت أن الموظفين الميدانيين قد تحققوا من التقارير التي تضمنتها دراسة حديثة قامت بها منظمتها وتحدثت عن قيام المسلحين بقطع ثديي أم قامت بإرضاع طفلها داخل منزلها. وأضافت قائلة: "لقد قابلت بعض النازحات اللواتي أخبرنني أن موظفي الأمن في المخيمات طلبوا منهن خدمات جنسية مقابل الغذاء"، مشيرة إلى أن النساء يعشن في رعب في المناطق المستقرة التي تسيطر عليها طالبان مثل منطقة تانك في إقليم خيبر باختون خوا، ومعلقة على الموضوع بقولها: "إن محنة هؤلاء النسوة فظيعة، ولن تتغير إلا عندما يصبح تغيير عقليات الرجال ممكناً".

من جهتها، قالت آسيا بيبي، البالغة من العمر 19 عاماً، والتي تعيش الآن في بيشاور مع أسرتها أن "كل سيدة في مقاطعتنا في مهمند تعيش في رعب دائم. إنه لشيء مخزي أن نشعر بالخوف من التعرض للإهانة عندما نخرج إلى الطرقات حتى إذا كنا محجبات من الرأس إلى القدمين. كما أن العنف ضد المرأة أمر شائع ليس فقط على أيدي المسلحين، ولكن أيضاً على أيدي غيرهم من الأقارب".

نازحات وضعيفات

وفي تقرير منفصل حول سوات تم تجميعه خلال نفس العام، أشارت اللجنة إلى أن النساء مازلن يواجهن العديد من الصعوبات التي تشمل انعدام فرص الحصول على التعليم وعدم الحركة حتى بعد مرور عام على انتهاء النزاع في المنطقة.

من جهتها، قالت لجنة الأمم المتحدة للمرأة في بيان صحفي علقت فيه على تقرير خويندو كور الصادر بعنوان ‘تأثير الأزمة على السيدات والفتيات في المناطق القبلية التابعة لإدارة الحكومة الفدرالية’ أن "المرأة تكون من بين الفئات الأكثر ضعفاً خلال فترات الأزمات. كما تتعرض السيدات والأطفال إلى الضرر بصورة مختلفة جداً عن الرجال أثناء مراحل الإغاثة والتعافي المبكر".

وطبقاً للإحصائيات الرسمية، فإن المناطق القبلية التي يتم إدارتها بواسطة الحكومة الفدرالية من بين المناطق الأقل نمواً في البلاد؛ حيث لا تتعدى معدلات تعليم النساء 3 بالمائة.

وعلى الرغم من أن نساء وادي سوات بإقليم خيبر باختون خوا أصبحن يتحملن أعباء أصعب من أي وقت مضى للتمكن من تسيير شؤون أسرهن، إلا أن هذا يشعرهن بالسعادة إلى حد ما، ويمنحن أحساساً باستعادة حياتهن التي توقفت خلال الحكم المتشدد لحركة طالبان، والذي انتهى في يوليو 2009 بعد عملية عسكرية، مما سمح لعشرات الآلاف من النازحين بالعودة.

وفي هذا السياق، قالت عقيلة خان، وهي ناشطة اجتماعية في العقد الأربعين من عمرها، في مينغورا، البلدة الرئيسية في سوات: "لم نعد مضطرات لارتداء البرقع الأزرق الخانق الذي كانت تفرضه علينا حركة طالبان. وقد تمكنت الفتيات من العودة إلى المدرسة كما عادت النساء إلى العمل مجدداً في مصانع مستحضرات التجميل والمدارس وغيرها، بعد أن كن قد أُرغمن على ترك تلك الوظائف". بحسب شبكة ايرين الانسانية.

غير أنه وعلى الرغم من انحسار مظاهر التشدد، إلا أن النساء في وادي سوات تواجهن عبئاً مزدوجاً؛ فقد خلفت فيضانات 2010 المدمرة والسيول التي تلتها في عام 2011 خسائر كبيرة في قطاع الزراعة، خاصة محصول الذرة، الذي وصفه المزارع رياض خان في بلدة كابال في وادي سوات بأنه: "محصولنا الرئيسي الذي نكسب منه قوتنا".

من جهته، أشار مسؤول التنسيق في مقاطعة سوات إلى أن "أعمال إعادة الإعمار في منطقة الوادي، في أعقاب الفيضانات، قد بدأت بالفعل". حيث قام الجيش ببناء الجسور بدعم من الجهات المانحة الأجنبية، كما تم بذل بعض الجهود لاستعادة سبل العيش.

ومع ذلك، لا تزال الأمور صعبة وكثيراً ما تتحمل المرأة العبء الأكبر. وحسب عليه عقيلة خان، "يعمل الكثير من الرجال في مجال السياحة هنا وقد تسببت الفيضانات في جرف الفنادق والمقاهي في 2010، ودمرت كل ما تم بناؤه بعد الحرب، ثم تكبدوا خسائر زراعية فادحة في عامي 2010 و 2011".

وتكافح العديد من النساء لمجرد توفير نفقات الطعام، وهو ما علقت عليه سلمى بيبي، البالغة من العمر 30 عاماً، بقولها: "لقد بعت الأساور التي حصلت عليها كهدية زواجي قبل 10 سنوات، وهي كل ما كنت أملكه من ذهب. ولكن بعد أن فقد زوجي وظيفة النادل التي كان يشغلها في أحد الفنادق، استطعنا بفضل هذا المال أن نشتري بعض طيور الدجاج والماعز وبدأنا نزرع الخضروات.

ومع ذلك فإن مشاكلها لم تنته بعد، حيث وصفت أوضاعها قائلة: "يخرج زوجي طوال اليوم بحثاً عن عمل، وهو يائس. وأتولى أنا رعاية أطفالنا الثلاثة الصغار، والحيوانات والحقل، وأجلب الماء من المجرى المائي الذي يبعد بحوالي سبعة كيلومترات عن قريتنا قرب مينغورا، وأقطع الأخشاب لطهي الطعام و أتولى جميع الأعمال المنزلية. هناك نساء أخريات مثلي يعملن لجلب المال - ولكننا في نهاية اليوم نشعر بالإجهاد الشديد. أنظروا الى يدي المجروحتان".

خطيئة لا تغتفر

قامت مؤسسة خيرية باكستانية بإعداد أسرة أطفال ووجهت نداءً بوضع الأطفال الرضع فيها بدلاً من قتلهم. يبدو أن معدلات قتل الأطفال الرضع، وخاصة الفتيات، على أيدي الآباء المنكوبين بالفقر تتزايد في باكستان.

فمنذ شهرين في قرية في إقليم البنجاب الباكستاني فى وقت متأخر من الليل، قام والدي طفلة رضيعة تبلغ من العمر يومين بخنقها ودفن جسدها الصغير في حقل بعيد، ثم قاما بتسوية التربة بعناية لإخفاء أية آثار للحفر. وتبكي الأم كثيراً وتقول أنها مازالت تحلم بكوابيس حول هذه الحادثة.

وقالت ثريا بيبي وهي قابلة من القرية "أنا نفسي بكيت لأنني كنت قد ساعدت في توليد الطفلة وكانت في كامل صحتها، ولكن أبويها لديهما ابنتين أخرتين بالفعل ويشعران بعدم قدرتهما على تحمل تكاليف طفلة أخرى. فالأب عامل يكسب 4,000 روبية (46,5 دولار) في الشهر. وأنا أعلم أن هؤلاء الناس يأكلون مرة واحدة فقط في اليوم".

وأفاد أنور كاظمي المتحدث باسم مؤسسة ادهى الخيرية أنه جاري جمع المزيد والمزيد من جثث الأطفال من الشوارع. وقال كاظمي "أود أن أقول أن هناك زيادة بنسبة 100 بالمائة خلال العقد الماضي في أعداد جثث الأطفال الرضع التي تم العثور عليها، وبلغت نسبة الفتيات 9 من كل عشر جثث".

طبقاً للتقاليد، تعتبر الفتيات عبئاً على الأسرة؛ حيث يتم إنفاق مبالغ كبيرة في كثير من الأحيان على زواجهن. وقالت غلنار تبسم الناشطة في مجال حقوق المرأة أن "الناس يشعرون أن الفتيات لا يسهمن اقتصادياً في دخل الأسرة".

كما أفاد كاظمي أنه عدد جثث الأطفال التي تم العثور عليها في العام الماضي بلغ 1,210، مقارنة بـ 999 في عام 2009. وأضاف قائلاً "أن الأسباب ترتبط بطريقة التفكير والفقر". فبالرغم من أن مؤسسة ادهى تضع أسرة للأطفال خارج دور الأيتام التي تديرها وتحث الناس على ترك الأطفال الرضع عليها بدلاً من قتلهم، إلا أن القليل منهم فقط يختار القيام بذلك.

ووفقاً لمؤسسة ادهى، يتم ترك حوالي 200 طفل سنويا في 400 سرير تقوم المؤسسة بنشرها في أنحاء البلاد وتحمل لافتات تحث الوالدين على استخدام تلك الأسرة.

ونظراً لأن الأطفال الذين يولدون لأبوين غير متزوجين في هذا المجتمع المحافظ أكثر عرضة لخطر عملية وأد الأطفال، تشجع المؤسسة على اسناد مهمة رعاية هؤلاء الأطفال لآباء بديلين يتحلون بالمسئولية. "هؤلاء أطفال أبرياء،" كما ذكر كاظمي.

مجتمع البهرة

الى ذلك تنتمي زهرة إلى طائفة البهرة، وهي إحدى طوائف الأغلبية المسلمة ويبلغ عدد أفرادها حوالي 100,000 شخص طبقاً للإحصاءات الرسمية. وتتمركز تلك الطائفة بصورة أساسية في إقليم السند الجنوبي. والبهرة هي إحدى المجتمعات القليلة في باكستان التي تمارس عادة ختان الإناث/تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى.

والمجموعات الأخرى التي تقوم بإجراء ختان الإناث/تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى هي جماعات من أصل عربي أو أفريقي، مثل مجتمع الشيدي العرقي الذي يبلغ تعداده عدة آلاف جاءوا إلى البلاد أصلاً كعبيد أثناء القرنين التاسع عشر والعشرين، واستقروا بصورة أساسية في السند. ولم تُجرى سوى أبحاث قليلة بشأن هذه الممارسة بين تلك المجموعات.

وتعتقد زهرة أنه حتى الآن يخضع ما لا يقل عن 50 إلى 60 بالمائة من سيدات البهرة للختان، الذي يشمل عادة قطع جزء من البظر. وقالت زهرة: "في الماضي كان ختان الإناث/تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى يحدث بنسب أكبر، وأعتقد أن ما بين 80 و90 بالمائة من السيدات عانين منه. وقد ساعدت زيادة الوعي على الحد من هذه الممارسة".

وقالت قابلة (فضلت عدم ذكر إسمها) تساعد سيدات مجتمع شيدي أحياناً أثناء الولادة في مقاطعة تاندو محمد خان بإقليم السند: "لقد رأيت إناثاً يعانين من الختنة، وهي الكلمة التي تُطلق على ختان الإناث. أحياناً يشمل ذلك مجرد قطع رمزي لبعض الجلد، ولكن في بعض الحالات، خاصة النساء اللاتي لسن صغيرات، يكون القطع أكثر اتساعاً". وأكدت أنها لا تجري عمليات ختان بنفسها.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن ختان الإناث/تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى "يشمل إجراءات تُغير أو تجرح الأعضاء التناسلية للمرأة بصورة متعمدة لأسباب غير طبية". وتقول المنظمة أن هناك حوالي 100-140 مليون فتاة وسيدة في جميع أنحاء العالم يعشن مع ختان الإناث/تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى، من بينهن 92 مليون في أفريقيا.

قطع "رمزي"

وفي تصريح لوسائل الإعلام قال شيرشاه سيد، الرئيس السابق لجمعية أطباء النساء والتوليد الذي يكرس نشاطه لخدمة النساء المحرومات، أنه صادف حالات في المناطق الحضرية من باكستان خضعت فيها النساء لتلك العملية.

وقال سيد "مع زيادة الوعي بآثار ختان الإناث/تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى في باكستان، يقومون الآن بإجراء الختان بصورة رمزية عن طريق إزالة جزء صغير فقط من الجلد. ولكني مع ذلك أرى أن الختان انتهاك واضح لحقوق الإنسان. فلا يوجد مطلقاً أي دليل علمي يدعم أي فائدة طبية للختان. في الواقع من الممكن أن يؤدي الختان إلى مضاعفات صحية".

وتسرد منظمة الصحة العالمية سلسلة من المضاعفات التي يمكن أن تنشأ عن الختان تشمل الالتهابات المتكررة والأكياس والعقم وزيادة مضاعفات الولادة والحاجة إلى عمليات جراحية متكررة. بحسب شبكة ايرين الانسانية.

وقالت راضية وهي جدة تبلغ من العمر 60 عاماً وتنتمي إلى مجتمع البهرة أن "هذه الممارسة تحدث في مجتمعنا منذ أجيال، والفتيات يخضعن لها الآن في ظروف معقمة. ونادراً ما يتم التحدث عنها. إنها فقط شيء تعرفه وتفعله النساء". وأضافت أن حفيداتها "سيتم ختانهن بصورة آمنة".

وقالت علية ريزوي وهي أخصائية نفسية أن "التأثير ليس قاصراً على الصحة فقط، ولكنه يشمل الحالة النفسية أيضاً. فمثل تلك الممارسات تترك ندوباً غائرة، ولم تتم دراسة تلك الندوب مطلقاً في بلادنا لأن المعلومات المتوفرة عن تشويه المرأة بتلك الطريقة قليلة جداً".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/كانون الثاني/2012 - 2 /ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م