شيعة العراق... ثلثي المعادلة المفقودة

علي الطالقاني

 

شبكة النبأ: لاشك ان ظهور الشيعة في منطقة الشرق الأوسط كقوة كبيرة أمر يزعج الكثير من الأنظمة في المنطقة، ولهذا الانزعاج أسباب كثيرة من بينها هو ظهور الحجم الحقيقي للشيعة جغرافياً وبالتالي يؤدي الى المطالبة بالحقوق وهذا بطبيعة الحال يضيق الخناق على هذه الأنظمة التي تعمل على كبت الحريات، وهناك سبب آخر ان المطالبة بالحقوق لم تقتصر على الشيعة فقط حتى السنة الذين يتمتعون بعقلية ديمقراطية سيطالبون بالحقوق الديمقراطية اضافة الى مطالبات الأقليات الأخرى بحقوقها.

ان تزايد قوة الشيعة في المنطقة كعامل سياسي وظهور دول شيعية أمر طبيعي لأن الشيعة وعبر العصور لم يبنوا سياستهم على أسس تكبت الحريات فأن أئمة الشيعة وعلمائهم يرون في الحكم على انه وسيلة وليس غاية، والحكم مبني على رؤية الشورى التي تتناسب كمصطلح مع الديمقراطية اليوم، يقول الداعية يوسف القرضاوي(مصري قطري الجنسية)، أن قوة التنظيم الشيعى تكمن فى حرية علمائه، على عكس علماء السنة الذين تحولوا إلى موظفين لدى الدولة، اما استاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد الدكتور خالد حنتوش يقول حول المؤسسة الدينية الشيعية التي طالما بقيت عصية على الفهم من حيث تركيبها الهرمي ومؤسساتها الفرعية وديناميكية القرار والتوجيه فيها. وتكمن أهمية المؤسسة الدينية الشيعية انها بقيت موصدة أمام تدخل السلطات السياسية منذ تأسيسها قبل أكثر من الف عام، فيما كان لهذه المؤسسة وما يزال تأثير بالغ على مجريات الحياة عند الشيعة في جوانبها الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية.

اما في العراق اليوم ومنذ تولي الشيعة الحكم في العراق بعد سقوط النظام عام 2003 شهد العراق تصاعداً على مختلف المستويات فاعمال العنف والضغوط الدولية والدعم السياسي والمالي كل هذا من أجل عدم حصول الشيعة على حقوقهم السياسية في بلدهم.

ان إدارة قادة العراق الجدد وخصوصاً الشيعة منهم لم تلقى استحسان الكثير من دول المنطقة فان قادة دول المنطقة لايريدون إقامة حكومة شيعية في العراق، ومن الغريب في الأمر يرى بعض قادة الدول العربية إنهم يستطيعون اخفاء هذا الأمر من خلال ممارسة سياسات وضغوط مختلفة تحت اعذار واهية.

والملفت للنظر ان وسائل الاعلام العربية والغربية المأجورة بدت تطور حربها الأعلامية ضد الشيعة في العراق بطرق مختلفة تعتمد على تكنولوجيا حديثة والاستعانة بخبراء في مختلف المجالات من اجل التأثير على العقول والتشكيك بان الشيعة لايحسنون العمل السياسي، فيما يعمل قادة الشيعة في العراق على مقاومة الأوضاع هذه بطرق مختلفة ويرى مراقبون ان من الحق الطبيعي ان يكون للشيعة حكم على اعتبارات ديمقراطية فالشيعة يمثلون نسبة تعادل الثلثين من سكان العراق.

وحكم الأكثرية في العرف الديمقراطي هو مفهوم ومبدأ  مصمم من أجل محافظة الأكثرية على قدرتها الفعالة في الحكم والأستقرار  والسلم الأهلي واعطاء الأقليات حقوقها سياسيا واقتصاديا وفي مختلف المجالات.

لكن هذه النظرة لاتروق للأنظمة السياسية العربية مما يهدد مستقبل الديمقراطية في الشرق الأوسط التي تبدوا مغيبة مما يتوجب تخطي العقبات بين شعوب الشرق الأوسط حتى يتسنى لتلك الشعوب التمتع بالحقوق الطبيعية. فجميع البلدان التي توجد فيها اكثرية سنية هي من يمتلك زمام الأمور.

وفي نظرة سريعة على طبيعة النظم السياسية في الشرق الأوسط نجد الجدول الآتي يوضح بأن الدول العربية تعيش تحت ظل نظام استبدادي.

1. تركيا نظام هجين جمهورية برلمانية.

2. فلسطين نظام هجين شبه الرئاسي, برلماني ديموقراطي.

3. الكويت نظام استبدادي ملكية دستورية.

4. المغرب نظام استبدادي ملكية دستورية.

5. الاردن نظام استبدادي ملكية دستورية.

6. البحرين نظام استبدادي ملكية دستورية.

7. الجزائر نظام استبدادي شبه الرئاسي, جمهورية.

8. قطر نظام استبدادي ملكية دستورية.

9. عمان نظام استبدادي ملكي, الملكية المطلقة.

10. اليمن نظام استبدادي جمهورية.

11. الإمارات العربية المتحدة نظام استبدادي فيدرالية, ملكية دستورية.

12. سوريا نظام استبدادي النظام الجمهوري, نظام الحزب الواحد.

13. المملكة العربية السعودية نظام استبدادي ملكي, الملكية المطلقة.

فضلا عن باقي الأنظمة التي تدعي نظام اسلامي لكنها متهمة بالاستبداد مثل ايران ومورتانيا...

واجتاحت المنطقة العربية مؤخرا موجة من التظاهرات المنددة بالديكتاتورية والمطالبة بالديموقراطية ورفع سقف الحرية وبالعدالة الإجتماعية مما اسقط النظام الحاكم في مصر وليبيا وتونس. ولاتزال تعاني دول أخرى مثل البحرين.

ويرمي القادة العرب بتفاقم الصراعات السياسية داخل بلدانهم وعكسها على الواقع العراقي وهذا من شأنه تهديد الاستقرار في المنطقة. حالات الأبتزاز للقادة الشيعة تأتي بطرق مختلفة وتعمل دول المنطقة على خلق التوترات من أجل تشويه سمعة شيعة العراق ووصف حكومتهم بالطائفية وانها تمتلك فرق موت وفرق اعدام وانها دولة بوليسية..الخ.

القيادات الشيعية تحكم العراق عن طريق القوة ربما أمر صحيح فالدولة والحكومة ينبغي ان لاتكون تحت وطأت المليشيات والتأثيرات والمزاجات السياسية، وهذا بطبيعة الحال تتخلله أخطاء لكن هذه الأخطاء تستغل بطريقة مشبوهة تعمل على تشويه سمعة الآخرين هذا أمر غير مقبول ولن يقبل به قادة الشيعة من السياسيين والدينيين.

مر العراق بحالة من الفوضى والاضطراب في وقت كان العراقيون يأملون فيه أن يتشجعوا مع حالة الاستقلال الجديدة على إيجاد حلول للمشاكل التي تعانيها البلاد، وعلى مواجهة الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية والدينية التي تم تجاوزها بنسبة كبيرة.

بالرغم من الأمل في أن يتحد العراقيون مجددا، فإن البلاد تبقى بعيدة عن الوصف الذي أطلقه قادة دول المنطقة وهو المتمثل بإن العراق أصبح دولة غير مستقرة في ظل حكومة شيعية وغير ذات سيادة ومعتمدة على نفسها. وتأتي الأزمة السياسية المتفاقمة في العراق وسط تأجيج المشاكل السياسية من قبل قادة الكتلة العراقية. في الوقت نفسه، تعمل التنظيمات المتطرفة توجيه ضربات للشيعة.

ويرى محللون سياسيون ان الضربات الموجه للشيعة مبنية على رؤية تقول ان شيعة العراق مرتدين وان الدول التي لاترغب بحكومة شيعية تأمل من خلال هذا الحراك الواسع الاطاحة بالحكومة بعد اغراق العراق في حرب طائفية ، مثل تلك التي حدثت خلال السنوات الماضية.

ان معرفة النفوذ الشيعي في العالم يستدعي مراجعة التاريخ جيدا من اجل معرفة قوة الشيعة سياسيا حيث تشير جميع الدلائل ان الشيعة منذ القرن السادس عشر واجه ضغوط وصلت الى حد الاضطهاد من قبل الأنظمة السياسية وحديثا يمكن للمراقب يرى هناك صراعات يبدو فيها الشيعة في قلب الحدث ففي افغانساتن وباكستان وسوريا ولبنان والسعودية وتركيا نرى الوجود الشيعي يفرض نفسه سياسياً وكقوة تساهم في صناعة الحدث السياسي.

ان إصرار الأنظمة السياسية في المنطقة على إقصاء ومحاربة الفكر الشيعي، ليس من صالح دول المنطقة وشعوبها، بل يساهم في تكريس التشدد والتطرف، وتأجيج مشاعر الطائفية البغيضة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/كانون الثاني/2012 - 2 /ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م