
شبكة النبأ: تتحدث التكهنات والتوقعات
حول برنامج ايران النووي وحول المواجهة العسكرية مع ايران بطرق مختلفة
فان ماقامت به الجهود الدولية من اجل ان ترضخ ايران وان تتنازل عن
برنامجها النووي لم يأتي بشيء ابتداءا من العقوبات وصولا الى الحرب
التي يعتقد بعض المراقبون انها قادمة وقد لا يبدو الأمر كذلك، لكن
الغرب قد بدأ بالفعل حملته لمنع إيران من تصنيع قنبلة نووية.
الأزمة الراهنة بين ايران والغرب، ليست حربا تقليدية. فبدلا من
استخدام آلاف القوات وأحدث الأسلحة المتطورة لتحقيق أهدافه، يشن الغرب
الآن حملة متطورة يعتمد فيها على دهائه وبراعته.
ويأتي اغتيال عالم نووي إيراني آخر هو الرابع من نوعه خلال عامين
كمثال على كيفية شن هذه الحرب المتطورة.
ومما لا شك فيه أيضا أن من كان مسؤولا عن هذا الاغتيال الأخير يعمل
على أساس أنه إذا لم يكن لدى إيران أي عالم نووي فإنها لن تتمكن إذن من
بناء قنبلة نووية. ويضاف إلى ذلك، سلسلة من الهجمات الغامضة على جوانب
أخرى لبرنامج إيران النووي مثل فيروس ستكسنت الذي عطل نظام الحاسوب
الخاص بالبرنامج النووي والانفجار الذي حدث في منشأة أبحاث الصواريخ
الرئيسية الذي قتل فيه أكبر خبير في مجال الصواريخ في البلد.
وهناك أيضا نمط يبرز من حملة منسقة بعناية تهدف إلى شل طموحات إيران
النووية التي تثبت فعالية كبيرة. يرى الكاتب البريطاني سايمون تسدال أن
الحرب على إيران قادمة لا محالة، في ظل ما وصفه بالتجاهل المتبادل وسوء
التقدير المزمن لدى الطرفين، موضحا أن حديث أميركا عن تغيير النظام
الإيراني عبر العمل العسكري مضلل، تماما كما هو اعتقاد طهران بأنها
رابحة في هذا الصراع.
وبدأ الكاتب بتصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التي قال فيها
إن الوقت بدأ ينفد لتجنب التدخل العسكري الأجنبي في إيران، موجهة إلى
روسيا والصين اللتين ترفضان دعم العقوبات الأوروبية والأميركية. بحسب
صحيفة ديلي تلغراف البريطانية
ويرى الكاتب بان الإيرانيين قد يحسبون تلك التصريحات تصعيدا محسوباً
ومقلقاً، سيدفعهم للتساؤل: إلى متى سننتظر قبل أن نتعرض لهجوم أميركي
أو إسرائيلي أو كليهما معا؟ ولماذا ننتظر المحتوم؟ ربما علينا أن نشرع
في الهجوم؟
وبهذه الطريقة تبدأ الحرب أي عبر الخطاب العدائي والتجاهل المتبادل
وسوء التقدير المزمن. ويمضي تسدال قائلا إن أي شخص في طهران سيدرك
-غداة الخطاب الأميركي الملتهب بشأن إيران- أن الدائرة الانتخابية
المؤثرة في واشنطن -وبمساعدة قادة من المرشحين الجمهوريين من أمثال ميت
رومني- تفضل العمل العسكري عاجلا وليس آجلا.
وبالنسبة لهؤلاء المتشددين الأميركيين، فإن تغيير النظام هو عنوان
اللعبة لأنه –من منظورهم- السبيل الوحيد لمنع إيران من امتلاك قنبلة
نووية.
ويقول جيمي فلاي وغاري شميت من مجلة الشؤون الخارجية قولهما إن
الضربة العسكرية المحدودة التي تستهدف المنشآت النووية الإيرانية لا
تؤدي إلى تغيير النظام، ولذلك يقولان إنه يتعين على الحكومة الأميركية
توسيع نطاق أهدافها. فإن تلك الأفكار المرعبة لم تصل إلى تفكير إدارة
الرئيس باراك أوباما، ولكن رغم أن خطاب الطرفين الإيراني والأميركي
ربما يعكس الأجواء الساخنة فإن الاعتقاد بأن الشعب الإيراني سيرحب
بالقصف الأميركي وينقلب فجأة على قيادته، يعكس تجاهلا خطيرا.
ويتحدث تسدال عن التجاهل الإيراني، قائلا إن رد فعل طهران على
الرسالة الخاصة التي بعث بها البيت الأبيض بشأن الخطوط الحمر في مضيق
هرمز، كان ينطوي على الحيرة والارتياب.
وقد انعكس ذلك في ما صرح به وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي
الذي قال في العلن يستعرضون عضلاتهم، ومن وراء الكواليس يدعون إلى
الجلوس والحوار.
ويقول الكاتب كان يتعين على صالحي أن يدرس التاريخ الأميركي وما
يحدث عندما يتم تجاهل الخطوط الحمر، في إشارة إلى حرب فيتنام. من جهته
يقول الكاتب باتريك كلوسون من معهد واشنطن قوله إن قيادة طهران تعتقد
أنها ستكسب في الحرب، وأن النظام الإيراني يعتقد أن الصراع مع أميركا
أو إسرائيل أو كليهما سيخدم أهدافه في تبرير الردع النووي، لأنه
سيصورهم على أنهم قادة شجعان في قتال عالمي يستهدف الصهيونية
والإمبريالية الأميركية والغطرسة العالمية، وبالتالي سيحشدون الشعب
معهم.
ولكنه يستدرك قائلا إن هذه أوهام مخيفة، ولكنها جزء من الحقيقة
الزائفة المتنامية لاتخاذ قرار الحرب، محذرا من أن ثمة شعورا متناميا
بأن صناع القرار وأصحاب الرأي من كلال الطرفين-المأسورين في أطر
رواياتهم الخاطئة- لا يصغون.
خطة جديدة
ويرى مراقبون ثمة إستراتيجية أميركية عريضة للتصدي لبرنامج إيران
النووي ونظام طهران الحاكم على وشك أن تتبلور في شكل خطة من ثلاثة
محاور تتضمن حزمة من عقوبات غير مسبوقة، وعمليات سرية.
وحسب باحث في الشؤون النووية، فإن الإستراتيجية تمثل بديلا عمليا
لمطالبات البعض داخل الولايات المتحدة بتوجيه ضربات عسكرية والقيام
بعمل مباشر بغية تغيير النظام الحاكم في إيران.
وأوضح المدير التنفيذي لفرع مركز جيمس مارتن لدراسات الحد من
الانتشار النووي في واشنطن ليونارد سبيكتور، أن من شأن هذا المزيج من
الإجراءات المتمثلة في فرض عقوبات اقتصادية مشددة والقيام بعمل سري
وإثارة حركة احتجاجات إيرانية ناجحة، إحباط عزم طهران على إنتاج أسلحة
نووية دون حاجة لتدخل أميركي مباشر.
ويرى خبراء أنه رغم أن الهدف المعلن للعقوبات الاقتصادية هو الضغط
على إيران لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات النووية، فإن
المسؤولين الأميركيين أعلنوا بوضوح أن لواشنطن على الأقل أهدافا أوسع.
بحسب صحيفة كريستيان ساينس مونيتور
فإدارة الرئيس باراك أوباما على وجه الخصوص تأمل أن يسفر ضغطها عن
إرغام إيران على التخلي عن دعم الإرهاب الدولي وانتهاكاتها الصارخة
لحقوق الإنسان.
ولقد استغلت واشنطن في واقع الأمر قضية البرنامج النووي أداة لحشد
المواقف من أجل فرض عقوبات تهدف في مجملها إلى تقويض النظام الإيراني.
وأوعز البعض أن الهدف غير المعلن لحزمة العقوبات الجديدة في الحقيقة
يكمن في التحريض على تغيير النظام.
ولطالما انطوت الأساليب الغربية عادة على مقاطعة منظمات بأكملها
ترتبط بعلاقات مع النظام الحاكم مثل الحرس الثوري الإيراني وهيئة
الخطوط البحرية لجمهورية إيران الإسلامية والعديد من المصارف
الإيرانية.
وتطبق تلك المقاطعة في حال اكتشاف أن الأنشطة التي تضطلع بها مثل
تلك المؤسسات مهما كانت ضئيلة تساعد على توفير الدعم لبرنامج البلاد
النووي. ويتمثل المحور الثاني في إستراتيجية الولايات المتحدة الذي
يستهدف بشكل مباشر أكثر برنامج إيران النووي، فهو العمليات السرية التي
تتولى واشنطن بعضها بينما تضطلع إسرائيل أو ربما السعودية ببعضها
الآخر، وجميعها يرمي على ما يبدو إلى إبطاء وتيرة البرنامج.
وكان من بين تلك العمليات فيروس ستكسنت الإلكتروني الذي دمر ألف
جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم بمجمع نطنز النووي في الفترة بين
أواخر 2009 وأوائل 2010.
وشملت تلك العمليات أيضا سلسلة من الاغتيالات طالت كبار العلماء
النوويين الإيرانيين، "وهو ما يشكل بعدا مقلقا للعمليات السرية التي
طالما نفت واشنطن نفيا باتا ضلوعها فيها".
أما المحور الثالث في الإستراتيجية الأميركية المحتملة فيمكن أن
نطلق عليه "عملية الربيع العربي".
ففي حال سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد جراء الانتفاضة الشعبية
ليصبح بذلك ثالث ضحايا الثورات في الشرق الأوسط، فإن إيران ستفقد بذلك
حليفها الوحيد في المنطقة، وهو هدف تعمل الولايات المتحدة بجد للإسراع
بتحقيقه.
ومن شأن ذلك أن يزيد من عزلة إيران الدولية، ومن ثم يعيق ما تقوم به
من "عمل ضار" عبر حزب الله الذي يتمركز في جنوب لبنان. ولعل العنصر
الأهم في هذه الإستراتيجية على أي حال هو أنه إذا نجحت حركة المعارضة
السورية في الإطاحة بالأسد، فإن ذلك لا محالة سيبث الحياة مجددا في
احتجاجات الحركة الإصلاحية في إيران. وخلص سبيكتور في مقاله إلى أن هذا
المزيج من الإجراءات إذا ما استغل بكفاءة قد يدفع إيران إلى تغيير
مسارها النووي دون الحاجة لتدخل عسكري أميركي أو إسرائيلي مباشر. "ولعل
هذا قد يكون هدف إدارة أوباما غير المعلن في الأشهر القادمة".
عقوبات بلا جدوى
واستبعد إيفان إيلاند العضو بمعهد إندبندنت ومؤلف كتاب جدوى
العقوبات الاقتصادية على السلاح والحرية كأداة للسياسة الخارجية أن
تؤتي العقوبات المفروضة على إيران أكلها، وقال إن فعالية العقوبات
الاقتصادية تتآكل مع مرور الوقت.
يذكَر إيلاند بأن الولايات المتحدة حظرت التحويلات المالية بين
المؤسسات المالية الأميركية والإيرانية، وفرضت عقوبات على الشركات التي
تقدم أي مساعدة لقطاع النفط الإيراني، كما حظرت معظم أنواع التبادل
التجاري مع إيران.
ويشير إلى أن العديد من صناع السياسة الأميركية والأوروبية الذين
يخشون من اقتراب إيران من القدرة على إنتاج سلاح نووي، يسعون إلى تشديد
العقوبات عبر حظر صادرات النفط الإيرانية، حتى وإن أفضى ذلك إلى ارتفاع
في أسعاره.
ويبرر الكاتب عدم جدوى العقوبات الأخيرة التي تستهدف صادرات النفط
الإيراني، بالقول إن تلك العقوبات تهدف إلى الحد من قدرة الدول الأخرى
على شراء النفط الإيراني، ولكن ذلك لن يتحقق إذا لم يتم فرض عقوبات على
كيانات في تلك الدول التي تجري تحويلات مالية مع البنك المركزي
الإيراني.
ويعتقد أن الخسائر الإيرانية من العائدات النفطية ستكون ضئيلة،
مدللا على ذلك بتصدير طهران لما قيمته 71.6 مليار دولار عام 2010،
ووصفت تقارير حكومية إيرانية بأن 2011 شهد مستوى قياسيا بالمبيعات
النفطية.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي إيفان إيلاند ان المشكلة في العقوبات
جميعها هي أنها تتآكل مع مرور الزمن، ولا سيما أن الدولة المستهدفة
تعيد توجيه منتجاتها إلى بلاد لا تشارك في العقوبات، أو أنها تجد سبلا
للتجارة بشكل غير قانوني مع كيانات بالدول المشتركة في تطبيق العقوبات.
ويرى محللون سياسيون ان العقوبات التي تستهدف النفط الإيراني مصيرها
الفشل لأن الدول التي تنمو بشكل سريع بالعالم النامي مثل الصين والهند
لا تهتم بالبرنامج النووي الإيراني قدر اهتمامها بالحصول على نفط
بأسعار زهيدة. وأن الأهم من الآثار الاقتصادية التي قد تترتب على
العقوبات، هو الآثار السياسية المحتملة، فأن العقوبات أداة اقتصادية
جوهرية لتحقيق أهداف سياسية. ويرى خبراء أن تاريخ العقوبات يظهر أنها
لا تفشل فقط في تحقيق أهدافها الاقتصادية، بل في أهدافها السياسية،
كإرغام بلد على التخلي عن برنامجه النووي أو إسقاط نظام معين. |