قيمة العمل الجماعي وتأثيرها في بناء الشخصية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يعرّف بعضهم شخصية الانسان، بأنها مجموعة من القيم التي تتوزع بين نقيضين، هما الخير والشر، وكلما كانت قيم الخير هي الأكثر حضورا في بناء الشخصية، كلما نجح الانسان الفرد في حياته، وطالما أن الفرد هو اللّبنة الأصغر في تكوين المجتمع، فإن نجاح الأخير يعتمد بصورة مباشرة، على بناء الشخصية الفردية الناجحة، وهذه بدورها تعتمد في نجاحها على نوع مجموعة القيم التي تُسهم في بنائها، وهكذا نستنتج أن المجتمع الناجح، هو حاصل مؤكَّد لمجموعة قيم الخير التي تُزرَع في شخصية الفرد.

وهكذا يستدعي البناء المجتمعي تحركا متواصلا ومبرمجا، لبناء الشخصية السليمة منذ ولادتها، عبر الحرص والعمل المنظَّم لزرع قيم الخير، في شخصية الانسان منذ بدايات النشأة والنمو، لأنها ستنمو مع الانسان وتكبر معه، وتصبح جزءا لا يتجزّأ من تكوينه المادي والفكري في آن، فيحصل المجتمع على فرد منتِج ذا شخصية عملية، مدعمة بتكوين فكري يستند الى قيم الخير في عموم أنشطته وفعالياته.

ومن بين هذه القيَم الفعّالة، قيمة العمل الجماعي، إذ يبدأ الانسان حياته طفلا، منحازا الى التعاون والعمل المشترك، وميّالا نحو التعامل الجماعي بأنواعه كافه، فتتبلور فيه شخصية جماعية النزعة، تنبذ الفردية، وما قد يتبعها من سمات وصفات مؤذية للذات والآخر في آن، مثل الأنانية والانطواء والتضخم الذاتي، وعدم احترام الرأي الآخر، والغطرسة أحيانا، وكل هذه السمات تتدخل على نحو سافر في بناء شخصية هدّامة، تدمر الفرد نفسه والمجتمع أيضا.

لذا تعدّ الأنانية نتاج حتمي لغياب أو ضعف قيمة العمل الجماعي، وتعني الانانية التخلف بكل ما ينطوي عليه من نتائج مدمرة، فحين يضعف أو يغيب الوعي السليم، تزدهر الغرائز الحيوانية التي تفضل الذات على الآخر، وتدفع الى سلب حقوق الآخر، ونبذ كل القيم السليمة كالتعاون والتشارك والتسامح والإيثار ونكران الذات، وسواها من الخصال التي تشكل إطارا وجوهرا، لأفضل الشخصيات العملية الفكرية المنتجة في مسار ايجابي متواصل.

في حين يؤدي انعدام تدخل قيمة العمل الجماعي في بناء الانسان بالنتيجة، الى صناعة الشخصية الدكتاتورية، بكلمة أوضح، أن الشخصية التي تنشأ في ظل قيم الصراع والتنافس السلبي، والانعزال والابتعاد عن الآخرين فكرا وعملا، تنمو في أجواء رافضة للجماعة وقيمها الاخرى، كالتعاون والتكافل وحب الآخر واحترام خياراته، ومساعدته على انجاز الاعمال او الافكار وسواها مما يدخل ضمن الانشطة البشرية المتنوعة، وبهذا تتشكل مثل هذه الشخصية وفق معايير تنحو الى الفردية والتسلط والتعالي على الآخر، وهكذا يصبح المسؤول أيا كان نوع منصبه أو مهامه الوظيفية، دكتاتورا في ادارة أعمال مؤسسته أو دائرته أو مدرسته وسوى ذلك، فيقمع الرأي الآخر وينفرد في اتخاذ قراراته، ولا يسمح للرؤى المناقضة ان تتدخل في عمله ونشاطاته حتى لو كانت ذات صبغة سليمة، وهكذا يتحول المسؤول الى دكتاتور صغير أو كبير حسب حجم مسؤولياته، يحدث هذا بغياب أو ضعف قيمة العمل الطوعي، وتأثيرها الكبير في بناء شخصية الانسان.

ولو أردنا أن نستعين بالتجارب العملية، التي أثبتت قدرة العمل الجماعي على البناء المجتمعي السليم، فإننا لابد أن نستعيد التجربة اليابانية في هذا المجال، وما تمخض عنها من نتائج باهرة، حيث ارتقى المجتمع الياباني، الى مصاف المجتمعات التي تقف اليوم في صدارة المجتمعات المتقدمة، ويعود الامر بالدرجة الاولى الى نجاحهم في بناء الشخصية المدعمة بالقيم الايجابية، بعد أن زرعوا فيها جميع القيم السليمة ومن أهمها قيمة العمل الجماعي، التي حضرت وتدخلت في جميع الانشطة الأهلية والرسمية على حد سواء، فتم بناء هذا البلد المدمّر كليا في الحرب العالمية الثانية، ليصبح بلدا نموذجيا في البناء والتطور على مستوى العالم اجمع.

هذا المثال القريب والمعروف لنا جميعا، لابد أن يحثنا ويدفعنا صوب التركيز على قيمة العمل الطوعي، ومن أهم الخطوات في هذا الجانب، هو التحرك المتواصل من لدن جميع من يعنيهم الامر، حكوميين وأهليين، لنشر قيمة العمل الجماعي وايجابياتها، بين جميع مكونات وشرائح المجتمع وفئاته العمرية كافة، على أن يتم التركيز على مرحلة النشأة، وهذا ما ينبغي أن تتبناه الاسرة الناجحة، بالتعاون مع الجهات المعنية صعودا الى دور الحضانة، والمدارس بمراحلها كافة، لتصبح قيمة العمل الجماعي مسار حياة شامل للمجتمع من دون استثناء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/كانون الثاني/2012 - 1 /ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م