مواكبة العصر والاستثمار الأمثل للزمن

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: تتسارع الأمم، شعوبا وأفرادا، نحو بلوغ المرتبة المثلى في البناء المجتمعي، كي تواكب مستجدات العصر، طلبا للسعادة والنجاح في الحياة الدنيا، وبلوغ العاقبة الحسنة في الدار الاخرى، لذا يوجد حرص دائم من لدن الأناس الناجحين، على استثمار الزمن بصورة دقيقة لا تقبل الهدر ولا التفريط، لدرجة أن الجميع ينبغي أن يؤمن بأهمية الزمن، ومعرفة أن العمر لا يحتمل إضاعة الفرص الثمينة التي تتوافر للانسان، لأنها لا تكون موجودة بصورة دائمة، إذ ينحصر ظهورها وتوافرها بأوقات مفاجئة ربما لا يتوقعها الانسان، لذا في حالة ظهور الفرصة ونضوجها، على الجميع أن يقطف فرصته في الوقت المناسب، لأن التردد او التكاسل في ذلك يعني فقدان هذه الفرصة او غيرها، الامر الذي يؤدي الى حرمان الفرد من ايجابيات الفرص الناجحة، وهو أمر قد ينعكس على عموم المجتمع.

في كتابه القيّم الموسوم بـ (اغتنام الفرص) يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) على أن: (الفُرَص هي عبارة عن أوقات زمانية رائعة، لما تحمل في طيّاتها من خير للإنسان، ولكن على الإنسان أولاً: أن يدرك أن هذه اللحظات هي الفرصة التي لا تعود، ويعرف ثانياً: كيف يستغلّها ويستفيد منها فائدة عقلائية، فالبعض من الناس عندما تتهيأ لـه الأسباب الجيدة، أو مقدمات النجاح، تراه يعرض عن استثمارها، بل أحياناً تأتي الفرصة جاهزة فيأتيه الخير كله، وما يبقى عليه إلا أن يمد يده نحوه ليأخذه، ومع ذلك يتوانى ويفرّط ويترك الأمر، استجابة لطول الأمل، واتباعاً للهوى، واتكالاً على أن في العمر فسحة، وفي الأجل مدة!، وأن عمره طويل!).

لذا لا يصح أن يتكاسل الانسان ويفرط بفرصة البناء الصحيح تحت حجج واهية وغير مقبولة، لأن العجز سيؤدي بالنتيجة الى الموت البطيء امتثالا بالقول الذي ينص على أن (عجزهم قتلهم) كون الحياة تتطلب صراعا مريرا من اجل ترويض الطبيعة، وجعلها قابلة للعيش، ومناسبة لتطور وازدهار الانسان فكرا وعملا، في حين يظن بعض الناس أن الرص قد لا تتوقف او تضيع هدرا، لذا يتعامل معها وفق حالة اللامبالاة، فتضيع فعلا ويخسر خطوة او خطوات مهمة في طريق التقدم والازدهار، لذا يعتقد بعض الناس كما يقول الامام الشيرازي في كتابه الثمين نفسه: (إن الفرصة إذا ذهبت فسوف تأتي فرصة أخرى بدلها، وهكذا يدع  الفرص تمرّ من بين يديه مر السحاب، وهو ينظر إليها غير معتنٍ بها ولا مغتنم لها؛ والسبب في هذا التغافل هو انعدام الهدف في الحياة).

هكذا يكون انعدم الهدف من حياة الانسان مدعاة لفقدان الفرص الناجحة، وسببا مؤثرا في تخلف الفرد والمجتمع عموما وعدم قدرته على مواكبة العصر، لذا لابد أن يكون الانسان منظما في حياته، مبتعدا عن العشوائية والتناقض وما الى ذلك من الامور التي تشيع الفوضى والاتكالية في حياة الانسان، حيث يتخذ من الامل بطول العمر ذريعة لضياع الفرص وعدم استثمارها كما يجب، فيؤجل أعماله الى غد وبعد غد، على أمل أنها ستنجز فيما بعد متأملا بطول العمر واقعا بصورة تامة تحت تأثير العجز والخمول واللامبالاة، كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي قائلا بهذا الخصوص: إن (الإتكال على طول الأمل، ومجّرد الأماني، والاغترار بالوساوس الشيطانية، والأفكار الواهية، وإقناع المرء نفسه بأنه طويل العمر، وأن عمل اليوم سوف يقوم به غداً، وما إلى ذلك، فهذا كله عبارة عن الإسراف والتبذير للعمر الغالي، والتسويف والتضييع للوقت الثمين، وهي ليست من علامات الإنسان الناجح، بل وليست من علامات الإنسان العاقل والمؤمن أيضاً).

وقد لا يعي الانسان انه اذا فقد هذه الفرصة او تلك، فإنه ربما يفقد امتيازا كبيرا، كان من الممكن ان يرفعه في الدنيا، ويفيده في الآخرة أيضا، بمعنى أن الاستثمار الجيد للفرص لا يعني انحسار النتائج الجيدة على الحياة الدنيا التي يحياها راهنا، بل سينعكس ذلك على الروح ايضا، وهكذا ستكون العملية ذات نتائج ايجابية مزدوجة كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بكتابه نفسه: (لقد سبق أن أشرنا إلى أن تفويت الفرص لا تخلو من آثار سلبية على شخصية الإنسان وروحه، لأنه سوف يتأخر في الحصول على الكمالات، وبالتالي سوف يحرم من المقامات العالية في الدنيا والآخرة. قال أمير المؤمنين ع - من أخّر الفرصة عن وقتها، فليكن على ثقة من فوتها).-1-.

وهكذا ينبغي على الانسان المؤمن أن يوازن بين ما تتطلبه حياته الراهنة، وبين ما توجبه عليه الدار الاخرى، فحين يسعى الى النجاح في الدنيا وهو أمر مشروع ولا غبار عليه، بل هو مطلوب ايضا، شرعا وعرفا، إذ لا يجوز للانسان أن يتكل على غيره في تأمين متطلبات الحياة، لكن عليه في الوقت نفسه أن لا ينسى – وهو يقوم بأعمال الدنيا- ما تتطلبه الآخرة ويوم الحساب، هذه الموازنة الرائعة تضمن للانسان نجاحا مزدوجا ايضا في الدنيا والآخرة، لذلك نقرأ في وصية الامام علي بن ابي طالب الى ابنه الامام الحسن – عليهما السلام- توجيها وتأكيدا على أهمية تحقيق هذه الموزانة وعد التمسك بالامل السلبي، كما نقرأ ذلك في كتاب الامام الشيرازي نفسه: (إني أوصيك يا حسن ـ وكفى بك وصياً ـ بما أوصاني به رسول الله - صلى الله عليه و آله- فإذا كان ذلك يا بني الزم بيتك، وابك على خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همك، وأوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محالها، والصمت عند الشبهة والاقتصاد، والعدل في الرضاء والغضب، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، ورحمة المجهود و أصحاب البلاء، وصلة الرحم، وحب المساكين ومجالستهم، والتواضع فإنه من أفضل العبادة، وقصر الأمل، واذكر الموت، وازهد في الدنيا، فإنك رهين موت، وغرض بلاء، وصريح سقم. وأوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك، وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل، وإذا عرض شي‏ء من أمر الآخرة فابدأ به، وإذا عرض شي‏ء من أمر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه، وإياك ومواطن التهم والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يغر جليسه). -2-

...........................................................

هامش:

(1)   غرر الحكم ودرر الكلم

(2) الأمالي، للشيخ الطوسي: ص7 المجلس1 ح8.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/كانون الثاني/2012 - 29صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م