العراق ودعوات التفتيت... أزمة الشراكة المفترضة

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: في وقت يأمل فيه العراقيون بتحويل البلد الى نموذج ديمقراطي يقتدى به في المنطقة، يشعر الكثير منهم بقلق نتيجة الوضع السياسي المتأزم والذي يهدد الانجازات على المستوى الأمني، فان الكثير من قادة العراق يسيرون في اتجاه مقلق.

ان تشكيلة الحكومة القائمة على اتفاقات مبرمة مع الشيعة والسنة والأكراد كان دائما عاملا غير مستقر فإن ما يجري الآن هو نتيجة لهذا الاتفاق الذي ينذر بصراعات مخيفة من اجل السلطة مستقبلا. فان دعوات تفتيت العراق سياسياً وطائفياً أصبح واقعاً ملموساً وأنه رغم عدم وضوح المواقف والنيات بين الفرقاء السياسيين وتبادل الاتهامات استفادت من هذه المواقف قوى داخلية وخارجة كانت تنتظر هذه اللحظة من اجل تحقيق مكاسب معينة.

ويتساءل مراقبون عن مستقبل البلد الذي يعاني من انقسامات حادة وفساد كبير في وقت من المفترض أن يكون الدستور وتغليب المصالح الوطنية هو سيد الموقف.

فبعد أقل من شهر على انسحاب القوات الأميركية لم يظهر العراق أي إشارة على التوحد. فإن  مواقف الكتل السياسية تجاه قضية طارق الهاشمي على سبيل المثال بدت وكانها عامل استفزاز من الجميع ضد الجميع وقد تستخدم كردستان وجود الهاشمي ودعم المالكي كأوراق للمساومة من أجل الحصول على تنازلات في الخلافات المستمرة مع بغداد حول حقوق النفط والأراضي وحصة المنطقة من الميزانية الوطنية.  ويمكن أن تعمق تحركات الكتل السياسية مشاعر العزلة السياسية بين السنة، مما يؤدي إلى هجمات من قبل الجماعات المسلحة ومن بينها القاعدة.

والعراق اليوم يجد نفسه في مفترق طرق ومع انخفاض العنف بدرجة كبيرة أصبح العراقيون أقل إيمانا بالدولة، رغم كونها في وضع أفضل بكثير، ظاهريا، لتقوم بأعباء مواطنيها.

وفي حين يعتقد بعض المحللين في صحيفة غارديان أن المشاكل الحالية يمكنها أن تؤدي إلى تقسيم العراق الى مناطق سنية وكردية وشيعية في المدى الطويل، الا انها يمكن ان تؤدي في المدى القريب الى توطيد السلطة الوطنية من خلال الاغلبية الشيعية. ويرى مراقبون أن الأزمة السياسية تجعل امام العراق ثلاثة مسارات.

الأول التقسيم: أي ثلاث دول منفصلة للشيعة والسنة والأكراد يحكمون فيها أنفسهم ويستودعون العراق إلى التاريخ. وهذا الخيار سيفيد الأكراد الذين كانوا مشغولين ببناء دولة في كل شيء إلا الاسم طوال السنوات التسع الماضية والذين يقفون اليوم لقطف الجائزة الكبرى من احتياطيات النفط التي تحت أقدامهم. وقد يكون الأمر جذابا أيضا للسنة الذين ليس لديهم احتياطيات نفط في موطنهم ويخشون ألا يكون لديهم أمل في ظل حكومة أغلبية شيعية بأية حال.

أما الخيار الثاني فهو شكل من أشكال الفدرالية يكون فيها لدى الأقاليم استقلالية أكثر في شؤونهم الخاصة وولاء أقل لبغداد. ومحافظتا الأنبار وديالى قد اتخذتا خطوات في هذا الاتجاه، لكن المالكي تعهد بمنع أي خطوة من هذا القبيل.

وثالثا هناك التراجع، خيار عدم فعل أي شيء ذاك الخيار الذي يبدو أن العراق يعتمده هذه الأيام وهذا يعني الخروج من أزمة للوقوع في أخرى بالإضافة إلى مؤسسات ما زالت غير مجدية إلى حد كبير ومواطنين يعلمون أن الدولة نادرا ما ستدعمهم. وضمن هذا الخيار -وهو أرجح الخيارات الثلاثة- هناك انزلاق تدريجي إلى الفوضى. وهناك على ما يبدو نقاط كثيرة محفزة داخل العراق وفي أنحاء المنطقة هذه الأيام لتفاديها.

ويبدو أن رهانات تعقيد الوضع قائمة في العراق وان تحدي حكومة المالكي مستمر وهناك رهانات على انها لاتستطيع حفظ العملية السياسية مما سيزيد معدلات العنف وخصوصا بعد موجة من التفجيرات استهدفت الزوار الشيعة، ومرافق الشرطة في المناطق السنية. فهذه الهجمات لها أسباب. فقد دخل قادة العراق في صراع خارج السلطة، بينما يقول محللون إن المتمردين يدفعون باتجاه أن يتحول الصراع إلى حرب أهلية واسعة النطاق. وان المتمردون لا يشنوا هجمات عشوائية بل يرسلون رسائل مفادها أن التقدم الأمني في خطر. ومن اجل اقناع الفصائل المسلحة في العراق بالمواجهة في محاولة لاستغلال الأزمة السياسية.

ان اعادة تنشيط التمرد والتدخل من جانب دول الجوار كجزء من إعادة اصطفاف القوى السنية والشيعية اقليميا يمكن ان تشعل تجدد العنف في العراق، حيث مازالت القوى الامنية التي اعيد تشكيلها  تتعلم كيفية التعامل من دون وجود القوات الامريكية.

ويرى محللون سياسيون أن المؤتمر الوطني الذي دعت له الكتل السياسية مؤخرا والمقرر انعقاده نهاية الشهر الحالي.سيكون خطوة تجاه انهاء الفوضى السياسية، وأن يعمل القادة من خلاله على تطمين جميع الأطراف في البلاد وضرورة العمل على أسس الشراكة الوطنية بين كافة المكونات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/كانون الثاني/2012 - 28صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م