البحث في أمر البرادعي!

د. عادل محمد عايش الأسطل

لا أحد يجهل شخصية الدكتور القانوني "محمد البرادعي"، الذي امتهن الدبلوماسية في وزارة الخارجية المصرية منذ العام 1964، بما في ذلك عمله في بعثة الأمم المتحدة، في كل من جنيف ونيويورك منذ العام 1974 إلى 1978، حيث عمل كمساعد لوزير الخارجية المصري. حتى العام 1980، لينتقل إلى العمل محاضراً، في كلية القانون في جامعة نيويورك حتى عام 1987، وكان انضم في العام 1984، إلى الأمانة العامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كمستشار قانوني، ليسند إليه في عام 1993، منصب المدير المساعد للعلاقات الخارجية. وفي ديسمبر/كانون أول من العام 1997، تولى منصب المدير العام للوكالة، خلفاً للدكتور"هانز بليكس" وكان عمل من أجل تعزيز دور الوكالة، في مجال منع انتشار الأسلحة النووية، وتطبيق الاتفاقيات والملاحق التابعة لها، وبأن استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية سيكون الطريق الأصوب.

وكان قاد البرادعي بعثة المفتشين بعد القرار 1441 من مجلس الأمن الدولي، إلى العراق لتحديد ما إذا كان نظام الرئيس العراقي "صدام حسين" يمتلك أسلحة للدمار الشامل، وفي مطلع عام 2003، كانت تقاريره وخلافاً للضغوط الأمريكية، تؤكد على التعاون الإيجابي من جانب العراقيين، واقترح لإعطاء مزيد من الوقت لمواصلة مفتشي الوكالة لمواصلة العمل، وكان انتقد الأدلة التي قادت الجهود، التي بذلتها الولايات المتحدة لغزو العراق. وكان انتقد "إسرائيل" بشأن برنامجها النووي، خلال الزيارة التي قام بها لإسرائيل في يونيو/حزيران عام 2004، ودعا إلى نزع الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.

وبالرغم من حصوله في العام 2005، بالاشتراك مع الوكالة الدولية للطاقة، على جائزة نوبل للسلام، إلاّ أنه كان محل اتهام، من جانب كل من الولايات المتحدة و"إسرائيل" في التستر على برنامج إيران النووي، الأمر الذي اضطر الولايات المتحدة، إلى التخلص منه في نوفمبر/تشرين الثاني في العام 2009.

كان "البرادعي" من الشخصيات المصرية البارزة، الذين تحدثوا ضد نظام مبارك، وكان بادر إلى تشكيل حركة سياسية جديدة فور عودته إلى مصر، معبراً من خلالها، عن مناهضته للنظام المصري القائم، ودعا من خلال احتجاجات متفرقة، قام بها متصدراً مؤيدوه، إلى إدخال إصلاحات سياسية شاملة، بهدف تعزيز الديمقراطية وإطلاق الحريات في الداخل المصري، الأمر الذي عزز من إمكانية ترشحه للرئاسة المصرية، في الانتخابات الرئاسية التي كانت ستجري في العام 2011، مما اضطر الحكومة والنظام في مصر إلى محاصرته سياسياً واجتماعياً، بعدم السماح لوسائل الإعلام المختلفة "الرسمية" من محاولة إجراء أية محاورات ولقاءات معه أو شخصيات أخرى مؤيدةً له، إضافةً إلى ملاحقته في حياته الشخصية والأسرية.

وكان شارك بقوة في الاحتجاجات الحاشدة إبان "الثورة المصرية" التي اندلعت في 25 يناير/كانون الثاني عام 2011، حيث أدت إلى سقوط النظام الذي يرأسه "مبارك" واعتبر واحداً من رموز الثورة أنذاك، وبرغم العلمانية التي يعتمدها وينتمي إليها، إلاّ أنه كان أبدى نوعاً من الاحترام للجماعات ذات النهج الإسلامي، وبخاصةً جماعة "الإخوان المسلمين" وغيرها من الحركات الإسلامية والأصولية الدينية، ودعا إلى التوقف عن تشويه صورتها، إضافةً إلى مواقف سياسية صلبة، كان اعتمدها ضد الكيان الإسرائيلي، حينما أدلى في أبريل/نيسان عام 2011 بتصريح شديد اللهجة، بأنه إذا هاجمت "إسرائيل" قطاع غزة، فإن مصر سوف تعلن الحرب على النظام الصهيوني".

لقد ظل "البرادعي" متمسكاً بأفكاره وأيديولوجيته، التي كان أمل من خلالها قيادة مصر، إلاّ أنه وكما يبدو، لم تأت الرياح بما يشتهي السفِنُ، عندما تبين – بقوله- بأن العملية السياسية الجارية في مصر، لم تتغير في شيء، وأنها ذاهبةٌ في نفس الاتجاه، التي كانت معتمدةً لدى النظام السابق، ودلالاته على ذلك، عجز النظام العسكري في قيادة البلاد إلى الديمقراطية، وأن قادته يتصرفون كمن يقومون بالانقلابات في العهود الفائتة، وأيضاً كان ارتأى انه ليس في نية المجلس العسكري، تسليم السلطة كاملةً للمدنيين، وسيبقى لديه امتيازات مهمة، من شأنها هدر الديمقراطية التي نسعى إليها، الأمر الذي لا يمكن العمل تحت إمرته، ومن ناحيةً أخرى، فإن العملية الانتخابية لمجلس الشعب المصري التي جرت مؤخراً، كانت أفرزت الحركات والأحزاب الدينية، كقوة أولى "راديكالية" على الساحة السياسية المصرية، وصلت إلى ما يقارب 70% من أصوات الناخبين المصريين، الأمر الذي أعتبره مهدداً رئيساً لأنواع الليبرالية، التي كان أمله في سيادتها داخل المجتمع المصري، ويمكن أن نضيف إلى أن هناك نسبة عالية من المصريين، لا يسرها أن ترى "البرادعي" رئيساً لمصر، لكل منهم أسبابه الخاصة، ويمكن ذكر بعضها، إلى أنه قد تشبع بالثقافة الغربية وتعوزه الخبرة في الشأن المصري، وأيضاً هناك من يدعي بأنه كان سبباً في تحطيم العراق، من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وهناك من تأثر بما تناقلته الأنباء، عن بعض أسراره الشخصية والأسرية، بالإضافة إلى امتناع الكثيرين عن الإيمان بالعلمانية، التي اتسمت بها شخصية "البرادعي" على كل حال.

وكانت ذكرت وسائل الإعلام المصرية أمس، بأن "البرادعي" قرر عدم خوض انتخابات الرئاسة، بعد استطلاعات الرأي في الأشهر الأخيرة، التي قد دلت على انخفاض نسبة مؤيديه في الشارع المصري، على الرغم من قيام الثورة، وبدا والحال هكذا وكأنه غير قادر خلال مرحلة قصيرة، على رفع تلك النسبة، حتى أن أحزاب التيار العلماني "الليبرالي" في مصر، الذين تنافسوا في قائمة مشتركة "الكتلة المصرية "، لم يحصدوا أكثر من 10 % من أصوات الناخبين.

كانت هذه من الأسباب الأهم، إضافةً إلى أسباب أخرى معلنة صراحةً، على أن الديمقراطية الحقيقية ستكون مغيبة تماماً، من حيث التطبيق الفعلي في المشهد المصري، كما لا يرى تغيراً يذكر في نظرة القادة المصريين، وكأن النظام السابق لم يسقط بعد، وأن الثورة لم تحدث من الأساس، فقرر بموجبها الانسحاب من السباق الرئاسي، لعلة أن ضميره لا يسمح له بالترشح للانتخابات للمناصب العامة في هذه الحالة.

وعلى أية حال، وفي ضوء ما سبق من معطيات وشواهد واضحة، تؤكد على أنه بالمرة، لا توجد لدى "البرادعي" أية فرصة في الوصول إلى سدة الحكم، وليس معنى ذلك أن يذهب إلى البيت، بل عليه مواصلة نشاطاته الإيجابية في خدمة مصر من أجل شعب مصر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/كانون الثاني/2012 - 25صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م