ما بين درجتي التجمّد والغليان

إيران "إسرائيل" الولايات المتحدة

د. عادل محمد عايش الأسطل

في الوقت الذي قامت فيه إيران، بالسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بزيارة منشآتها النووية، ولمناقشة الاتهامات والادعاءات الموجهة لها وخاصةً القادمة من كلٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل، للمرة الأولى، التي كانت رفضت خلال السنوات الثلاث الماضية مناقشتها لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالرغم من النفي القاطع لصحة أي منها، التي يفترض أن تجرى في وقت لاحق من هذا الشهر.

كان كثر الحديث، عن إمكانية استبعاد فكرة تنفيذ "إسرائيل" لمخططها الرامي، إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني، لعلة أن الظاهر السياسي على السطح، هو اللجوء إلى اتخاذ المزيد من العقوبات المالية والعسكرية والاقتصادية، وخاصة التي أخذت الطوابع الانفرادية، التي أقرتها دول في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في السابق، إضافةً إلى التي كانت أعلنت مؤخراً حول فرض عقوبات اقتصادية إضافية على إيران، والتي ستطال الصادرات النفطية الإيرانية والتي تمثل ما يقارب 80% من مدخولاتها، وأيضاً على شركات متخصصة في الطاقة، في كلٍ من الصين وسنغافورة والإمارات العربية المتحدة، بهدف زيادة الضغط على طهران، وتضييق الخناق عليها، على أنها من السبل الناجعة والأكثر جدوى من حيث فاعليتها، لاستعجال انهيار اقتصاداتها وفقدان قيمة عملاتها، باعتبارها حرباً هادئة على نحو فعال، وستتضح فاعليتها ليس في وقتٍ بعيد من ساعة إقرارها، حيث سيكون من السهل التمكن من حملها على التخلي عن مواصلة برنامجها النووي، وعن خطواتها المعادية للغرب بشكلٍ عام و"إسرائيل" بشكلٍ خاص.

هذه الإجراءات تم اتخاذها بعد أن تأكدت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وحتى "إسرائيل"، من درجة فاعليتها المرتفعة، والتي بدأت نتائجها بالظهور، لتماهي الدول العالمية الكبرى والمهمة، مع هذه القرارات، واستعدادها لتطبيقها فور إقرارها، على سبيل اليابان، الأمر الذي ارتاحت له الدول الأوروبية والولايات المتحدة و"إسرائيل" التي جاء على لسان رئيس وزرائها "بنيامين نتانياهو" أن العقوبات باتت تؤتي أُكلها، كل هذه الارتياحات من قبل الأطراف، كانت جلبت بعض الطمأنينة، لدى المحيط المحلي والدولي، في سبيل عدم اللجوء إلى الخيارات العسكرية، وعدم تكرير أخطاء الماضي، التي كانت سبباً في الأزمات الدولية السياسية والأمنية والاقتصادية.

لكن الناظر إلى المناخ السياسي العام من الغرب ومن الشرق، يجد كثرة من الأنواء المتمردة، حيث تبدو أكثر تقلباً وخاصةً في الأيام القريبة الماضية، حيث خيم الضباب على المنطقة بكاملها، وأصبح الغبار السياسي والشحن العسكري هما السائدين إلى هذه الساعة.

إذ ليس من قبيل المصادفة، أن تحدث بين عشيةٍ وضحاها، مواقف سياسية متباينة بهذه المعاني، وتحركات عسكرية لهذه الدرجة من التوتر، إلاّ أن تكون هناك نيّات يجري الحديث عن ترجمتها على أرض الواقع، من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل ومن يدور في فلكهما، قد لا يكون تقدمةً لعملٍ عسكريٍ بصوره المعروفة، وإنما إجراءات مستحدثة يمكن الاعتماد عليها في لكز الصفحة الإيرانية، أو مجرد وخز الأنامل، للتنبيه إلى أنهم والمجتمع الدولي، وبضمنهم الدول التي يراهنون عليها، مثل روسيا والصين وبعض الدول في أمريكا الجنوبية، بأنهم جادون في تنحيتها عن برنامجها النووي، وحتى مجرد التفكير به مستقبلاً.

مناورات إيرانية ضخمة، وتجارب ناجحة لقذائف وصواريخ مختلفة الأعيرة والمدى، وأعمال تدريب عسكرية نوعية، تحاكي الحروب الحديثة، ورحلة مكثفة للرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" لعددٍ من الدول الصديقة في أمريكا الجنوبية، وهواجس من كبار سابقين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأن إيران في نهاية المطاف، سيكون بإمكانها الحصول على مواد كافية لإنتاج قنبلة نووية في غضون عام. لا سيما بعد تراكم اليورانيوم المخصب لديها إلى 20٪، الذي يمكنها من تحويله في بضعة أسابيع، لتصل إلى مستوى 90٪، الذي يمكنها من صناعة القنبلة النووية، وأيضاً تحرشات إيرانية بالقطع العسكرية الأمريكية، وجرأتها على مراقبة ورصد تحركات الأسطول الأمريكي المتواجد في منطقة الخليج، وتهديدات بإغلاق "مضيق هرمز"

وبالمقابل إبحار حاملتي طائرات أمريكيتين نحو سواحل إيران، "يو. إس. إس. كارلفينسين" ترافقها بارجة ومدمرة وعلى متنها حوالى 80 طائرة ومروحية، والحاملة "كارل جينسن"، وهي من سلسلة "نيميتز" تعمل بالطاقة النووية، والتي تحمل عدداً كبيراً من الطائرات المقاتلة وطائرات الهليكوبتر. بالإضافة إلى إعلان البنتاغون أمس، عن حاملة الطائرات الثالثة في الطريق، والتي حاول المتحدث باسم البنتاغون "جون كيربي" إخفاء تلك التحركات على أنها روتين مخطط له منذ فترة طويلة"، وقد تصادفت مع المتغيرات الجارية.

ويمكن إضافة حوادث اغتيال علماء في البرنامج النووي، وآخرين يوعدون بالقتل، وتفجيرات تطال المنشآت العسكرية، ويجب أن نضيف أيضاً الوضع الداخلي غير المستقر في إيران، في أعقاب الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران عام 2009، وتأليب حركات وأحزاب مناوئة داخلية وخارجية، والقلق الآتي من دمشق، وتراخي روسي واضح من خلال تحذيره طهران من مواصلة تخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى صفقات السلاح الضخمة، إلى كلٍ من المملكة السعودية والإمارات العربية، التي لم يكن مسموحاً في السابق إبرامها مع تلك الدول، كل هذه، ناهيك عن ما تزعم به الولايات المتحدة من هواجس لديها من إمكانية تنفيذ "إسرائيل" لتهديداتها ضد المنشآت النووية الإيرانية، وخاصةً بعد زيادة وتيرة التهديدات الإسرائيلية بقرب ساعة الصفر.

 وما التكثيف للتواجد العسكري الأمريكي، إلاّ لهدف حماية المصالح الأمريكية في المنطقة نفسها فقط. فوفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال" التي كانت أفادت عن القلق، من أن إدارة "أوباما" ستكون تحت وطأة تجاهل "إسرائيل" للتحذيرات الأميركية، التي سوف تقوم بشن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية. ونتيجة لذلك قامت الولايات المتحدة، إلى تحديث الخطط الاستراتيجية، والعمل لتأمين المنشآت الاستراتيجية التابعة لها في منطقة الخليج.

جاءت هذه الإفادة، بالرغم من أن هناك أحاديث في وقت سابق، قال بها السيناتور "جو ليبرمان" - واحداً من أعظم أصدقاء "إسرائيل" في الكونغرس- أن "أوباما" يمكن أن يعطي تعليمات لمهاجمة إيران، لمنعها من امتلاك أسلحة نووية، إذا كان نظام العقوبات الدولية ليس مجدياً. لأنه لن يسمح لإيران بأن تصبح نووية. وهو ضد تحذير "أوباما" السابق، ووزير دفاعه "ليون بانيتا"، وغيرهم من كبار المسئولين في "إسرائيل"، من النتائج الكارثية لهجوم محتمل على إيران.

رد فعل طهران، بعد كل التضييق من مساحة المناورة حولها، كانت ألقت باللائمة على كلٍ من الولايات المتحدة و"إسرائيل" بتصعيد الأمور من جهة، ومن جهةٍ أخرى تواصل التهديد "عبر الحدود" بالانتقام، وأن التهديدات جدية، كما وردت على لسان الزعيم الروحي، مرشد الجمهورية الأعلى "علي خامينئي"، للرد على التهديدات الإسرائيلية، والعقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة، بإغلاق مضيق هرمز، وبتلقين المعتدين درساً لن ينسوه إلى الأبد.

فقد واصلت إيران تهديداتها، لكلٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل، وخاصةً في أعقاب اغتيال العالم النووية "مصطفي أحمدي روشان" في قلب طهران، حيث اعتبرته اختراق للحدود، كون عملية الاغتيال، تمت على مسافة غير بعيدة من وزارة الاستخبارات الإيرانية، التي كانت عبارة عن ضربة أخرى لهيبة النظام في طهران، على الرغم من الكثافة الأمنية في المكان، حيث هدد المرشد الأعلى لإيران "خامنئي" بأن إيران لن تنس معاقبة المسئولين عن هذا العمل الإرهابي الجبان، والذي صُمم من قبل "الموساد" ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، حيث تجاهل الرئيس "أوباما" في اتصال مع "نتانياهو" ذلك الادعاء، وأكدا على أن إيران ستتحمل عواقب عدم الامتثال للالتزامات الدولية". واعتبرا أن أمن المواطنين الإسرائيليين لا يتطلب وجود إيران نووية".

ولا شك فإن من الراجح قوله، أنه وفي ضوء ما مر من مشاهد سياسية عنيفة، ودبلوماسية صراعية وأخرى عسكرية مكثفة، ما ينبأ عن شواهد تصعيدية متتالية، لا سيما في ضوء عدم تنازل أيٍ من الأطراف، وخاصةً في ضوء فروض كل منها، أنها ستفوز بما عملت على تقريره من الفروض، خاصةً وأن طهران كانت قرأت، أن بإمكان الأطراف الأخرى، التكيف مع إيران نووية، وأيضاً "إسرائيل" ولكن بشروط وترتيبات أخرى، وهذا ما سيتبين خلال الفترة المقبلة، إن لم تحصل هناك مفاجآت والتي ليس شرطاً أن تكون عسكرية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/كانون الثاني/2012 - 22صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م