سوريا: ثورة، أم دماء وأشلاء؟

د. عادل محمد عايش الأسطل

إضافة إلى المفاجآت السيئة وغير السارة، التي تحفل بها الأحداث الدامية، بين الشعب الواحد، على أراضي القطر العربي السوري، تأتي هذه المفاجأة، كتطور خطير في سلسلة الأحداث مما درجت عليه أعمال العنف، التي تشهدها البلاد ومنذ بدايتها، حيث كان أعلن اليوم الجمعة في سوريا، عن وقوع انفجار مروع، قام بتنفيذه إرهابي انتحاري فجر نفسه بين المدنيين، في حي الميدان في العاصمة السورية "دمشق" حيث أسفر عن عشرات القتلى والجرحى.

فبالإضافة إلى كون العملية "انتحارية" حيث تعتبر من الأعمال التي تتسم بالعنف الإجرامي، ومن النوعية التي يصعب رصدها، واستحالة وقفها أو حتى الحد منها، إذا ما أرادت جهات معينة الاستمرار في تنفيذها، وفي الوقت نفسه تعتبر أشد وطأةً وتأثيراً على الحالة السياسية والأمنية والاقتصادية، وخاصةً أن صعوبتها تأتي من خلال استهدفها للمدنيين، فإنها جاءت في مكان وزمان يثيران العجب والاستغراب، لاسيما وأنه كان هناك استشعار، بقرب التوصل إلى حلول للأزمة، وخاصةً حينما لمس الكثيرين من الساسة والمحللين وأصحاب القرار، بعض ما قامت به السلطات في سوريا، من التجاوب مع مقترحات الجامعة العربية منذ البداية، بدءاً بالموافقة السورية على توقيع البروتوكول، الذي يقضي بدخول المراقبين العرب إلى الأراضي السورية، والذي كان بمثابة خطوة أولية وهامة، نحو تطبيق المبادرة العربية تجاه الأزمة السورية، والتي تقوم على الحوار بين السلطة والمعارضة، نحو التوصل إلى حلول سياسية لكل القضايا بينهما، وأيضاً التفاعل الآني مع مندوبي ومراقبي الجامعة نفسها، بغية مراقبة الوضع كاملاً على الأراض، وخاصةً المناطق التي تشهد تلك الأحداث، من مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والعمل على إنهاء كافة مظاهر جملة عنف الشهور الفائتة، والاتجاه نحو مشاركة المعارضة في الحكومة وإدارة الحكم.

هذه ليست المرة الأولى، التي يتم فيها إحداث نوع من الأعمال الجبانة والمسيئة، التي يُراد منها تفجير الوضع السوري من جديد، كلما كانت هناك فرصة، تؤشر إلى اقتراب التوصل إلى حل للأزمة، الأمر الذي يعني أن هناك أكثر من جهة يمكن الإشارة إليها، بتنفيذ مثل تلك الأعمال، وأهمها الجهات الخارجية، التي لا يمكنها أن تهدأ، حتى تحقيق مخططاتها، أو أن تفشل في تحقيقها، فالجهة الداخلية "المعارضة" قد يكون من الصعب التصديق، بأن من مخططاتها القيام بمثل تلك الأعمال، كما لايمكن أيضاً الدفع باتجاه الإيمان بقيام جماعات إسلامية وبضمنها "الإخوان المسلمين" القيام بذلك، وكذا نفس النفي، بأن أحد عناصر الدولة قد نفذ العمل الجبان، بالرغم من أن جهات قد أشارت إلى ضلوعها في ذلك.

لكن في النهاية هناك جهة معنيّة بمثل تنفيذ هذا العمل المسعور، ومعنيّة أكثر على مداومتها واستمرارها عليه، لا لأجل تسريع عملية انتقال الأزمة، وخروجها من داخل أسوار الجامعة العربية، إلى التدويل ومن ثم إلى أبعد من ذلك، كما لايعنيها بالضبط سقوط الرئيس الأسد أو عدم سقوطه، وإنما يعنيها بشدة، أن تعيش سوريا في تلك الأوضاع المأساوية، وتجعل منها بؤرة مضطربة وغير مستقرة، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، بهدف إدخالها في دوامة الحروب الأهلية والتمزيق، للدولة والوطن والشعب ولتفني بعضها بعضاً، ودون اللجوء إلى تكرار السيناريوهات السابقة، التي تم تطبيقها على بعض الدول العربية، لعلة أن هذا السيناريو، هو الأصلح لتطبيقه على القطر السوري، في مقدمة أكثر سهولةً لإحكام السيطرة لقوى الاحتلال على المنطقة برمتها، ومن ثم إجهاض التحولات الجارية، نحو تأسيس الديموقراطية، التي تكفل الحرية والعدالة والوحدة.

ولهذا يتوجب التنبه الوطني وبقدرٍ أعلى، لمثل تلك المخططات الإجرامية، واليقظة التامة اتجاه ما يحاك ضد القطر السوري، وأن يلجأ الجميع إلى إدانة مثل تلك الأعمال، البشعة والمدمرة، وأن يتجه الجميع من خلال تضافر الجهود، سلطةً ومعارضةً، وكافة القوى الوطنية السورية، نحو العقل والسلام، للعبور نحو مرحلة جديدة، يترسخ فيها الشعب مصدراً للسلطة والشرعية في إطار دولة مدنية ديمقراطية، نحو استرداد الأرض والكرامة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/كانون الثاني/2012 - 17/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م