الغنيمة عند الإسلام السلطوي

علي حسين كبايسي

يسرد القصاصون في حديثهم عن التوسعات العسكرية للإسلام السلطوي أن أهم سماته هي الغنيمة المتمثلة في السلب والسبي، ليس بقصد التشويه والإساءة بل من مبدأ الاعتزاز والافتخار، فهي عنوان الجهاد في سبيل الله والأجر العظيم، فكلما كان السبي أكثر كان الثواب أكبر، ولذا الباحث في موضوع الغنيمة في تاريخ الإسلام السلطوي لا يدخر جهدا كبيرا في تمحيص الحقائق التي هي من باب المسلمات، ولا يمكن لأحد إنكارها لكونها جزء من العقيدة التي أسس لها بنو أمية ذوي العقلية التجارية التي لا يهمها سوى الربح وبأي ثمن!! (1).

كثيرا ما يتشدق أبواق الإسلام السلطوي بالفتوحات الإسلامية [ التوسعات العسكرية ] لبني أمية، التي لولاها ما كان الإسلام في عزة، وما وصل إلى شتى أصقاع العالم، ولولا هم ما كنا مسلمين، وتغافلوا أن الإسلام جٌعل شعارا شكليا لتوسعاتهم العسكرية التي كانت تخدم غرضين:

1. جلب الصفراء والبيضاء، والإكثار من الجواري لتعج بها قصورهم.

2. إشغال الناس بالعدو الخارجي عن المفاسد والانحرافات الداخلية، والزج بهم في الحروب (2).

 قالت الكاهنة لبني جلدتها من البربر (3): "إن العرب إنما يطلبون من افريقية المدائن والذهب والفضة، ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد افريقية كلها، حتى ييئس منها العرب، فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر".

إن التجاء الكاهنة للعملية الانتحارية كان بدافع لعب آخر أوراقها أمام النهب والسبي الزاحف إلى مجتمع بسيط يعيش على الزراعة والرعي، ولا يفكر في الاعتداء على الآخرين بخلاف الإسلام السلطوي المخالف لكتاب الله عز وجل (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8])، ومما يجزم صحة دعوى الكاهنة ليس من إلهام التنبؤ بل هو واقع عايشه البربر مع الإسلام السلطوي بقيادة عقبة بن نافع، حيث يقول ابن عذارى المراكشي في كتابه البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب:" وغزوته [ عقبة بن نافع] للسوس الأقصى، فاجتمع به البربر في أمم لا تحصى، ولا تكاثر بالحصا، فقتلهم قتالا ما سمع أهل المغرب بمثله، حتى هزمهم، وقتل منهم خلقا عظيما، وأصاب منهم نساءا لم ير الناس في الدنيا مثلهن، قيل أن الجارية منهن كانت تبلغ بالمشرق ألف دينارا أو نحوها، وهرب الناس أمامه لا يدافعه أحد ويقوم له، تأييدا من الله لأوليائه."، التأييد الرباني لوليه عقبة بن نافع تكلل بحمامات من الدماء، ومكافآت من حور العين التي ما عين رأت وأذن سمعت، والغريب الناس يهربون من أمامه طلبا للعافية، هل هذا إسلام سيف أم الإسلام المحمدي (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُو أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُو أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125])، إن البربر أقوام هائمة على أراضيها تعتز بحريتها النابعة من تعلقها بأرضها وهواء سمائها، ولا تعرف الاعتداء على الآخرين فلما الاعتداء عليهم وذبحهم كالخراف وسبي نسائهم وذراريهم؟ (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة: 190])، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: 87]) فكل مظلمة أمام مظلمة الإمام الحسين عليه السلام تهون، ماذا يرتجى من أمة ذبحت ابن رسولها (ص) ذبح الخراف!!!.

ويتواصل مسلسل السبي والقتل مع موسى بن النصير، ففي نفس المصدر لابن عذارى المراكشي: " وبنواحي زغوان قبائل بربر بعث إليهم موسى خمسمائة فارس، ففتحها الله، فبلغ سبيهم عشرة آلاف. وهو أول سبي دخل القيروان في عهد موسى. ثم وجه ابنا له اسمه عبد الله إلى بعض نواحي افريقية، فأتى بمائة رأس من السبي. ثم وجه ابنه مروان فأتى بمثلها، فكان الخمس يومئذ ستين ألفا. فكتب موسى إلى عبد العزيز يٌعلمه بالفتح، ويعلمه أن الخمس من السبي ثلاثون ألفا، استكثر ذلك، ورأى أنه وهم من الكاتب لكثرته. "، يقول: بمائة رأس، وكأن عباد الله أغنام لديهم، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13])، والسبي ثلاثون ألفا، فاندهش عبد العزيز لهول العدد حريم أمة تصبح كلها سبايا باسم خمس الإسلام السلطوي، وهذا مما دفع عبد العزيز أن يكاتب موسى ليتحقق أن السبي ثلاثون ألفا، وبعد تحققه أن السبي ستون ألفا رأس!!! امتلأ بهجة وسرورا!!!، أين محل الدعوة إلى الإسلام لأمراء بني أمية، إنها التجارة المستبطنة لحب الاكتناز والربي والاحتكار لا غير، على سيرة أسلافهم.

يحكي المراكشي في نفس المصدر: " فلما قدم [ حسان بن النعمان] على أمير مصر عبد العزيز بن مروان، أهدى إليه مائتي جارية من بنات ملوك الروم والبربر، فسلبه عبد العزيز جميع ما كان معه من الخيل والأحمال والأمتعة والوصائف والوصفان."، استخدم المراكشي كلمة: سلب، فخلاصة الأمر هي السلب.

ويتواصل المسلسل عبر كل حلقاته الدموية ويقول المراكشي في نفس المصدر: " ثم فتح موسى هوارة وزناتة وكتامة، فأغار عليهم وقتلهم وسباهم. " ويقول كذلك: " قال الليث بن سعد: لم يسمع قط بمثل سبايا موسى بن نصير في الإسلام ".

يسرد المراكشي توسعات بني أمية في المغرب باعتزاز وفخر بالموروث، في إطار سيكولوجي بروح أعرابية متجذرة لا تعرف سوى الإغارة والسبي والنهب والتعطش إلى الدماء.

وبحكمة من الله تعالى وعن طريق أهل بيت رسول الله (ص) بإقامتهم للزوايا المنتشرة كاللآلئ عبر تراب المغرب عرف أهل المغرب الإسلام المحمدي عن أبي مدين، وابن عربي، وابن مشيش وغيرهم من الأولياء الصالحين، فالإسلام المحمدي لا يعرف إلا بالحب والزهد عن متاع الدنيا، ما اجتمع الماء والنار في إناء واحد.

..............................................

(1) كان معاوية تاجرا مرابيا يتاجر في الخمور.

في رواية ابن ماجة في سننه: " أن عبادة بن الصامت الأنصاري النقيب صاحب رسول الله (ص) غزا مع معاوية أرض الروم، فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير وكسر الفضة بالدراهم، فقال: يا أيها الناس إنكم تأكلون الربا سمعت رسول الله (ص) يقول: لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل لا زيادة بينهما ولا نظرة، فقال له معاوية: يا أبا الوليد لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة، فقال عبادة أحدثك عن رسول الله (ص) وتحدثني عن رأيك، لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة فلما قفل لحق بالمدينة فقال له عمر بن الخطاب: ما أقدمك يا أبا الوليد فقص عليه القصة، وما قال من مساكنته، فقال: ارجع يا أبا الوليد إلى أرضك، فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك، وكتب إلى معاوية لا إمرة لك عليه، واحمل الناس على ما قال فإنه هو الأمر."، ونقل الذهبي عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه: أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة وهو بالشام تحمل الخمر فقال: ما هذه، أزيت؟ قيل: لا بل خمر يباع لفلان فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلا بقرها، وأبو هريرة إذ ذاك بالشام، فأرسل فلان إلى أبي هريرة، فقال: ألا تمسك عنا أخاك عبادة، أما بالغدوات فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا. قال فأتاه أبو هريرة فقال: يا عبادة مالك ولمعاوية؟ ذره وما حمل؟ فقال: لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وألا يأخذنا في الله لومة لائم، فسكت أبو هريرة، وكتب فلان إلى عثمان: أن عبادة قد أفسد علي الشام ". وينقل ابن عساكر تمام الخبر: "... فكتب عثمان إلى فلان: أن أرحله إلى داره من المدينة، فبعث به فلان حتى قدم المدينة، فدخل على عثمان الدار، وليس فيها إلا رجل من السابقين بعينه ومن التابعين الذين أدركوا القوم متوافرين، فلم يفج عثمان به إلا وهو قاعد في جانب الدار، فالتفت إليه، فقال: ما لنا ولك يا عبادة، فقام عبادة قائما، وانتصب لهم في الدار فقال: إني سمعت رسول الله أبا القاسم (ص) يقول: " سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله، فلا تعتلوا بربكم، فوالذي نفس عبادة بيده إن فلانا لمن أولئك، فما راجعه عثمان بحرف ".

(2) حذف (حي على خير العمل من الآذان )، حتى لا تكون الصلاة أهم من الجهاد!!

فقال الخليفة الثاني وهو على المنبر - فيما نص عليه القوشجي في أواخر مبحث الإمامة من شرح التجريد، وهومن أئمة المتكلمين على مذهب الأشاعرة -: " ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل ".

(3) البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذارى المراكشي

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/كانون الثاني/2012 - 10/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م