مصر... مائة كتاب وكاتب ومئوية لا تستثنى الثورة

 

شبكة النبأ: في مناخ التحرر الجديد السائد حاليا في مصر انتشرت رسوم جدارية بأشكال وأحجام مختلفة كانت قد بدأت تظهر خلال الاحتجاجات التي أطاحب بالرئيس السابق حسني مبارك. وبالاضافة الى الرسوم التي تزين الجدران في العديد من أحياء العاصمة المصرية، والتي تدعو الى السلام والحريات المدنية.

ويستخدم الفنانون  فيها العديد من أساليب وطرق الرسم بعضها تقليدي والبعض الاخر مبتكر. وتحتل مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت، التي لعبت دورا مهما في ثورة يناير موقعا مهما في رسوم الجدران بالقاهرة، كما ان الرسوم ليست هي الفعالية الثقافية الوحيدة التي اخذت مساحة في الساحة المصرية الجديدة، اذ تألقت بعض ابواب المعارض الدولية والفنية ايضا في ربوع ارض النيل، بينما لا تزال واجهات ثقافية اخرى تنتظر الاشراق في ارض مصر، كمعارض دولية للكتاب تهدف الى اعادة مصر الى منصبها الثقافي عالميا.

وكعادتها دائما، تحتفي مصر بأبنائها وتقدر ابداعاتهم، رغم افول بعض نجومهم عن عالمنا، الا ان ما قدموه الى البشرية من ابداع ثفافي، يجعلهم في صف الغائب الحاضر في تاريخ الابداع الانساني، وتتواصل الجهود في هذا المضمار لتكتمل صورة ثورة يناير، وتعطي انطباعها الاجمل بتوافر جميع الالوان الحياتية في الواجهة الفنية التي تحكي عن واقع الحياة في مصر الحرة الجديدة.

معرض القاهرة الدولي

اذ قال محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين المصريين في بيان ان المعرض تأجل دون الرجوع الى اتحاد الناشرين أو أخذ رأيهم "ودون أسباب واضحة لهذا التأجيل" داعيا المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يحكم البلاد الى "سرعة التدخل لحماية صناعة النشر وسمعة مصر وسمعة معرض القاهرة الدولي للكتاب من الانهيار.

وأضاف البيان أن الجيش قام بحماية لجان الانتخابات التشريعية التي أجريت منها مرحلتان ولم تقع أحداث عنف "فكيف لا نستطيع تأمين حدث ثقافي دولي وجوده يعد اعلانا عن حالة من الاستقرار يشاع في العالم أننا فقدناها... وكيف يجتمع وزير الداخلية باتحاد الكرة ورؤساء الاندية الجماهيرية ويعلن عن استعداده لتأمين كافة مباريات كرة القدم ويدعو لاقامتها جميعا بحضور الجماهير ويرفض تأمين حدث ثقافي دولي يعلن عن استقرار مصر.."

وقال البيان ان تأجيل أو الغاء المعرض المصنف "كأحد أكبر معارض الكتاب في العالم" يسيء الى سمعة مصر ويعمق الاحساس بعدم الامان ويفقد البلاد ألوفا من الزوار والعارضين العرب الذين قاموا بسداد اشتراكات أجنحتهم بالمعرض وشحنوا الكتب التي هي الان في الطريق الى مصر.

وحذر البيان من فقد المعرض صفته الدولية "نتيجة لخروجه عن موعده المحدد دوليا لمدة عامين متتاليين طبقا لقانون المعارض الدولية" اضافة الى أن اقامته في غير موعده المحدد دوليا يجعله يتعارض مع معارض الكتب العربية الاخرى المنتظمة. بحسب رويترز.

وقال البيان ان تأجيل معرض القاهرة سيؤدي الى انسحاب "كافة الناشرين العرب والاجانب" من المشاركة فيه نظرا لارتباطهم بالمعارض التي تليه وسوف يطالبون برد اشتراكاتهم وتعويضات عن خسائر تكبدوها للمرة الثانية بعد الغاء الدورة السابقة. وقال الاتحاد في البيان "نحن نعترض اعتراضا شديدا على تأجيل المعرض" معلنا أنه فى حالة انعقاد دائم لحين حل المشكلة وعودة المعرض الى موعده. وأضاف أن الناشرين المصريين "يتعهدون بتأمين معرضهم والحفاظ على سمعته الدولية."

صالون الشباب

في سياق متصل، بدأت في قصر الفنون بساحة دار الاوبرا بالقاهرة الدورة الثانية والعشرون لصالون الشباب أحد الانشطة الثقافية القليلة منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي وضعت نهاية لحكم مبارك. والدورة الجديدة التي افتتحها وزير الثقافة المصري عماد أبو غازي تحمل عنوان (التغيير) ويشارك فيها 284 عملا لتشكيليين لا يزيد عمر أي منهم على 35 عاما وتتنوع مشاركاتهم في مجالات منها التصوير والرسم والنحت والخزف والتصوير الفوتوغرافي والجرافيك وفنون الفيديو.

وقال رئيس لجنة الفرز والتحكيم رضا عبد السلام في بيان ان أداء لجنة التحكيم لم يسمح "بالمراهنة والمزايدة على حدث ثورة 25 يناير بل المراهنة على فعل ابداعي جاد ومخلص يهدف الى التحديث والتغيير في لغة الفن واشكالياته الفنية والجمالية ومضامينه الانسانية."بحسب رويترز.

وتبلغ جوائز الصالون 180 ألف جنيه مصري (30.115 دولارا) اضافة الى جائزة عبارة عن منحة اقامة لمدة أسبوعين بالاكاديمية المصرية للفنون في روما. والجائزة الكبرى للصالون وقدرها 20 ألف جنيه مصري تقاسمها كل من أسامة عبد المنعم ومنى حمدي. ويستمر عرض الاعمال المشاركة في قصر الفنون ومركز محمود مختار الثقافي.

ثورة الفن التشكيلي

على صعيد ذو صلة، انتشرت رسوم الشارع بسرعة فائقة لدرجة أن معرض تاوسن هاوس للفنون نظم معرضا لاعمال بعض فناني هذا المجال. وأكدت ثريا موريف أمينة المعرض أن رسوم الجدران كانت موجودة في مصر قبل الثورة لكنها انتشرت على نطاق واسع بعد الاطاحة بنظام الحكم السابق. وقالت "بعد الثورة انتشرت رسوم الجدران مع الاحتجاجات التي اندلعت." وأضافت أن الفنانين الذين رسموا على الجدران شهود على مناخ التحرر الذي أنطلق مع الثورة المصرية.

وقالت "اذا سرت في ميدان التحرير ووسط القاهرة ستستطيعين أن ترسمي خطا زمنيا في عقلك لكل الاحتجاجات التي حدثت. لان هؤلاء الفنانين كانوا أيضا ناشطين وشاركوا بنشاط في تلك الاحتجاجات. كانوا يخرجون ويكتبون على الجدران الرسالة التي لم يتمكنوا من توصيلها الى الحكومة والى الجيش والى العالم."

ومع بدء انتشار الرسوم على الجدران زاد الطلب على الالوان الاحمر والابيض والاسود التي يتكون منها العلم المصري الذي انطلق مئات من أبناء الجيل الجديد يرسمونه على الجدران وواجهات المباني وأسوار المدارس وأرصفة الشوارع وأعمدة الانارة وحتى على جذوع الاشجار. وألهم ذلك منظمة "ماستر بيس" غير الحكومية التي أطلقت مبادرة لاستخدام رسوم الشارع من أجل ابقاء قيم الثورة حية في الوجدان في اطار مشروع "القاهرة .. قرية السلام".

وشارك في المبادرة التي استمرت أسبوعا زهاء 100 متطوع زينوا برسومهم سور مقر وزارة الزراعة بحي الدقي في القاهرة. وقالت رغدة الحلواني العضو في "ماستر بيس" ومنسقة المبادرة "أحنا عشنا في التحرير حالة من السلام لمدة 18 يوم. كلنا غنينا وحلمنا ورقصنا وقلنا شعر كلنا مع بعض عشان (من أجل) هدف واحد. احنا عايزين بقى القيمة دي تبقى موجودة كل يوم في حياتنا. فقلنا ان احنا عايزين نعمل مبادرة لمدة أسبوع أن احنا تعيش الحالة دي ثاني وكل واحد يرجع لبيته ومعه القيمة دي.. في المجتمع.. مع نفسه.. مع جيرانه وللبيئة.. كل يوم." بحسب رويترز.

وذكر راضي أحمد أمين المسؤول برئاسة حي الدقي في القاهرة أن القائمين على تنظيم مبادرة "القاهرة .. قرية السلام" تمكنوا بسهولة من الحصول على تصريح رسمي باقامة معرض لرسوم الشارع. وترتبط منظمة "ماستر بيس" بشراكة مع ناشطين في مدينة أوتريخت الهولندية.

مقتنيات المجمع العلمي

من جانب اخر، اتهم امين عام المجمع العلمي المصري محمد الشرنوبي باعة الكتب القديمة بانهم قاموا بسرقة كتب قيمة من المجمع، مما دفع مصر الى ابلاغ الشرطة الدولية "الانتربول" للمساعدة في الكشف عن الكتب في حال تهريبها خارج البلاد. وقال الشرنوبي في مؤتمر صحافي عقده في بيت السناري الاثري التابع لمكتبة الاسكندرية ان "المجمع قرر تشكيل لجنة خاصة تتسلم بعض الكتب من محكمة جنوب القاهرة وهو سيعمل جاهدا على حصر الخسائر في مكتبته. كما ويعمل في الوقت نفس بالتعاون مع قسم الترميم في مكتبة الاسكندرية على ترميم كتب تضررت في الحريق وما زال من الممكن ترميمها، وهي كثيرة".

واكد الشرنوبي على أن ادارة المجمع اتخذت اجراءات عدة بعد الحريق ومنها "تقديم بلاغ الى النائب العام يطالب فيه بالكشف عن الجناة الحقيقيين لحريق المجمع". ويشير نشطاء إلى ان الجيش تقاعس في اطفاء الحريق في حين يتهم الجيش بعض البلطجية الذين تسللوا من بين صفوف المتظاهرين في احراق المجمع.

واوضح الشرنوبي انه "تم نقل ادارة المجمع الى الجمعية الجغرافية كما تم تخصيص بيت السناري الاثري التابع لمكتبة الإسكندرية في القاهرة، لاستقبال اي مقتنيات علمية وحفظ ما نجا منها، كما وتم فتح حساب خاص في احد المصارف المصرية لجمع التبرعات".

واوضح انه "تم العثور على ثمانية اجزاء من كتاب +وصف مصر+ الذي وضعه علماء فرنسيون رافقوا الحملة الفرنسية على مصر. وعلى ضوء العثور على هذه الاجزاء سليمة، اتوقع ان نعثر على بقية الاجزاء تحت الحطام آملين ان تكون سليمة ايضا خصوصا وانها كانت كلها موضوعة في الترتيب نفسه". بحسب فرانس برس.

وشكر الشرنوبي الجهات التي اتخذت على عاتقها اعادة المجمع الى ما كان عليه قبل الحريق وخصوصا حاكم الشارقة سلطان القاسمي ووزير الثقافة الفرنسي ومدير منظمة اليونيسكو في مصر، الى جانب جهات مصرية مثل رئيس المجلس العسكري حسين طنطاوي ومكتبة الاسكندرية وبعض الصحف المحلية.

المصري أنيس منصور

من جهة اخرى، بعد صراع قصير مع المرض توفي الكاتب والفيلسوف المصري الكبير أنيس منصور عن عمر يناهز 87 سنة، ولد أنيس محمد منصور في 18 أغسطس آب عام 1924 في إحدى قرى محافظة الدقهلية الواقعة في شرق دلتا النيل في مصر، وحفظ القرآن في سن صغيرة في كُتّاب القرية وكان له في ذلك الكُتّاب حكايات عديدة حكى عن بعضها في كتابه عاشوا في حياتي.

واستكمل أنيس منصور دراسته الثانوية في مدينة المنصورة حيث كان الأول على كل طلبة مصر حينها، وكان ذلك استكمالا لتفوقه في صغره، حيث اشتهر بالنباهة والتفكير المنطقي السليم . ثم التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، و دخل قسم الفلسفة وحصل على ليسانس الآداب عام 1947، وانتقل إلى القاهرة حيث استكمل دراسته وعمل لفترة أستاذا في قسم الفلسفة ولكن في جامعة عين شمس، ثم تفرغ للكتابة والعمل الصحفي في مؤسسة أخبار اليوم والإبداع الأدبي في شتى صوره.

واجاد أنيس منصور عدة لغات إلى جانب العربية بالطبع ومنها الإنجليزية والألمانية والإيطالية. كما اطلع على كتب عديدة في هذه اللغات وترجم بعضا من الكتب والمسرحيات المكتوبة بغير العربية. سافر أنيس منصور كثيرا وكتب الكثير في أدب الرحلات، وألف في ذلك عددا من الكتب منها حول العالم في 200 يوم و بلاد الله لخلق الله و غريب في بلاد غريبة ، و اليمن ذلك المجهول و أنت في اليابان وبلاد أخرى ، و أعجب الرحلات في التاريخ .

وفي فترة من الفترات كانت كتابات أنيس منصور في ما وراء الطبيعة هي الكتابات المنتشرة بين القراء والمثقفين، ومن أشهر كتبه في هذا المجال الذين هبطوا من السماء ، و الذين عادوا إلى السماء ، و لعنة الفراعنة و أرواح وأشباح. كما ترك أنيس منصور عددا من المؤلفات التي تحولت لأعمال سينمائية ومسرحية وتلفزيونية ومن اشهرها مسرحية حلمك يا شيخ علام ، و من الذي لا يحب فاطمة ، و هي وغيرها ، و عندي كلام .

وفي مجلات متنوعة كتب أنيس منصور نحو 90 كتابا في موضوعات شتى تراوحت بين الفلسفة والإجتماع والتاريخ والسياسة والمرأة. وكان لأنيس منصور نشاط واسع في ميدان الترجمة، حيث ترجم إلى العربيّة عديدا من الكتب والأعمال الأدبية الاجنبية، بلغت نحو 9 مسرحيات وحوالى 5 روايات من لغات مختلفة، إلى جانب 12 كتاب لفلاسفة أوروبيين.

وفي الوقت اهتمت دور النشر العالمية بترجمة كثير من أعماله إلى اللغات الأوروبية وخاصة الإنجليزية والإيطالية. وعمل أنيس منصور في مجال الصحافة في عديد من الصحف والمجلات، وكانت بدايته في مؤسسة أخبار اليوم التي تركها في عام 1950 إلى الأهرام ثم تنقل في عدد من الصحف والمجلات.

وقد تفرغ في أواخر حياته لكتابة المقال السياسي والاجتماعي المعروف مواقف في جريدة الأهرام اليومية إلى جانب عموده اليومي في جريدة الشرق الأوسط. وكان أنيس منصور صديقا مقربا من الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر ثم أصبح صديقا للرئيس السادات ورافقه في زيارته إلى القدس عام 1977 .

وحصل في حياته على الكثير من الجوائز الأدبية من مصر وخارجها، ومن أبرزها الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة وجائزة الفارس الذهبي من التلفزيون المصري وجائزة الدولة التشجيعية في مصر في مجال الأدب.

جائزة رفاعة الطهطاوي

الى ذلك، فاز المترجم المصري توفيق علي منصور بجائزة رفاعة الطهطاوي التي يمنحها المركز القومي للترجمة في مصر عن ترجمته لكتاب (نهر النيل.. مشاركة في مورد نادر). وأعلن فيصل يونس مدير المركز القومي للترجمة في حفل بمقر المجلس الاعلى للثقافة بالقاهرة فوز منصور (80 عاما) بالجائزة عن ترجمته العربية للكتاب الذي ألفته نخبة من الباحثين وحمل عنوانه الفرعي (عرض تاريخي وفني لادارة المياه ولقضايا اقتصادية وقانونية). وقال الفائز ان أهمية الكتاب تكمن في طرحه عددا من التصورات حول ادارة ملف مياه نهر النيل اذ "يضيء (الكتاب) الطريق نحو تنمية مواردنا المائية".

والجائزة التي تبلغ قيمتها 100 ألف جنيه مصري (نحو 16780 دولارا) تحمل اسم الطهطاوي وتمنح لافضل ترجمة عن لغة أصلية الى اللغة العربية على أن يكون الكتاب الفائز من اصدارات المركز القومي للترجمة. وجائزة الطهطاوي (1801-1873) تكريم لرجل يعد رائدا للتعليم وأحد أبرز رواد النهضة العلمية والترجمة في مصر. بحسب رويترز.

والجائزة نالها في دورتها الاولى عام 2009 مصطفى لبيب أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة عن ترجمته لكتاب (فلسفة المتكلمين) للمستشرق هاري ولفسون. وحصل عليها في دورتها الثانية عام 2010 بشير السباعي عن ترجمة كتاب (مسألة فلسطين) للمؤرخ الفرنسي هنري لورانس.

انتصار للاسلام

من جانب اخر، وفي حوار "نادر" للروائي المصري الراحل نجيب محفوظ قال إن هزيمة حركة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان حتى 2001 "انتصار للاسلام الحقيقي" كما أرجع التشدد الديني في العالم العربي إلى قيام إسرائيل عام 1948. وحوار محفوظ (1911-2006) مع بيير باربانسي أجري عقب هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 وترجمه طلال فيصل وتعيد مجلة (الثقافة الجديدة) في القاهرة نشره في عددها الجديد.

ومحفوظ هو الكاتب العربي الوحيد الذي نال جائزة نوبل في الآداب (1988) وتعرض في أكتوبر 1994 لمحاولة اغتيال قام بها شاب قيل له ان بعض أعمال محفوظ ذات نزوع الحادي في اشارة الى رواية (أولاد حارتنا).

وفي الحوار الذي وصفته المجلة بأنه "نادر" انتقد محفوظ سياسة الولايات المتحدة قائلا انها تنحاز "انحيازا غير مشروط لاسرائيل" وأرجع التشدد الديني في العالم العربي الى "انشاء دولة اسرائيل... خلق دولة قائمة على الدين" اضافة الى تراجع الحركة القومية العربية بعد حرب 1967. بحسب رويترز.

وتابع قائلا "المتطرفون الذين تراجعوا أمام الحركة القومية والعروبية (قبل 1967 تساءلوا).. لماذا لا نقيم دولتنا على الدين نحن أيضا؟" ولكن محفوظ الذي أقر بأن "بذور للتطرف كامنة داخل الدين" راهن على أن الشعب المصري "بطبيعته معتدل" ولا يمكن أن يتفق مع التشدد الذي اعتبره ضد الحضارة الإنسانية. وقال إن "الانتصار على طالبان هو انتصار للاسلام الحداثي. الاسلام الحقيقي وليس اسلام طالبان المشوه."

فهم أدب محفوظ

الى ذلك يرى بعض النقاد أن السينما المكسيكية التي قدمت فيلمين عن روايتين لنجيب محفوظ كانت أكثر صدقا وقربا الى أدب الكاتب المصري محفوظ ، وهو أقرب الادباء المصريين الى السينما حتى ان الناقد اللبناني ابراهيم العريس أطلق عليه "أديب السينمائيين وسينمائي الادباء" كما كان أيضا الروائي الاوفر حظا في تحويل أعماله للسينما بل ان بعض أعماله أعيد انتاجها.

ففي عام 1964 أخرج حسام الدين مصطفى فيلم (الطريق) عن رواية (الطريق) التي قدمت عام 1986 بمعالجة أخرى في فيلم (وصمة عار) لاشرف فهمي الذي قدم أيضا معالجة لرواية (اللص والكلاب) في فيلم (ليل وخونة) عام 1990 تختلف عن فيلم (اللص والكلاب) الذي أخرجه كمال الشيخ في الستينيات وفيلم ثالث أنتجته أذربيجان منذ سنوات بعنوان (اعتراف) عن الرواية نفسها.

وأنتجت السينما المكسيكية فيلمين عن روايتين لمحفوظ أولهما (بداية ونهاية) الذي أخرجه أرتورو ريبستين عام 1993 و/زقاق المعجزات/ عن رواية (زقاق المدق) من اخراج خورخي فونس عام 1994 وقامت ببطولته سلمى حايك.

وقال العريس في دراسة ضمن كتاب (نجيب محفوظ سينمائيا) ان ريبستين رأى المكسيك من خلال رواية محفوظ التي لم يجد صعوبة في تحويلها الى فيلم. وأضاف أن محفوظ شاهد الفيلم ولمح "من دون أن يقول صراحة (الى) أنه للاسف وجد أن هذا الفنان المكسيكي أي ريبستين قد فهم أدبه سينمائيا أفضل مما فعل أي سينمائي عربي. تهذيب محفوظ الفائق منعه من قول هذا."

والكتاب الذي يضم دراسات ومقالات يقع في 160 صفحة متوسطة القطع وأصدره مهرجان أبوظبي السينمائي ضمن أنشطة دورته الخامسة التي احتفل فيها بذكرى مرور 100 عام على ميلاد محفوظ (1911-2006) وعرض ثمانية أفلام مأخوذة عن أعماله هي (بداية ونهاية) و/بين السماء والارض/ لصلاح أبو سيف و/درب المهابيل/ لتوفيق صالح و/الجوع/ لعلي بدرخان و (بين القصرين) لحسن الامام و/اللص والكلاب/ لكمال الشيخ اضافة الى الفيلمين المكسيكيين (بداية ونهاية) لريبستين و/حارة المعجزات/ لفونس.

وقالت الكاتبة باث أليثيا جارسيا دييجو انها وقعت في هوى (بداية ونهاية) واقترحت على زوجها المخرج ريبستين أن تعدها للسينما قائلة له "اذا لم أعدها سأموت" وانها اكتشفت أن عالم محفوظ قريب منها مثل اي كاتب من "بلدي وبلغتي". وأضافت في مقال عنوانه (محفوظ.. روابط من الطرف الاخر) وترجمه السوري رفعت عطفة أنها أعدت أعمالا لكتاب غربيين منهم الفرنسي جي دي موباسان والنرويجي هنريك ابسن ولم يثر ذلك دهشة أحد الا أن الامر اختلف مع اعداد رواية لكاتب من العالم الثالث.

وقالت "يغيظني أن يجد الناس غرابة في اعداد عمل مصري. أعتقد أن التفسير الوحيد موجود في عوائق الفكر الاستعماري فالمرء يستطيع أن يتبنى المركز. ينسخه. ينافسه. لكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك مع مثيله. مع فقير اخر من الاطراف."

وقال الناقد المصري كمال رمزي ان الفيلم المكسيكي (حارة المعجزات) الذي أنتج بعد ثلاثة عقود على انتاج الفيلم المصري (زقاق المدق) الذي أخرجه حسن الامام عن الرواية نفهسا "أقرب لعالم نجيب محفوظ ورواياته من الفيلم المصري. وسلمى حايك تعبر عن (بطلة الرواية) حميدة على نحو أعمق وأصدق في تجسيد شادية لها... سلمى حايك تفهمت واستوعبت شخصية حميدة بتكوينها الداخلي."

وأضاف في فصل عنوانه (نجوم السينما في سفينة نجيب محفوظ) أن كثيرا من الممثلين المصريين تألقوا في أعمال محفوظ أكثر من غيرها بل ان بعضهم كتبت له شخصيات محفوظ عمرا فنيا جديدا وباقيا ومنهم سناء جميل التي حقق لها فيلم (بداية ونهاية) بداية حقيقية بعد عشر سنوات من الادوار الهامشية.

وسجل رمزي شهادة الممثل المصري الراحل محمود مرسي الذي أدى دور أحمد عبد الجواد في المسلسل التلفزيوني (بين القصرين) وقارن بين أدائه وأداء الممثل المصري يحيى شاهين الذي أدى الشخصية نفسها في ثلاثة أفلام هي (بين القصرين) و/قصر الشوق/ و/السكرية/. وقال مرسي في شهادته "بدون تواضع أو غرور أقول انني خسرت هذه الجولة أمام يحيى شاهين الذي يبدو كما لو أن نجيب محفوظ رسم هذه الشخصية خصيصا ليتواءم معها يحيى شاهين. لقد كنت أبحث عن أحمد عبد الجواد بينما أحمد عبد الجواد يبحث عن يحيى شاهين. لا أظن أحدا يمكنه أن يغدو أحمد عبد الجواد على نحو يفوق يحيى شاهين لعدة أجيال قادمة."

احتفالات ثقافية في مئويته

كما تبدأ في ثلاث مدن مصرية احتفالية عنوانها (مئة كاتب وروائي في مئوية نجيب محفوظ) ينظمها ائتلاف الثقافة المستقلة بمناسبة مرور 100 عام على ميلاد  هذا الروائي المصري. وقال منسق الاحتفالية طه عبد المنعم ان "أبناء محفوظ وأحفاده" سيحتفلون بيوم "السرد المصري" في ثلاث مدن هي القاهرة والاسكندرية والاقصر وان طموح ائتلاف الثقافة المستقلة أن يجعل هذا اليوم يوما للسرد المصري والعالمي كل عام.

وأضاف أن الاحتفال في القاهرة سيبدأ بمسيرة بالورود والشموع الى بيت محفوظ تليها وقفة بمشاركة زوجته وابنتيه مع فرقة للفنون الشعبية ثم تستكمل الانشطة في أحد البيوت الاثرية بمنطقة الجمالية التي شهدت ميلاد محفوظ قبل 100 عام. وكان ذلك المكان المعروف بالقاهرة الفاطمية مسرحا لمعظم شخصيات محفوظ الروائية. بحسب رويترز.

وتستمر المسيرة الكرنفالية حتى شارع المعز لدين الله الفاطمي حيث يقام معرض يضم أغلفة كتب محفوظ وملصقات الافلام المقتبسة من أعماله على خلفية فرق للموسيقى الشعبية. ويختتم يوم السرد المصري في بيت السحيمي بمشاركة 30 كاتبا وروائيا يقدمون شهادات أو يقرأون نصوصا وتتخلل العرض السردي عروض فنية وموسيقية لفرق فنية منها فرقة اسكندريلا. وتصدر الاحتفالية ثلاثة كتب تذكارية تضم نصوص الكتاب المئة المشاركين في القاهرة والاسكندرية والاقصر.

حاول قتله بتشريف

في حين تقول مؤشرات ان الاسلاميين بمصر بمختلف أطيافهم يتجهون لحصد نسبة كبيرة من الاصوات في انتخابات مجلس الشعب، تنشر مجلة ثقافية حوارا على لسان الشاب الذي حاول قتل نجيب محفوظ قبل 17 عاما وفيه يعترف بأن الجماعة الاسلامية كلفته "أو شرفته" بذلك.

وقال محمد ناجي محمد مصطفى لرئيس اتحاد كتاب مصر محمد سلماوي انه فني اصلاح أجهزة الكترونية وحصل على شهادة متوسطة واتجه "الى الله منذ أربع سنوات... وقرأت كتبا كثيرة خاصة بالجماعة الاسلامية الى أن قابلوني" وهذه الكتب عن قادة في الجماعة منهم عمر عبد الرحمن المعتقل في الولايات المتحدة وناجح ابراهيم عضو مجلس شورى الجماعة وعبود الزمر الذي خرج من المعتقل بعد ان انهى فترة عقوبته بعد ادانته بالاشتراك في اغتيال الرئيس الاسبق أنور السادات عام 1981 .

وسلماوي الذي أدار حوارا غير مباشر بين محفوظ والشاب الذي حاول اغتياله في أكتوبر تشرين الاول 1994 يسجل في مقال ستنشره مجلة (الثقافة الجديدة) الشهرية أن الشاب اعترف له بأنه لم يقرأ شيئا لمحفوظ وعقب قائلا.. "استغفر الله" مشددا على أنه لا يحتاج الى قراءة أعمال محفوظ. ويضيف أن الشاب اعترف له بأنه حاول اغتيال محفوظ لانه ينفذ "أوامر أمير الجماعة والتي صدرت بناء على فتاوى الشيخ عمر عبد الرحمن."

ويقول سلماوي انه أبلغ الشاب بأن محفوظ سامحه على جريمته فقال "هذا لا يعنيني ولا يغير من الامر شيئا لقد هاجم نجيب محفوظ الاسلام في كتبه لذا أهدر دمه وقد شرفتني الجماعة بأن عهدت الي بتنفيذ الحكم فيه فأطعت الامر."

ويضيف أن الشاب روى له أنه توجه مع زميله باسم "الذي استشهد" على حد قوله أثناء القبض عليهما الى منزل محفوظ في اليوم السابق على محاولة الاغتيال وطلبا مقابلته وكانا يحملان داخل ملابسهما مسدسا وسكينا وكان باسم يرتدي ملابس خليجية كما حملا أيضا وردا وحلوى للتمويه لكن زوجة محفوظ التي فتحت لهما الباب قالت انه غير موجود وأن بامكانهما مقابلته في اليوم التالي في ندوته الاسبوعية التي يذهب اليها في الخامسة بعد الظهر.

وتابع أن الشاب قال له "كان الهدف هو ذبح نجيب محفوظ داخل منزله بالسكين أما المسدس فكان لتهديد أفراد أسرته حتى لا يطلبوا النجدة. لكن الله لم ييسر الامر لذلك قررنا ذبحه في اليوم التالي وقد قمت بتنفيذ العملية وحدي وهربت الى زملائي في (حي) عين شمس وأخبرتهم أنني غرست السكين في رقبة نجيب محفوظ فأخذوني بالاحضان وأخذوا يقولون لي 'مبروك'."

ويقول سلماوي انه نقل الى الشاب أسى محفوظ عليه وشعوره بأن الشاب ضحية وتمنيه لو كان أصبح عالما أو بطلا رياضيا لا قاتلا يرتكب جرائم. ولكن الشاب لم يبال بهذا الكلام وقال "لو أنني قابلته ثانية لنفذت فيه مرة ثانية الامر الذي صدر الي." بحسب رويترز.

وأبدى محفوظ لسلماوي أسفه على مواجهة أصحاب الرأي بالقتل وقال "ظلما وبهتانا... أشعر بالاسف أيضا من أن شبابنا يكرس حياته للمطاردات والقتل فيطارد ويقتل وذلك بدلا من أن يكون في خدمة الدين والعلم والوطن" ووصف الشاب بأنه ضحية. ويضيف أن محفوظ كان يريد معرفة دوافع الشاب "أن أفهم عقليته أن أدرس شخصيته.. لقد كان شابا في مقتبل العمر."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/كانون الثاني/2012 - 9/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م