العراق وأزمات الحلقة المفرغة

تسوية مؤجلة وصراعات سياسية خطيرة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: وسط إصرار التحالف الوطني الحاكم على استثناء قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المتهم بالإرهاب من التسوية المتوقعة، تتسع دائرة الأزمة مع رفض القائمة العراقية التي ينتمي اليها الهاشمي الدخول في مباحثات جديدة.

ويعاني العراق الخارج حديثا من دوامة عنف كادت ان تطيح بمرتكزات الدولة الناشئة من عدة معوقات وتحديات لا تزال تمثل تهديدا فعليا لأمنه الداخلي واقتصاده المضطرب، الى جانب تماسكه كدولة واحدة مع تلويح الأكراد بالانفصال بين الفينة والأخرى.

الا ان نبرة التفاؤل لا تزال ملحوظة لدى معظم المتابعين لشؤون العراق، سيما انه استطاع تجاوز العديد من الأزمات الحادة التي ألمت بالدولة في فترات سابقة، وهو ما قد يحي الأمل في أعادة لملمة الشتات السياسي مرة أخرى دون خسائر تذكر، على الرغم من التباين الشاسع في التصريحات السياسية التي يطلقها الفرقاء المتصارعون.

المالكي يؤكد استعداداه للتعاون

إذ اكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للرئيس جلال طالباني "استعداده للتعاون" بهدف الوصول الى "حلول مناسبة" للصعوبات والعقبات التي تواجهها العملية السياسية. وذكر بيان صادر عن مكتب طالباني نشر على موقع الرئاسة ان المالكي ابدى في اتصال هاتفي مع الرئيس العراقي "استعداده للتعاون بغية الوصول الى حلول مناسبة لكافة الصعوبات و تذليل العقبات".

ومنذ اكتمال الانسحاب الاميركي من البلاد، تعيش البلاد على وقع ازمة سياسية حادة على خلفية اصدار مذكرة توقيف بحق نائب الرئيس طارق الهاشمي (سني) المتهم بالاشراف على فرق موت.

كما ان ائتلاف "العراقية" الذي تدعمه شخصيات سنية بارزة بينها الهاشمي، اعلن مقاطعته جلسات البرلمان (81 نائبا من بين 325) والحكومة (تسعة وزراء) احتجاجا على ما يرى انه "تهميش سياسي".

وسبق ان هدد المالكي (شيعي) باستبدال وزراء "الائتلاف" ودعا اقليم كردستان العراق الى تسليم الهاشمي للقضاء في بغداد، علما ان نائب الرئيس المتواجد في الاقليم الكردي منذ نحو اسبوع يرفض المثول امام القضاء في العاصمة.

وذكر البيان الرئاسي ان طالباني ابلغ المالكي بالعمل على "تمهيد الارضية المناسبة لانعقاد المؤتمر الوطني العام لجمع القوى السياسية والاتفاق على مشروع وطني لتوحيد الجهود وتقارب الرؤى".

النجيفي ينأى بنفسه

فيما نأى رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي بنفسه عن رسالة نشرت في صحيفة نيويورك تايمز اتهمت رئيس الوزراء نوري المالكي بالسعي لاقامة ديكتاتورية تهدد بانزلاق العراق الى حرب اهلية.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز نشرت رسالة حملت تواقيع اياد علاوي واسامة النجيفي ورافع العيساوي من الكتلة العراقية يتهمون فيها المالكي بانه "سائر نحو استبداد طائفي يحمل معه خطر اندلاع حرب اهلية تأتي على الاخضر واليابس"، داعين الولايات المتحدة الى "التحرك بسرعة للمساعدة في تشكيل حكومة وفاق ناجحة، والا سينتهي العراق". لكن رئيس مجلس النواب نأى بنفسه عن هذه الرسالة، ونفى نفيا قاطعا علمه بها مؤكدا ان اسمه حشر فيها.

وافاد بيان صادر عن مكتب رئيس مجلس النواب ان "المقال المنشور في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان +كيف ننقذ العراق من الحرب الاهلية؟+ قد كتب من دون علم الرئيس النجيفي".

واكد البيان ان "حشر اسمه (النجيفي) محاولة من البعض في اثارة الغبار على اهمية دوره كرئيس لسلطة الشعب، وهذا يعد في ابسط حالاته تخليا عن واجباته". وقالت الرسالة التي نشرتها الصحيفة الاميركية "كانت الجائزة التي آمن الكثيرون من الجنود الاميركيين بأنهم يقاتلون من اجلها هي الوصول الى حكم ديموقراطي لاطائفي فاعل". وتداركت "غير ان العراق الان يتحرك في الاتجاه المعاكس -- نحو استبداد طائفي يحمل معه خطر اندلاع حرب اهلية تأتي على الاخضر واليابس". بحسب فرانس برس.

ورحب مقربون من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ببيان النجيفي الذي تبرأ فيه من المشاركة في كتابة الرسالة. وقال مستشار رئيس الوزراء علي الموسوي ان "ذلك يؤشر الى رغبة النجيفي وقدرته على لعب دوري وطني، فاعل وجاد". واضاف "نحن نعتبر ان بيان النجيفي الرافض لهذه الرسالة هو افضل جواب على ما تضمنته من مضامين بعيدة عن الواقع والروح الوطنية والشعور بالمسؤولية". ولم يعلق اطراف في القائمة العراقية ولا المتحدث باسمها على تصريحات النجيفي.

واتهم قادة "العراقية" في الرسالة المالكي بانه "ضرب حصارا" على حزبهم "بمباركة قضاء مسيس ونظام امني اصبح امتدادا لشخصه".

انتخابات مبكرة

في السياق ذاته انضمت كتلة "العراقية" النيابية ورئيس منطقة الحكم الذاتي في كردستان مسعود بارزاني الى الدعوات التي اطلقها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لتنظيم انتخابات مبكرة بهدف الخروج من الازمة السياسية في العراق.

واعلنت هذه الكتلة السياسية في بيان انها تعتقد ان كل الخيارات ممكنة وبينها امكانية تنظيم انتخابات مبكرة. وقالت الكتلة ان خيارا اخر قد يكون تعيين شخصية اخرى محل نوري المالكي على راس الحكومة.

من جهته صرح رئيس منطقة الحكم الذاتي في كردستان مسعود بارزاني لقناة الجزيرة الفضائية انه دعا الى اجتماع عاجل للمسؤولين السياسيين. وقال انه اذا فشل هذا الاجتماع فسيتعين تنظيم انتخابات مبكرة.

حرب طائفية

من جهته وصف طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي السني المطلوب اعتقاله اتهامه بقيادة فرق للقتل الاتهام الموجة له بأنه مؤامرة لتدمير خصوم رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي وحذر من أنها قد تشعل من جديد أعمال القتل الطائفية التي شهدها العراق في عامي 2006 -2007 .

وقال الهاشمي أجريت في دار ضيافة خاص بالرئيس العراقي جلال طالباني في محافظة السليمانية في الاقليم الكردي بشمال العراق ان محصلة هذه الازمة التي فجرها رئيس الوزراء خطيرة جدا. وتابع قائلا ان العراقيين يعيشون اليوم في أجواء التوتر الطائفي الذي عاشوا فيها في السنوات الصعبة بين عامي 2005 و2007 . وأضاف أن المالكي يعرف من هم مؤيدي طارق الهاشمي والى أي جماعة ينتمون ومن ثم لابد وأن يكون قد فكر في العواقب السلبية المترتبة على هذه القضايا.

كما اكد طارق الهاشمي انه "بالتاكيد" لن يسلم نفسه للقضاء في بغداد، مشيرا الى انه قد يغادر البلاد اذا تعرض امنه الشخصي "للخطر". وقال الهاشمي الذي بدا هادئا، ردا على سؤال حول امكان تسليم نفسه للقضاء في بغداد، "بالتأكيد لا". واوضح ان قراره هذا نابع من سببين اولهما "امني الشخصي، فقد جرى تجريد افراد حمايتي من الاسلحة، والقي القبض على عدد كبير منهم، وبيتي (في بغداد) ما زال محتلا، ومكاتبي ما زالت محتلة". وسأل "كيف اعود الى بغداد وانا غير قادر على توفير حمايتي الشخصية؟".

وذكر الهاشمي الذي كان يحيط به عدد من الحراس غير المسلحين ان السبب الثاني "يعود الى ان مجلس القضاء العراقي وقع تحت سيطرة وتاثير الحكومة المركزية وهذه مشكلة كبيرة، ولذلك طلبت نقلها (القضية) الى اقليم كردستان الذي لا يتعرض الى ضغوط حكومة الاتحادية".

وكان بيان صادر عن مكتب طالباني نشر على موقع الرئاسة العراقية اكد ان "الاستاذ طارق الهاشمي موجود في ضيافة رئيس الجمهورية"، وانه "سيمثل امام القضاء في اي ظرف ومكان داخل البلد يجري فيه الاطمئنان الى سير العدالة والتحقيق والمحاكمة".

واكد الهاشمي المولود في بغداد لعائلة "محافظة تنتمي الى الطبقة الوسطى" وفقا لموقعه الالكتروني، انه علم بان "تركيا رحبت بقدومي اليها"، في اشارة الى اعلان انقرة انها مستعدة لمنحه اللجوء، اذا رغب بذلك. وشدد على انه "ليس لدي نية لمغادرة العراق في وقت الحاضر"، قبل ان يستدرك "اللهم الا اذا تعرض امني لخطر فبعد ذلك لكل حادث الحديث". وتابع "لكن حتى الان اعيش ظروفا طبيعية جدا وانا اعمل على ان تحل القضية من خلال القضاء العراقي وباسرع وقت ممكن". وذكر الهاشمي الذي تقاعد من الجيش برتبة مقدم ركن العام 1975 وانضم في السنة ذاتها الى الحزب الاسلامي، انه يمارس دوره كنائب للرئيس "واذا قررت السفر الى خارج العراق فسيكون ذلك في اطار مهماتي وليس من منطلق اللجوء السياسي".

أمريكا تدعو للحوار

ى جانب ذلك أجرى جو بايدن نائب الرئيس الامريكي اتصالا هاتفيا برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لبحث العنف في بغداد والازمة السياسية التي تفجرت في أعقاب انسحاب القوات الامريكية من العراق.

وقام بايدن -الذي تحدث أيضا مع رئيس كردستان العراقية مسعود البرزاني- بدور دبلوماسي بارز مع اكتمال انسحاب القوات الامريكية من العراق هذا الشهر حيث زار العراق وبحث مع قادته مؤشرات تصاعد التوتر الطائفي في البلاد.

وقال البيت الابيض في بيان "قدم نائب الرئيس تعازيه بشأن أعمال العنف الاخيرة وتبادل وجهات النظر مع الزعيمين بشأن المناخ السياسي الحالي في العراق مؤكدا دعمنا للجهود المستمرة لاجراء حوار بين الزعماء السياسيين العراقيين."

وقال حيدر العبادي وهو نائب بارز في البرلمان وحليف للمالكي ان هناك وفدا من الائتلاف الوطني اجتمع مع (أعضاء من) كتلة العراقية مساء السبت. وأضاف انه اذا كانت العراقية تود المشاركة في محادثات حقيقية فان عليها ان تعود للبرلمان والحكومة لان مقاطعة البرلمان غير مقبولة.

جماعة شيعية مسلحة تقر العمل السياسي

من جانب آخر قررت جماعة "عصائب اهل الحق" الشيعية العراقية المسلحة التي تتهمها واشنطن بتلقي دعم من طهران، الانخراط بالعملية السياسية، بحسب ما اعلن الامين العام للجماعة الاثنين.

وقال قيس الخزعلي خلال كلمة القاها بمؤتمر نادر في النجف (150 كلم جنوب بغداد) "ان ابناء المقاومة ادوا تكليفهم بنجاح يشهده العدو قبل الصديق وهم مستعدون للتضحية (...) والمشاركة بالعملية السياسية وتصحيح ما يمكن تصحيحه".

واضاف "نشهد اياما عظيمة وهي لحظات تاريخية يشهدها تاريخ العراق بانتصاره على القطب الاوحد في العالم الولايات المتحدة"، في اشارة الى الانسحاب العسكري الاميركي.

وتابع الخزعلي الذي اعتقل لعدة سنوات لدى القوات الاميركية ان "العراق انتصرعلى الولايات المتحدة معنويا وسياسيا وعسكريا وانهزمت المرجعيات الاميركية ومراكز صناعة القرار امام المرجعية الدينية والمراجع العراقية". بحسب فرانس برس.

واعلن المتحدث باسم هيئة المصالحة الوطنية محمد الحمد في تصريح لوكالة فرانس برس انه "جرى اتفاق بعد لقاء بين مستشار رئسيس الوزراء عامر الخزاعي ومسؤول المكتب السياسي لاهل الحق".

واضاف ان الجماعة كانت تخشى في السابق ان "يكون الانسحاب غير حقيقي لكن بعد ان شعروا بحقيقة الانسحاب، انتفت الحاجة الى حمل السلاح وتم الاتفاق بين الطرفين على دعم العلمية السياسية والمشاركة الفاعلة فيها".

وبرز اسم العصائب بعدما خطفت خبير المعلومات البريطاني بيتر مور وحراسه الاربعة الذين يحملون جنسيات غربية في ايار/مايو 2007 من مكتب تابع لوزارة المالية.

واحتجزت العصائب مور عامين ونصف العام قبل ان تفرج عنه في كانون الاول/ديسمبر 2009 مع جثث ثلاثة من حراسه، بينما ابقت الرهينة الخامس لديها. وقد اشترطت للافراج عنه ان تطلق القوات الاميركية سراح عدد من قادتها.

وكانت السلطات العراقية اطلقت سراح قائد عصائب اهل الحق قيس الخزعلي مع عدد كبير من افراد منظمته، مقابل الافراج عن مور والجثث الثلاث المذكورة.

واتهم الجيش الاميركي طهران بدعمها ثلاثة فصائل شيعية مسلحة هي عصائب اهل الحق وكتائب حزب الله ولواء اليوم الموعود الذي يقوده مقتدى الصدر.

والعلاقة بين العصائب والزعيم الشيعي مقتدى الصدر متوترة جدا. وقد اتهمهم عدة مرات باثارة الفتنة وقتل مئات العراقيين الابرياء.

وانهت القوات الاميركية انسحابها العسكري الكامل من العراق قبل اكثر من اسبوع، بعد تسع سنوات من اجتياحه لاسقاط نظام حسين.

تسلسل زمني لاعنف الهجمات في العراق خلال 2011

18 يناير كانون الثاني 2011 - هاجم مفجر انتحاري مجندين في الشرطة العراقية في تكريت فقتل 50 شخصا وجرح اكثر من مئة آخرين.

20 يناير كانون الثاني - قتل ما يصل الى 45 شخصا في انفجارين منفصلين لسيارتين ملغومتين قرب مدينة كربلاء قبيل ذروة احد الاحتفالات الدينية الشيعية الرئيسية.

27 يناير كانون الثاني - قتل أكثر من 35 شخصا وأصيب عشرات آخرون في انفجار سيارة ملغومة خلال عزاء في ضاحية تسكنها أغلبية شيعية في بغداد.

29 مارس اذار - قتل 53 شخصا على الاقل وجرح 98 اخرون عندما احتجز مسلحون رهائن في مقر مجلس محلي في تكريت مسقط رأس صدام حسين مما ادى الى معركة مع قوات الامن التي اقتحمت المبنى لتحرير الرهائن.

15 اغسطس - هزت موجة من الهجمات عدة مدن عراقية مما اسفر عن مقتل نحو 70 شخصا واصابة اكثر من 200 آخرين.

-- وفي أسوأ حادث قتل انفجار قنبلة على الطريق اعقبه انفجار سيارة ملغومة استهدفت الشرطة 37 شخصا على الاقل في الكوت الواقعة على بعد 150 كيلومترا جنوب شرقي بغداد. ووقعت هجمات أخرى في تكريت والنجف وديالي وكربلاء.

28 اغسطس - فجر مهاجم نفسه في الساحة الرئيسية لمسجد أم القرى وهو مكان مُهم للسُنة في حي الغزالية في غرب بغداد. وقتل في الهجوم 32 شخصا على الاقل وأُصيب 39 آخرون.

-- قال زعماء الحزب الاسلامي العراقي وهو كتلة سياسية سنية رئيسية ان تنظيم دولة العراق الاسلامية المرتبط بالقاعدة نفذ التفجير مستهدفا أحد أبرز الزعماء السياسيين في الحزب وهو النائب السني خالد الفهدوي.

22 ديسمبر كانون الاول - هزت سلسلة انفجارات منسقة بغداد مما أسفر عن مقتل 71 شخصا واصابة نحو 200 اخرين في أكثر من عشرة انفجارات.

-- قتل 18 شخصا على الاقل عندما فجر انتحاري سيارة اسعاف قرب مكتب حكومي في حي الكرادة بوسط بغداد. وانفجرت قنابل اخرى في منطقة العلاوي في وسط بغداد وفي كل من حي الشعب وحي الشعلة بشمال العاصمة.

-- أعلنت دولة العراق الاسلامية وهي جماعة ينضوي تحت لوائها كل المقاتلين المرتبطين بالقاعدة مسؤوليتها عن الهجمات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/كانون الثاني/2012 - 9/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م