بابا فين... عن أيتام القائمة العراقية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: دائما ما يحس اليتيم بالمرارة والحزن لفقد ابيه، ذلك الحامي والمدافع عن ابنائه.. فجأة يطوي الموت عباءة ذلك الاب ويترك الابناء لمصائرهم التي تتقلب بهم في كل اتجاه. واليتامى يشعرون دائما بالحاجة الى حنان الاخرين والى من يمسح على رؤوسهم بمحبة وشفقة.. وقد اوصى الدين الاسلامي بالاهتمام باليتامى ورعايتهم ووعد كافل اليتيم بمنزلة اخروية عظيمة.

لا يقتصر مصطلح اليتم واليتيم على دلالته الأسرية المتعارف عليها، بل يشمل الكثير من الدلالات في عصر نعيش فيه تعدد المعاني للمصطلح الواحد... فاليتم يمكن ان يكون عاطفيا او اجتماعيا او حتى سياسيا او عبر اي نشاط بشري اخر.. وهذا اليتم يكشف من جهة اخرى حالة الابوية التي يعيشها العرب والمسلمون والتي دأب رواد الحداثة والتنوير على محاربتها للخروج من ازماتنا المستعصية والمستفحلة على كافة المستويات.

ولربما هي ما حاول فرويد عمله في بحوثه النفسية فيما يتعلق بعملية قتل الاب نتيجة الغيرة منه والمنافسة على حب الام وهي عملية قتل لاشعورية تترك اثارها على نفسية الابن من اضطرابات سلوكية عديدة.

وهي ما حاولت تقديمه احدى المسلسلات العربية في احد شهور رمضان السابقة والتي حملت عنوان (لن اعيش في جلباب ابي).. تلك مقدمة لها علاقة بالموضوع الذي اتطرق اليه الان.

بداية ووفق تلك المقدمة جميع الجهات السياسية في العراق تعاني من فقد الاباء المؤسسين لها، سواءا التي كانت موجودة قبل الاحتلال الامريكي او التي ولدت بعده.. رغم ان قسما من هذه الجهات تدار من قبل ابناء المؤسسين بحكم الوراثة العائلية او التي تدار من ابناء روحيين لها او من قبل اشخاص وصلوا الى المكانة الابوية عبر اعمالهم داخل تلك الجهات.

لا اريد تسمية تلك الجهات فهي معروفة ولا داعي للاطالة من خلالها... فقط اذكر بظهور مصطلح الايتام والذي تم تداوله في اعقاب سقوط نظام صدام حسين وهو مصطلح (ايتام صدام) وكان العراقيون يعنون به جميع من استفاد من رشاويه وكوبونات نفطه في الاستماتة دفاعا عنه، وهي استماتة مجازية واعني بها تقطيع الثياب ولطم الخدود ونتف الشعر على الفضائيات.

تلك ملاحظة لابد منها للحديث عن الرسالة التي وقعها ثلاثة من قادة العراقية وهم (اياد علاوي – اسامة النجيفي – رافع العيساوي) وقد تبرأ النجيفي من هذه الرسالة بعد نشرها في جريدة نيويورك تايمز يوم الثامن والعشرين من الشهر الماضي وسوف اعتمد على النص المترجم والمنشور في جريدة العالم البغدادية في عددها الصادر يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر نفسه اي بعد يوم واحد من نشره في تلك الصحيفة الامريكية.

التاريخ الادبي العربي كثر فيه فن ادبي عرف بادب الرسائل، كان له كتابه وادباؤه المشهورين منهم الجاحظ على سبيل المثال وكانت رسائله ابحاث في مواضيع شتى منها في الفلسفة والدين, كرسالته في فضيلة المعتزلة أو الرد على النصارى, ومنها في السياسة كرسالته في مناقب الترك أو في فخر السودان على البيضان, أو العثمانية, أو رسالة في بني أمية, ومنها اجتماعية كالقيان والعشق ومنها أخلاقية كالحاسد والمحسود, وذم الكتاب, ومنها علمية أو اقتصادية كرسالته في الخراج, ورسالته في الكيمياء وغير ذلك من الرسائل.

وهناك الرسالة الشهيرة المعروفة باسم (التوابع والزوابع) لابن شهيد الاندلسي، وفي عصرنا الحالي يمكن الاشارة الى الرسائل المتبادلة بين الشاعرين محمود درويش وسميح القاسم.

في الادب العالمي كثرت الرسائل ايضا بين الادباء والكتاب فيما بينهم او بعض الحبيبات او الاصدقاء.. والرسائل تعد ثروة ادبية وثقافية وتاريخية وسياسية مهمة، فهي مرآة لما يفكر فيه الكاتب وهي ايضا مرآة للعصر الذي عاش فيه.

وكثرت ايضا المراسلات بين السياسيين والتي تنشر بين وقت واخر في وسائل الاعلام او عبر جمعها في كتاب يلاقي اهتماما واسعا من قبل الباحثين والقراء لما تحويه من معلومات وماتثيره من قضايا او ماتميط اللثام عنه من اسرار لم تكن معروفة.

اعود لرسالة الفرسان الثلاثة للقائمة العراقية والذي ترجل احدهم في منتصف الطريق والتي نشرتها الصحيفة الامريكية سالفة الذكر.. والتي يفترض انها تتوجه الى القاريء الامريكي بالدرجة الاساس اكثر مما تتوجه الى الساسة الامريكان والتي كما هو معروف في ميدان المراسلات بين السياسيين تمر عبر الطرق الدبلوماسية المتعارف عليها.

طريقة النشر تكشف عن رغبة بصنع قضية رأي عام امريكي معارض لترتيبات ادارته فبما يتعلق بالعراق..

اذن هي رسالة موجهة للمواطن الامريكي الذي لم يعد مهتما بتلك الحرب بعد عودة جنوده الى ديارهم. وهو مواطن تشغله اهتمامات الاقتصاد اكثر من اي شيء اخر لانها تتعلق برفاهيته وبوضعه المعاشي.

حملت الرسالة عنوان (كيف ينقذ العراق من حرب أهلية؟) تبدأ الرسالة بديباجة تبرع القائمة العراقية في صياغتها (يقف العراق اليوم على حافة كارثة) وهذه الكارثة هي (الاستبدادية الطائفية) التي ينتهجها رئيس الوزراء الشيعي والتي (تنطوي على تهديد باندلاع حرب أهلية مدمرة)..تلك نقطة اولى في الرسالة، توجيه اصابع الاتهام الى الشيعة عبر رئيس الوزراء بالوصول بالعراق الى حافة الكارثة واستثناء الاخرين من الدفع بهذا الاتجاه، وكأن الطرف الاخر لم يكن شريكا او بادئا في تلك النتائج التي نعيشها الان من خلال حواضنه الاجتماعية.

اسجل ملاحظة قبل الاستمرار في الكتابة، سوف لن اتحدث عن صحة الاتهامات من عدمها التي يذكرها من كتبوا الرسالة بل اتحدث عن التناقضات التي فيها من خلال استنطاق النص والدلالات الضمنية التي يحتوي عليها او ما يعرف بالمعلن والمضمر في لغة الخطاب ومن خلال بعض المقارنات بين ما تضمنته الرسالة وبعض الحوادث التي لاتزال طرية في الذاكرة.

تسهب الرسالة في ذكر ما تعتبره مظاهر استبدادية وتفرد يمارسه رئيس الوزراء نوري المالكي في ادارته للدولة:

- (تآكل سلطة القضاء).

- في ما يتعلق بالنقطة الاولى اكثر من استفاد من القضاء هي القائمة العراقية والتي عدت تلك الاحكام الوجه المشرق والحيادي للقضاء العراقي حسب خطابات اعضاء القائمة.

- (ترهيب المعارضين).

ويمكن الرد على هذه النقطة من خلال التساؤل: هل توجد معارضة حقيقية في العراق كما تعارف عليه من معارضة في الانظمة الديمقراطية؟ يكون لها برنامجها البديل وتلجأ الى الوسائل السلمية غير العنفية، او على الاقل لا تشجع على العنف او تهدد به؟

وهل تعد اعتراضات وزير مشترك في الكابينة الحكومية على امر لا ينسجم مع مصالح القائمة وجها من وجوه المعارضة؟

- (تجريد المؤسسات المستقلة التي تهدف الى تحقيق انتخابات نظيفة ومحاربة الفساد).

قبل اشهر قليلة تزعمت القائمة العراقية جبهة المعترضين على معاقبة اصحاب الشهادات المزورة والذين حصلوا على وظائف حكومية من خلالها.. واذكّر بالانتخابات الاخيرة وماجرى قبل اعلان النتائج والتي كانت تشير الى تقدم ائتلاف دولة القانون على القائمة العراقية حيث اجتمعت ممثلة الامين العام للامم المتحدة مع القضاة وتاخر اعلان النتائج عشرون دقيقة كانت كافية لتقدم العراقية الى المرتبة الاولى مما دفع بدولة القانون الى الاعتراض والمطالبة باعادة الفرز اليدوي للنتائج.

(يرحب المالكي بدخول ميليشيا عصائب الحق الشيعية المدعومة من إيران، العملية السياسية، الذين اختطف قادتها وقتلوا خمسة جنود امريكيين واغتالوا أربع رهائن بريطانيين في العام 2007).

على مدى سنوات طويلة بارك قادة العراقية، سواءا بعد تشكيل القائمة او قبلها جميع اعمال العنف التي وقعت على الامريكان وعدت ذلك جزءا من (المقاومة العراقية الوطنية الشريفة).

وهي تقصد بذلك اعمال العنف التي تمارسها الجماعات المسلحة السنية او مجموعات حزب البعث، وجميعنا يتذكر الامريكان الاربعة الذين قتلوا بالفلوجة وتم التمثيل بجثثهم وتعليقهم على اعمدة الكهرباء.

(وكجزء من اتفاقية أربيل، عُيّن أحدنا، إياد علاوي، لترؤوس مجلس سياسات مقترح، إلاّ انه رفض هذا التعيين الذي لا سلطة له لأن السيد المالكي رفض مشاركته بسلطة صناعة القرار).

وهو كلام يناقض حقيقة واقع ماجرى حول هذا المجلس العتيد، فالاوراق التي قدمت كبرنامج عمل لهذا المنصب تتعارض مع الدستور اضافة الى ان القائمة العراقية تريده مجلسا يمر التصويت عليه عبر مجلس النواب وهو ما اعترض عليه الكثيرون على اعتبار ان هذا المنصب هو ترضية لدورة واحدة لا اكثر.

- (نشعر بالسرور لقضاء جنودكم الشجعان أعيادهم في موطنهم ونتمنى لهم السلام والسعادة).

وهي من اكثر العبارات انحطاطا في تلك الرسالة، من قائمة كانت تصرخ ليل نهار بخروج المحتل والحديث عن الوطنية والسيادة وغيرها من شعارات مترهلة تشبه تلك المراة في فيلم big mama.

(نطلب من قادة أميركا بكل احترام تفهم أن دعمهم غير المشروط للسيد المالكي يدفع العراق إلى طريق حرب أهلية.. فإن لم تتصرف أميركا بسرعة للمساعدة في تشكيل حكومة وحدة ناجحة، فالعراق مقضي عليه).

هي لغة الدم والدمار والرعب التي يعرف مفرداتها قادة العراقية وهم الوحيدون الذين يبشرون بها ويهيئون الحطب لاشعالها.

في لقاء عبر فضائية البغدادية ومن خلال برنامجها بالمختصر المفيد تقول النائبة عن القائمة العراقية (عذاب الدوري) وهي تستعمل لغة متشنجة تفيض بالتحريض دفاعا عن الاقاليم (اما ان يكون العراق شتاءا قارسا او يكون خريفا تتساقط فيه الاوراق) وهو تعبير لايحتمل التاويل او التبرير الذي يقع فيه قادة العراقية كثيرا بعد كل تصريح يطلقونه.

بعد رحيل الامريكان انطوت عباءة الاب الراعي ولسان القائمة العراقية الان يردد (بابا فين).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/كانون الثاني/2012 - 8/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م