أوهام الديك الرومي

هادي جلو مرعي

نسميه (الفسيفس). وربما هي مشتقة من (فيس بوك). لكني لم أشاهد صورة هذا الطائر الجميل على موقع التواصل الإجتماعي بكثرة. وفي الغرب يسمونه الديك الرومي، والغالب عليه اللون الأسود، وهو شبيه النعامة لكنه أصغر بكثير، وشبيه الطاووس، لكن قبحه يبعده عن هذا المتبختر بجماله.. صوته ليس بالعذب، وبيضه بحجم متوازن. جربته في أيام الطفولة. يتزين بنتوء لحمي يتدلى أسفل منقاره.

وفي الأيام الأخيرة من ديسمبر يهرع المسيحيون في أنحاء العالم الى أسواق الطيور لشراء أعداد منه فهو يمثل الطبق الأشهى على موائد أعياد الميلاد الى جانب البطاطا المقلية، وغيرها المحلاة، والخبز والنبيذ إحتفالا بالعام الجديد.

لا أتذكر إني تناولت من لحم هذا الطائر سوى مرة، أو مرتين، وأعداده في بلادنا قليلة بالفعل، وربما يعود ذلك الى رغبة المسلمين بتناول اللحم الأحمر ولحوم الدجاج، لكنه موجود على أية حال في أماكن بعينها تلبية للطلب الذي قد يزداد عليه تبعا للظروف.

في نهاية عام 2003 إحتفل الرئيس السابق جورج بوش بمعية قادة وجنود بنهاية المعارك الرسمية فيما سمي (تحرير العراق)، وكان ذلك في أحدى القواعد العسكرية، وظهر وفي يديه طبق يزينه ديك رومي مشوي جيدا بينما بدا جنود أميركيون مبتهجين بأعياد الميلاد، والمؤكد إن ديسمبر 2003 ليس كمثيله في 2004 والأعوام التي تلت حتى إتخذ قراره بزيادة عديد القوات نتيجة للتدهور الأمني الذي طبع المشهد العراقي منذ ذلك الإعلان، والصراع الطائفي المقيت، والتنافس السياسي الرديء، والتردي في الواقع الإقتصادي والخدماتي.

كانت السعادة تطبع وجه الرئيس بوش، وتبدو في حركاته وسكناته، كان مبتهجا بالإنتصار، وكان الديك الرومي المشوي علامة النصر الأولى.

 بمجرد عودة الرئيس الى واشنطن بدأت الأوضاع تتغير فبالإضافة الى المجموعات المسلحة التي كانت تنهج أسلوب المقاومة المسلحة للوجود الأمريكي كان للقرار الأممي بإعتبار الولايات المتحدة بلدا محتلا للعراق أثره في توفير الشرعية اللازمة للقوى العقائدية والمتطرفة منها تحديدا كالقاعدة لتعلن الحرب على الجيش الأمريكي، وبدا واضحا إن دولا إقليمية وعربية كانت ممتعضة من وجود تعده تهديدا لها ما دفعها لدعم العمليات العنيفة ضد الأمريكيين، وبدلا من شي الديك الرومي أخذت أجساد الجنود والمدنيين العراقيين معهم تشوى بنيران السيارات المفخخة، والصواريخ الموجهة، والعبوات الناسفة، ثم كانت شرارة النزاع الطائفي ومحاولة الأمريكيين إستغلاله للتخفيف من الضغوط على قواتهم، وإظهار الوضع في العراق إنه صراع بين أتباع الطوائف والقوميات المختلفة في البلاد، وكان هناك مؤشران على ذلك الإستغلال من خلال قيام الاستخبارات الأمريكية بتقديم الدعم لأفراد ومجموعات لتقوم بتنفيذ عمليات عنيفة على خلفية طائفية من جهة. ومن جهة أخرى ظهور تلك القوات بمظهر قوة الفصل بين متنازعين هما السنة والشيعة حيث قامت بوضع الآلاف من قطع الكونكريت لحجز أحياء سكنية عن غيرها بحجة وقف العنف الطائفي.

أحلام وأوهام الديك الرومي تتبخر مع إحتفالات أعياد الميلاد نهاية ديسمبر 2011، وتبدأ معها أحلام العراقيين التي ستكبر وتتمدد فهم الآن مسؤولون عن أمنهم وسيادتهم وإقتصادهم فهل ينجحون في وضع ميثاق شرف يجمعهم على حب هذا الوطن وبنائه وحمايته من المخاطر المحدقة به ؟الله اعلم.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/كانون الثاني/2012 - 8/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م