شبكة النبأ: مضى عام 2011 وانطوت
احداثه الجسام وسواها في رحم التأريخ، وأقول (رحم) لأن التأريخ ولود
دائما، وهو في الغالب يعيد نفسه في ولادات جديدة لأحداث وشؤون قديمة،
ربما تعود بصور مختلفة، ولكن الجوهر يبقى واحدا، مضى هذا العام كغيره
وخلّف لنا أشياءه المميزة، ومنها سقوط الرؤوس الكبيرة، ليس على صعيد
العالم العربي او الشرق الاوسط فحسب، وانما على الصعيد العالمي أيضا،
ولكن لماذا سقطت تلك الرؤوس؟ ومن هو الذي يقف وراء سقوطها من أعالي
عروشها وكراسيها، بل وأكتافها ايضا؟.
في الشرق الاوسط اشتعلت شرارة صغيرة في تونس، قدحها الشاب بو عزيزي
(الذي اختير كأفضل شخصية مميزة لعام 2011) وسرعان ما توسعت الشرارة
لتؤدي الى حرائق هائلة، حولّت العالم العربي والشرق الاوسط، بل واجزاء
كثيرة من العالم الى ساحة غضب جماهيري متواصل، أسقط عروش وكراسي ورؤوس،
بدأت بالطاغية زين التونسي الذي ولّى هاربا وقد ضاقت به الارض على
وسعها، وطالت حسني والقذافي وبن صالح، واشعلت النار في دول عربية
واسلامية أخرى، ولا تزال متأججة وقد تبقى كذلك حتى تسقط جميع رؤوس
التسلط السياسي الاستبدادي، الذي لم يعد يتسق مع طبيعة العصر الراهن،
وهذه إشارة بالغة الوضوح ورسالة لا تقبل التغاضي او الاهمال، لجميع
الانظمة السياسية العربية والاسلامية التي لا تزال تحكم شعوبها بالحديد
والنار، بعيدا عن لغة صناديق الاقتراع الحقيقية وليست المفبركة.
ولكن يبقى هناك تساؤل مثير مفاده، من الذي يقف وراء إسقاط الرؤوس
التي تدحرجت من فوق عروشها وكراسيها واكتافها؟ هل الامر محصور بالشباب
العربي الاسلامي المنتفض، أم ثمة أجندات دولية ساعدت على ذلك، وهل هناك
نوايا وخطط موضوعة مسبقا لتغيير صورة الشرق الاوسط سياسيا وثقافيا، هذه
الاسئلة لن يطول الوقت عليها كثيرا لكي تتضح للمراقب، بل بعضها توضّح
فعلا، خاصة ما يتعلق بضرورة القضاء الكلي على الانظمة السياسية التي لا
تزال تتلفع برداء الاستبداد والفردية والطغيان.
في أوربا أيضا سقطت رؤوس أخرى كبيرة، منها رئيس الوزراء الايطالي
برلسكوني، وقد كان هذا الامر متوقعا، نظرا للتدهور الاقتصادي الذي
تعرضت له ايطاليا بسبب الشخصية المثيرة لبرلسكوني نفسه، حيث الانشغال
بالقضايا الخاصة الفردية تحديدا (الجنسية وسواها)، وترك الحبل على
الغارب للمافيات تتلاعب بالاقتصاد الايطالي، الامر الذي قاد بالنتيجة
الى إسقاط برلسكوني، ورميه خارج حلبة الظهور والشهرة التي حاول تكريسها
لنفسه، من خلال وجوده على رأس السلطة التنفيذية على حساب شعبه.
جورج باباندريو سقط ايضا في اليونان، بعد أن عصف الوضع الاقتصادي
به، وأطاح بمركزه الذي جيَّره لصالحه سنوات، في ظل تدهور اقتصادي
وافلاس مالي بدا وكأنه لن يزول، حين اصبح الافلاس مزمنا، وظلت اليونان
تعاني منه طويلا، ولم تنفع الجرعات الترقيعية التي تمثلت بالقروض
الاوربية لليونان، من اجل تجاوزها لمحنتها، ناهيك عن سيناريوهات التقشف
التي وضعتها حكومة باباندريو الزائلة، لمعالجة الوضع، لكن الاحتجاجات
الجماهيرية العارمة، بالترافق مع سوء الوضع المتصاعد، أطاح بسلطة
باباندريو، وقد تكون هناك دوافع لم تظهر بعد، تقف وراء ما حدث في
اليونان.
أسامة بن لادن هو الآخر رأس كبير، رحل في عام 2011، لا أحد يعرف
لماذا حدث ذلك في هذا العام، فكثير من المعنيين والمراقبين، يؤكدون
قدرة الامريكان على الامساك به منذ زمن بعيد، أما التأجيل المتكرر
للوصول الى رأس بن لادن، فهو أمر لا يعرفه إلا العارفون بأسرار الادارة
الامريكية ومؤسساتها، مثل وكالة الاستخبارات، أو البنتاغون، أو
الخارجية، فكل له رأيه وتصوراته واهدافه التي تخضع لخطوات تأجيل أو
تنفيذ مثل هذه العمليات الكبيرة.
مضى عام 2011 برؤوس كبيرة، واحداث جسام، وألقى الكرة في ملعب عام
جديد قادم، نأمل أن يتعظ المعنيون مما حدث في العام الذي سينام الآن في
رحم التأريخ، ونأمل أيضا بصنع عالم يتعاون الجميع على جعله لائقا
بكرامة الانسان، أينما كان على كوكب الارض. |