إسرائيل .. بين الربيع العربي والصيف الإيراني!

د. عادل محمد عايش الأسطل

في الوقت الذي بدأت العواصم العربية، تشتعل بالثورات المفاجئة، كانت تعددت أنواع الارتباكات، التي غرقت فيها الإدارة الأمريكية، حيث بدت غريبة تلك الأحداث للوهلة الأولى، وأكثرها غرابةً وتأثيراُ الثورة المصرية، حيث كان هناك اهتمام أمريكي كبير بما يجري في مصر لسبب بسيط، وهو الأمر الحيوي بالنسبة للبلدين، من حيث الدرجة العالية التي كانت تتسم بها التحالفات الثنائية السياسية والأمنية، حيث كان سلّم بالأمر الواقع، الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" ولكن لم يستطع إخفاء امتعاضه من خشيته صعود الإسلاميين إلى الحكم، وخاصة في أكبر دولة عربية "معتدلة".

لهذا فقد انشغلت طويلاً الولايات المتحدة، في كيفية التعامل مع جملة الثورات العربية، بعد اندلاعها وامتدادها إلى دول عربية وحليفةً أخرى، من حيث تأثيرها سلباً وإيجابياً، على المصالح الأمريكية في المنطقة من جهة، وتأثيراتها الأكثر وطأةً تلك المتغيرات التي جرت والجارية وتداعياتها، ليس من اتجاه العالم العربي وحسب، بل من الاتجاه الإيراني وهو الأصعب، على الحليف الرئيسي والأهم "إسرائيل" لا سيما وأن إيران تعتبر من القوى الإقليمية الرئيسية في المنطقة، التي كان لها رأي وموقف، كدولة واثقة ومتمكنة، من حيث التعامل مع الأحداث الجارية ولصالحها، على العكس من "إسرائيل" فإنها وإن كانت تعتبر كقوة كبرى في المنطقة، فإنها لم تستطع إخفاء خشيتها وتضارب تقديراتها بشان هذه الثورات، وبخاصة الجارة مصر، فيما إذا كانت ستؤثر وكيف ستؤثر على توازن القوى الإقليمي، ومستقبل العلاقات فيما إذا كانت ستتغير إلى صراع ومواجهة، خاصة في ضوء صعود النجم الإسلامي في الدول التي قامت فيها تلك الثورات، وتساؤلاتها المتزايدة والمتواصلة، حول مواقف الحكام الجدد من "إسرائيل" وبشأن العلاقة معها، بالرغم من الرسائل المختلفة من قبل الإسلاميين في الدول العربية، التي تنبئ، بعدم حدوث تغيرات جذرية، فيما يخص العلاقة مع "إسرائيل" لكن ذلك لا يمكن بأي حال، أن تنام "إسرائيل" على هواه، أو حتى مجرد الركون إليه، طالما لم يتحقق عنصر "الأمن" الذي تسعى إليه على أرض الواقع.

كانت مخاوف إسرائيل" لم تتوقف عند حدود إبداء القلق والانزعاج، لكنها عبرت عنها في شكل ضغوط إسرائيلية مكثفة، على كل من الولايات المتحدة وأوروبا، من أجل دعم بقاء الرئيس المصري "مبارك" على رأس النظام في مصر، وبلغ الأمر  بالقادة في "إسرائيل" إلى اتهام واشنطن بالتخلي عن "مبارك" وكان قال أحد قادة إسرائيل:" إذا تخلت واشنطن عن مصر(الحليف الإستراتيجي) فإنها ستتخلى عن "إسرائيل" في يوم ما.

أيضاً عندما حاولت ترويع الأمريكيين والأوروبيين، من الخطر الإيراني وخطر الإخوان المسلمين الكامن وراء ما حدث في مصر، وكيف أن إسقاط الرئيس "مبارك" اوصل إلى هذه الأوضاع، والتي تتجه لصالح "الإخوان المسلمين" أولاً و إيران ثانياً، تماماً كما حاول القذافي ترويع الغرب، من خطر تحول ليبيا إلى صومال أخرى، حيث تسيطر جماعات "تنظيم القاعدة، إذا سقط نظامه، التي ستعاني منه منطقة أوروبا بكاملها، ومن جهةٍ أخرى سينشأ نظام معادي للغرب بوجه عام.

منذ البداية نظرت "إسرائيل" بحذرٍ شديد نحو الأحداث في مصر، ولكن تطور الموقف تبعاً لتصاعد الأحداث الميدانية سياسياً واجتماعياً في الشارع المصري، وكان ذلك بادياً بوضوح تمثل في خرق التلفزيون الإسرائيلي حرمة السبت، لإذاعة التحاليل والتقارير الإخبارية والتطورات المستقبلية والتداعيات المنتظرة في مصر، وقد أفردت الصحف الإسرائيلية معظم صفحاتها للحديث عن الأحداث والتغيرات الخطيرة، التي لم يكن الإسرائيليون يتوقعونها، وكانت ذكرت "يديعوت أحرونوت" كان من المتوقع أن لا تتخلَ واشنطن عن حليف جيد، كان بمثابة سداً منيعاً أمام الحركات الإسلامية.

وكانت قالت زعيمة حزب كاديما "تسيبي لفني":" إن المرحلة الحالية، غير واضحة والخوف ينتاب مواطني دولة إسرائيل في المرحلة المستقبلية، وقالت، إن الإسرائيليين ينظرون بقلق بالغ، لما يحدث بالخارج خاصةً في تونس ومصر والمغرب وليبيا وغيرها. وفي بيان للجيش الإسرائيلي، ذهب إلى القول بأن ما يجري على الساحة المصرية يفرض على "إسرائيل" تحديات كبيرة، بالرغم من وجود معاهدة السلام مع مصر، بعد أن تعلقنا به لأكثر من ثلاثة عقود متتالية.

أما بالنسبة للأكثر تشدداً، وهو الذي يمثله وزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان" فإنه لم يستطع إخفاء ذعره من دخول الإسلاميين، معترك الحياة السياسية وقرب توليهم دفة الحكم، لا سيما في ضوء الإشارات التي توحي بالتقارب السريع مع الإيرانيين، في حال تمكنهم من الحكم، كان قد بدا ذلك، من خلال تأثيرهم الواضح، وإن كان بطريق غير مباشر، حين سمح العسكريون، منذ بدايات الثورة،  للسفن الحربية الإيرانية بعبور قناة السويس، باتجاه سوريا الأمر الذي حمل استفزازاً صارخاً، لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما بدا جلياً في التحول السياسي المصري عما كان سابقاً، وما كان مثل ذلك الأمر ليحصل في زمن مبارك.

لقد اعتبرت تلك الخطوة، من أسوء تداعيات تغيير نظام الحكم في مصر، والذي يوحي بقرب انتهاء الحلف الاستراتيجي القائم بينهما، ومنذ توقيع اتفاقيتي السلام عام 1979، وخاصة ضد إيران والذي كانت تخشاه إسرائيل.

إذاً كانت تلك لم تعد مجرد مخاوف، بل أصبح أمام "إسرائيل" واقع جديد ينبغي الحذر منه، والتحسب له، سواء كان على صعيد تأثير الحالة الثورية، التي تزخر بها الخريطة السياسية للوطن العربي، على توازن القوي الإقليمي، أو ما يمس شكل العلاقات الثنائية المختلفة، بعدما تستقر الأمور في تلك الدول، وخاصةً بعد فقدان أنظمة حكم، كانت موالية للغرب و"إسرائيل" والتي لها علاقات متفاوتة معها.

أما بالنسبة للجمهورية الإيرانية، فقد اختلفت الصورة تماماً، بالرغم من حدوث الانقسامات في الرأي بين القيادة والمعارضة، حيث ركز النظام الإيراني الرسمي، على أهمية إسقاط نظم موالية وخاصة النظام المصري، وكيف أن الشرق الأوسط، سيكون أفضل وإسلامي الطابع، يتسم بعلاقات التعاون والصداقة والتحالف العربي- الإيراني، ضد مواجهة قوى الاستكبار العالمي الأمريكي، والعدو الإسرائيلي المشترك، بينما انتقدت المعارضة الموقف الإيراني الرسمي، من الثورات العربية وخاصةً في كل من تونس ومصر، وفي نفس الوقت تدافع عن النظام في سوريا، وما ذاد الأمر تعقيداً وخشيةً، هي التصريحات الواردة والمتواترة من الجهة الإيرانية وخاصة من خلال الشعور الإيراني بانتصار الثورات العربية وخاصةً المصرية، بأنها تصب في صالح إيران، تماماً كما ترى الأمر نفسه "إسرائيل"، حيث كان مرشد الثورة "علي خامينائي" على رأس أولئك الذين رأوا في الثورات العربية، تطوراً مهماً في اتجاه بناء شرق أوسط  إسلامي، ومن ناحية أخرى احتواء النفوذ الأمريكي، في منطقة الشرق الأوسط، ونحو إيقاف تمدد الغطرسة الإسرائيلية، بينما يؤكد الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" بأن الشرق الأوسط، سيتخلص قريباً من الولايات المتحدة و"إسرائيل".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/كانون الثاني/2012 - 7/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م