بغداد وصراع الجبابرة!

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كونان الجبار وسيفه أحدث فيلم في سلسلة افلام الابطال الخارقين نزلت الى دور العرض السينمائية العالمية قبل فترة من الزمن.. وترافق نزوله على اشرطة ال dvd في العراق بعمليات قرصنة مستمرة لجميع النشاط العالمي الفني فلا قوانين واضحة حول الملكية الفكرية التي يمكن ان تحمي نتاجات الاخرين.

في هذا الفيلم وغيره من الافلام على شاكلته حشد من الخرافات والاساطير والفنطازيا الخيالية تعود اليها السينما كل حين لمداعبة الخيال الطفولي في اعماقنا وجعلنا نعيش تلك الاجواء ونرافق البطل في رحلته العجائبية وتصديه للاشرار.

كنت اميل الى مشاهدة تلك الافلام حين كنت صغير السن وكان والدي ياخنا الى السينما الوحيدة في قضاء الحي لمشاهدة بعض من تلك الافلام.. اضافة الى مجموعة من الافلام الهندية وكمية الماسي الضخمة فيها.

وكاي طفل كنت منبهرا بمشاهدها وبطولات الممثلين الذين يجسدون شخصيات الخير والشر... كانت تلك الافلام تترافق مع حكايات الطفولة التي كنا نسمعها عن (السعلوّة) المختبئة في مياه شاطيء مدينة الحي والتي تخطف الاطفال وكان الاهل يخوفونا من الاقتراب من هذا الشط.. او حكايات قصة (الطنطل) الذي يعيث خرابا في البيوت وخاصة في المطابخ وتكسير الاواني الزجاجية.

ذاكرة الطفولة المملوءة بالرعب والخوف من السعلوة والطنطل وظلام الليل تجعلنا نلجأ الى احضان امهاتنا بحثا عن الامان لكننا في الصباح نعاود شقاوتنا ويجذبنا الشط بحكاياته رغم الخوف منه ونحن نطالع صفحة مياهه الصافية تنعكس عليها اشعة الشمس وظلال النخيل والاشجار على جانبيه.

كم تحملنا قسوة اهالينا وضربهم المبرح في سبيل لحظات نقضيها على ذلك الشاطيء منتهكين التابو الابوي الذي يوصينا بعدم الذهاب الى الشط او حتى المرور عبر الطريق المحاذي له.

كونان الجبار او غيره من الافلام كان يمنحنا الاقتراب من تلك القوى المخيفة التي نخشى منها حين يلف الظلام طرقات المدينة.. ونشعر بالفة معها ونحاول تقليد حركات الابطال في العابنا.. كنا كلنا كونان الجبار او هرقل او طرزان او ماجيستي ولم يكن اي طفل منا يقبل ان يتنازل عن قوة الابطال الوهمية التي يريد التشبه بهم.. كنا كلنا جبابرة.. من هو المستضعف فينا؟

كان الطفل الذي يسبقنا باشهر قليلة او بسنة او سنتين والطفل الذي يتمتع ببنية جسدية اضخم واطول منا والاهم من هذا ان يمتلك الشجاعة والجرأة والقدرة على التنمر على الاخرين كان هو كونان الجبار او هرقل. كنا نلوذ به في معاركنا الصغيرة مع الاخرين من غير مجموعتنا.. هو ايضا يشعر بالخوف مثلنا لكننا من خلفه نشجعه ونبث فيه روح التحدي والقتال.

لم نكن نفهم ماتعنيه كلمة الجبار او العملاق او غيرها من مفردات القوة المتضخمة في تلك السنوات.. مع تقدمنا في العمر وتنوع اهتماماتنا واكتشافنا او محاولة اكتشافنا لذواتنا تركنا تلك الحكايات خلف ظهورنا وحلت بدلا منها حكايات جديدة اخرى. رغم ان سني المراهقة ايضا تحقل بالعديد من الشخصيات الخارقة والجبارة الا اننا ابتعدنا عن مشاعر الخوف والرعب من السعلوة والطنطل واخذنا نتشبه بابطال جدد لننال اعجاب الفتيات باعمارنا.

في شبابنا وبعد نضوجنا اخذت تلك الشخصيات تتجسد واقعا امامنا عبر كثير من تصرفاتها وخاصة الشريرة منها الا اننا لم نكن نمتلك القدرة حينها على توصيفها بالجبار.. وقد كثر الجبابرة في تلك السنوات، جبابرة الامن وجبابرة الاستخبارات وجبابرة الرفاق الحزبيين والجبار الاكبر القائد الضرورة.. ورغم هذا، اقول رغم هذا، لم يكن التوصيف سهلا الا ان الخوف والرعب هو نفسه وكانه رحلة طويلة لاتستطيع الوصول الى نهاية طريقها..بدلا من ذلك يكثر التوصيف بكلمة عملاق والعمالقة ونقيضها القزم والاقزام رغم اختلاف المعاني بين الجبار والجبابرة والعملاق والعمالقة.. وكنا نسمعها كثيرا في وسائل الاعلام فهناك المشاريع العملاقة وهناك اللاعبون العمالقة والدول العملاقة والجيوش والاسلحة وغيرها من امور يصح عليها هذا الوصف حقيقة او مجازا.

في سلسلة سقوط تشبه تساقط احجار الدومينو بدات بسقوط جبار العراق العظيم ورمزه الاوحد التفت الكتاب، كتاب الربيع العربي، الى كلمة جبار ودلالاتها الاصطلاحية التي وردت في القران الكريم في سورة ابراهيم، {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد}.

أصل الجبر: إصلاح الشيء بضرب من القهر، يقال: جبرته فانجبر واجتبر.. وتجبر بعد الأكل يقال إما لتصور معنى الاجتهاد والمبالغة، أو لمعنى التكلف، والجبر في الحساب: إلحاق شيء به إصلاحا لما يريد إصلاحه، وسمي السلطان جبرا لقهره الناس على ما يريده، أو لإصلاح أمورهم.والإجبار في الأصل: حمل الغير على أن يجبر الآخر لكن تعورف في الإكراه المجرد، فقيل: أجبرته على كذا، كقولك: أكرهته.وسمي الذين يدعون أن الله تعالى يكره العباد على المعاصي في تعارف المتكلمين مجبرة، وفي قول المتقدمين جبرية وجبرية. والجبار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها، وهذا لا يقال إلا على طريق الذم، كقوله عز وجل: (وخاب كل جبار عنيد) [إبراهيم/15]، وقوله تعالى: (ولم يجعلني جبارا شقيا) [مريم/32]، وقوله عز وجل: (إن فيها قوما جبارين) [المائدة/22]، وقوله عز وجل: (كذلك يطبع الله على قلب متكبر جبار) [غافر/35]، أي: متعال عن قبول الحق: والإيمان له. يقال للقاهر غيره: جبار، نحو: (وما أنت عليهم بجبار) [ق/45]، فأما في وصفه تعالى نحو: (العزيز الجبار المتكبر) [الحشر/23]، فقد قيل: سمى بذلك من قولهم: جبرت الفقير؛ لأنه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه، وقيل: لأنه يجبر الناس أي: يقهرهم على ما يريده.

عاد هذا المصطلح بقوة الى التداول الاعلامي في العراق ونحت السيد مقتدى الصدر منه كلمة اصطلاحية جديدة هي صراع الجبابرة في وصف ماجرى بعد مذكرة القاء القبض على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي... طرحت تساؤلا في ثنايا السطور واعيد طرحه كحزورة على القراء: كنا كلنا جبابرة.. من هو المستضعف فينا؟

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 31/كانون الأول/2011 - 6/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م