العراق بعد خمسين عاما

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في عام 1949 نشر الروائي جورج أورويل روايته ذائعة الصيت التي حملت عنوان (1984)، وهي كما يقول بعض النقاد، محاولة لاستكشاف إشكاليات الواقع العالمي آنذاك، ومحاولة تالية لاستكشاف المستقبل وما سيؤول له العالم، في ظل الاستبداد المحلي والخارجي، والصراع بين الاقوياء (الرأسمالية والشيوعية في حينها) على مناطق الثروات، ممثلة بالشرق الأوسط وجنوب الهند وأفريقيا.

العراق الآن كـ (ثروات وموقع) يقع ضمن المناطق المتنازع عليها بين الاقوياء، ليس استنادا الى جورج أورويل فقط، بل الى الوقائع التي تشير الى ذلك ولو بطريقة غير مباشرة، ومن الواضح جدا أن الاحتياطي النفطي الكبير، المضموم في رحم الارض العراقية، مع وقوع العراق في نقطة ارتكاز جيوبولتكية متفردة بالنسبة للصراعات الدولية، يجعل من هذا البلد تحت مطرقة الاطماع الخارجية على نحو دائم، خاصة اذا تحدثنا عن أنظمة سياسية مرتبكة ومريضة قادت العراق منذ ما يقارب القرن، أي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، من ضعف الى ضعف، وكان الطابع العام لتلك الأنظمة السياسية هو الاستبداد والمراوغة، وتفضيل مصلحة الحكومات وأفرادها على مصالح الشعب. هنا نريد ان نتخيَّل كيف سيكون حال العراق بعد خمسين عاما، تماشيا مع الرؤية الاستكشافية لأورويل.

أحد الاصدقاء (نائب عراقي سابق) ونحن نتداول واقع العراق ومستقبله، قال: ذهبت مع وفد من اعضاء البرلمان في زيارة الى اليابان، دخلنا في غرفة رئيس الوزراء الياباني كي نلتقي به، بدت لنا غرفة بسيطة، فيها منضدة عادية نظيفة سطحها لامع، تدور حولها كراسي من الخشب البسيط، وخلف كرسي رئيس الوزراء في أعلى الجدار برزت صورة لمدينة خربة مدمرة تعيث بها الفوضى، وتتكدس في ازقتها وساحاتها القمامة، وحين سألنا رئيس الوزراء الياباني عن عائدية هذه الصورة، فقال لنا (هذه مدينة طوكيو قبل خمسين عاما!!).

ولسنا بحاجة للحديث عن طوكيو الآن أو عن اليابان، تُرى هل سيكون العراق كذلك وكيف؟؟ وهل يسمح لنا الصراع الدولي والمصالح القومية للاقوياء على بناء عراق يشبه اليابان؟ إنه طموح مشروع كما يبدو، ومن حق العراقي أن يحلم في بلد منظّم مرفّه ومستقر، كما هو الحال مع اليابان، ولكن ثمة أسئلة تُثار في هذا السياق، تُرى هل يعمل العراقيون على تهيئة الركائز الاساسية التي سينهض عليها بلدهم ليكون دولة متطورة مرفّهة مستقرة، وهل يعمل المعنيون على استثمار الفرص بصورة صحيحة لكي يبدأ العراق مشواره نحو عالم التطور والاستقرار والرفاهية؟.

إن واقع الحال قد يشير الى غير ذلك، بمعنى أوضح إن المعنيين من سياسيين أو غيرهم، يبدوا أنهم لم يتعاملوا بجدية لتأسيس عراق يحذو حذو اليابان بعد خروجه مدمرا من الحرب العالمية الثانية، وهذا يعني إضاعة فرصة تأريخية قد لا تتكرر حتى ازمنة بعيدة في حياة العراقيين، لذا لابد أن يضع السياسيون اولا الخطط الكفيلة بوضع العراق على السكة الصحيح، ليس في السياسة وحدها أو الاقتصاد او التعليم، بل في عموم مجالات الحياة.

ومن المهم أن يتعامل الساسة العراقيون مع منطق الاقوياء عالميا، بما يحمي مصالح العراق، وهو أمر سيدونه التأريخ حتما، فمن لا يقدم العراق على غيره، سيُكتب إسمه في اللائحة التي تتناسب والدور الذي يقوم به، ومن يتنازل عن حق العراق وتأريخه تماشيا مع الحسابات الدولية وضغوطها، لن يغفله التأريخ ولا العراقيون، لذا نحن نحلم بعراق كاليابان، حتى لو حدث هذا بعد خمسين سنة قادمة، ولكن المشكلة أن عملية التأسيس يجب أن تكون صحيحة، وأن البدايات لا ينبغي لها أن تنحرف لصالح هذا او ذاك، من القوى الخارجية التي وجدت في العراق منطقة رخوة وغنية وقابلة للابتلاع او التجاوز.

إننا نرسم عراقا مرفّها متطورا مستقرا مسالما، في مخيّلة المستقبل، ولكن هذا يحتاج الى عمل يبدأ صحيحا لينتهي صحيا، وهو أمر مكفول بالارادة السياسية الوطنية المستقلة اولا، ثم المرادفات الاخرى التي تدعم السير في اتجاه بناء عراق أفضل فأفضل.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 31/كانون الأول/2011 - 6/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م