عزلة "إسرائيل" .. أو مكانة "الدولة العبرية"!

د. عادل محمد عايش الأسطل

ليس من الغريب أن تتكلم الحكومة الإسرائيلية بلسان " لولبي" واحد ولكنة واحدة، وبذات النبرة المتغطرسة ذاتها، وخاصة هذه الحكومة "اليمينية" التي اعتبرت من أشد الحكومات "تطرفاً" التي حكمت "إسرائيل" منذ نشأتها في العام 1948، بمعني أنها حكومة متلازمة في السياسات المتشددة والمتعنتة ضد الفلسطينيين، وبخاصة بالنسبة لمشاريع الحلول السياسية، المتعلقة بالمسألة الفلسطينية، وليس ذلك التوافق والتكامل بين وزرائها، نابعُ من شرط لزوم التوافق بين أعضائها رغماً وغصباً، الذي يعتبر من الشروط الأساسية عند تكوين حكومة "شراكة".

 ولكن هذه الحكومة، كأنها طبعت على فطرة واحدة، وشرب أفرادها من وعاءٍ واحد، فلم يصدر من أحد وزرائها، خروجاً عن الخط العام السائد "التشدد والتعنت"، من أصغر وزير إلى أكبر وزير، وحتى الذين هم من خارج الحزب الحاكم" الليكود" الذي يرأسه" بنيامين نتانياهو" بل إن اللذين هم من خارج الحزب، وينتمون لأحزاب تعتبر أقل تشدداً من "الليكود" تراهم الآن هم أشد عنفاً من "الليكود" نفسه، فعلى سبيل المثال وزير الدفاع" إيهود باراك" هو زعيم حزب العمل ورئيس وزراء "إسرائيل" فيما بين عامي 1999-2001، ويعتبر من حمائم الحمائم نسبةً إلى غيره من الحمائم والصقور معاً، هو اليوم تراه أشد في سياسته من رئيس الوزراء "نتانياهو" نفسه، وخاصةً فيما يتعلق بموضوع استمرارية الأعمال الاستيطانية، التي من شأنها أن تنسف، الآمال الفلسطينية المعلقة، في إمكانية إنشاء دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، وديموغرافياً.

إبان عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية "أريئيل شارون" منذ عام 2001، الذي كان وصفت حكومته بالأكثر تشدداً حينذاك، تجاه الفلسطينيين وكان أكثر استئثاراً بالرأي السياسي والأمني في الدولة، كان من بين أعضاء حكومته التي شكلها بنفسه، من يستطيع مساءلته ومراجعته، والوقوف في وجهه، وذلك ما اضطره لإقالة وزراء منها، بمن فيهم "نتانياهو" الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية آنذاك لهذه الأسباب، وكان ذلك حين أعلن عن خطته، القاضية بتفكيك مستوطنات قطاع غزة، وفك الارتباط معه.

هذه الحكومة لا تتكلم بلسان واحد ضد الفلسطينيين فقط، وإنما توضحت وحدة لسانها حتى اتجاه العالم الخارجي، بمن فيهم الدول الأوروبية، التي تعتبر من أكثر الدول صداقةً مع "إسرائيل" وبالذات مع حكومتها وتكن لها مودة أعظم، فقد كانت "إسرائيل" ترد الصاع صاعين على تلك الدول، والتي تتمكن من توجيه "أقل اللوم" أو "الحد الأدنى من الاحتجاج" ضد بعض الإجراءات الصارخة، التي تقوم بممارستها إسرائيل ضد الفلسطينيين، سواء فيما يتعلق بمسئوليتها بإيصال المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية والجارية منذ 1992، إلى طريقٍ مسدود، أو فيما يتعلق بحروبها ضد الشعب الفلسطيني وتعدياتها على موارده ومقدساته، أو فيما يتعلق بالعمليات الاستيطانية، التي تحتاج في جميعها إلى وقفة جادة وحازمة، من قبل المجتمع الدولي للوقوف ضد تنفيذها.

كانت العلاقات الإسرائيلية – الأوروبية، قد شهدت توتراً، على خلفية المسعى الفلسطيني بالأمم المتحدة، لنيل اعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود عام 1967. فقد كانت استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية سفراء خمس دول أوروبية كبرى، وقام مسئولان بالوزارة بتوبيخهم، وكانت شهدت الفترة ذاتها، أن النائب الأول لمدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، "ران كوريئيل" و"ناؤور غيلئون" نائب مدير عام الوزارة للشؤون الأوروبية، استدعيا إلى محادثة "توبيخ" سفراء بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا في تل أبيب، وكان السفراء برغم تفهمهم للأمر، إلاّ أنهم عبروا عن عدم رضاهم عن السلوك الإسرائيلي، في طريقة استدعائهم وأسلوب تعنيفهم، إضافةً إلى ما يقولون، أنها تعديات إسرائيلية ضد الفلسطينيين، مما جعل التوتر سيد الموقف.

وفي الآونة الأخيرة، كان حذر "إسرائيل" الكثيرين من قادة الدول من أن تقع في عزلة دولية، من شأنها أن تفقد "إسرائيل" من جرائها الكثير من المميزات، التي حصلت عليها منذ إنشائها، بالإضافة إلى العواقب الخطيرة، التي ستحيط بها "سياسياً وأمنياً واقتصادياً" وخاصة من الدول الحليفة والصديقة، فقد حذر الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" من مغبة انزلاق "إسرائيل" إلى العزلة، وهو ذات الأمر الذي قام بتوضيحه وزير دفاعه "ليون بانيتا" الذي خشي من تزايد عزلة إسرائيل في الشرق الأوسط، إذا لم تتخذ خطوات لإصلاح العلاقات، مع دول الجوار واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وخاصةً في ظل هذه التغيرات الكبيرة في الشرق الأوسط، خاصةً وأن "إسرائيل" ليست بوضع جيد، وتزداد عزلتها بشكل مطرد، وهذا ما حدث".

كما حذر وزير الخارجية البريطاني "وليام هيغ" من أن "إسرائيل" أصبحت في عزلة متزايدة، وبدأ الوقت ينفد بالنسبة لقادتها للتوصل إلى اتفاق سلام، بشأن حل الدولتين مع الفلسطينيين.

في هذا اليوم كان انطلق المؤتمر السنوي لسفراء "إسرائيل" الذي عقد في وزارة الخارجية، حيث كان عريس الحفل وزير الخارجية " أفيغدور ليبرمان" الذي تناول فيه السياسات العامة لإسرائيل من خلال وزارته، التي تعتبر من الوزارات السيادية المهمة للدول، والتي تتعلق بعلاقات "إسرائيل الخارجية بالدول الأخرى، حيث بدأ بالرد على مجلس الأمن الذي أصدر بياناً في الأسبوع الماضي، من خلال تصدر الدول الأوروبية الأربع "بريطانيا  فرنسا، ألمانيا، البرتغال" حيث نددت فيه بمواصلة "إسرائيل" عملياتها الاستيطانية الرسمية، وكبح جماح المستوطنين اليهود، فقال ليس هناك ما نخجل منه، أمام أي من الديمقراطيات الأوروبية، وحتى في الجبهة الديمقراطية البريطانية الرائعة، ونحن لا نحتاج للنصح فيما يتعلق بعملية السلام، وأن هناك حاجة لتلك الدول إلى تعديل تفكيرها ودبلوماسيتها للواقع، وفهم أن المتبع الآن في علاقاتنا مع الفلسطينيين، هو إدارة الصراع بدلاً من حل النزاع، فمن يقول أن من  الممكن أن يحصل السلام في السنوات المقبلة مع الفلسطينيين، فهو خاطئ ومضلل، لأنه "ليس لدينا شريك للسلام" فالرئيس الفلسطيني يتجنب الجلوس للتفاوض مع "إسرائيل"، وبالمقابل يجتمع بإرهابيي صفقة "شاليط"، نحن نريد السلام ومنذ تشكيل هذه الحكومة، بذلت جهوداً كبيرة لتمكين المفاوضات للتوصل إلى تسوية، ولكن لا يوجد شريك للسلام.

أبو مازن أثبت مرة أخرى أنه لم يكن شريكاً في أي شيء، إن على البلدان التي احتجت على "إسرائيل" كان يجب عليها توجيه الإدانة إلى "أبو مازن" كما لا نطلب المشورة بشأن كيفية معالجة أمر المتمردين، جماعة "دفع الثمن أو شباب التلال" الذين ينتهكون القانون، في "يهودا والسامرة"، أو أي مكان آخر، نحن نعرف كيفية التعامل معهم بشكل جيد، ونحن نقوم بكل شيء لإنهاء التوترات في تلك المناطق". وأضاف ما معناه، كان يجب على الدول الأوروبية، الوقوف لمحاربة إيران بعد أن تأكد لديهم، بعد تقرير الوكالة الأخير، بأنها في طريقها لصنع القنبلة النووية، بل إن "إسرائيل" بدأت تشكك بمصداقية مواقف الدول الأوروبية تلك، بشأن تصاعد الطلب الإسرائيلي من العقوبات على إيران، وخصوصاً ضد البنك المركزي والصناعة النفطية، لسوء الحظ، لدي انطباع بأن بعض البلدان الأوروبية، وكبار المسئولين هناك، تتحدث عن مزيد من العقوبات لطمأنة إسرائيل فقط من دون وقف برنامج إيران النووي فعلاّ".

لقد كشف اجتماع سفراء "إسرائيل" كم أن حكومة "إسرائيل" من خلال مهندس السياسة الخارجية الإسرائيلية "ليبرمان" بأنها خارج التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط، وكم كانت غائبة عما يدور في المنطقة، من تغيرات جذرية طالت كل المجريات السياسية والاقتصادية والأمنية، ولا زالت على عهدها القديم، تتمرغ في السياسات العربية كما تشاء، تأمل على خلفية بعض الكلمات هنا وهناك، من أن شيئاً جديداً لن يحدث من شانه المس بإسرائيل"سواء على صعيد الاتفاقيات المبرمة مع بعض الدول العربية أو المستقبل العسكري والأمني، بالرغم من أنها لا تُخفي أن الوضع الذي كان سائداً ما قبل الربيع العربي كان أفضل لعلى أنه كان معروفاً لدي "إسرائيل" ولا تُخفي  تمنياتها، لو كان  كلّ شيء على حاله، كي تظل تسيطر على الساحة كما تشاء.

لكن ومن جهةٍ أخرى، لماذا إسرائيل" لا تزال على هذا الفكر وهذه الثقافة المتشددة تجاه العرب العجم على حدٍ سواء؟ أليس ذلك نتيجة نسائم البرد والسلام التي ترد على "إسرائيل" من قبل المشرق والمغرب، ولماذا تكون "إسرائيل في عزلة كما يدعي من يدعي، فالعلاقات الإسرائيلية الدولية على ما يرام، وخاصةً مع الدول التي قامت بالاحتجاج ضد"إسرائيل" وهي هي نفسها التي كانت تضغط على الجانب الفلسطيني من قبل الرباعية لجل استئناف المفاوضات مع "إسرائيل "دون شروط مسبقة" وأيضاً فإن سفراء "إسرائيل" لا يزالون يقبعون في قلب القاهرة، وعمان والقناصل الملحقين العسكريين والاقتصاديين والمبعوثين والفنيين والجواسيس والعملاء اليهود يملئون المكان من محيطه إلى خليجه، وحتى تركيا التي أصابها ما أصابها من قتل الإسرائيليين لتسعة من مواطنيها، وكانت تدعو في كل مناسبة إلى عزل "إسرائيل" تُرى في يومنا هذا، في قمة المعاملات التجارية والاقتصادية المختلفة، وأكثر من أي وقت مضى، وكأن الدول تلك والتي تنادي بعزلة "إسرائيل" يفرقون في حقيقة الأمر، بين مصطلحي، دولة "إسرائيل" و"الدولة العبرية".

وعلى أية حال وما دام الأمر هكذا فإن "إسرائيل" والحكومة، وليبرمان بخاصة لا يزالون على حق في البقاء على صفات الصلف والتملق والغطرسة، ذلك لأن العرب قبل العجم لا يزالون أيضاً في موضع لا يسمح لهم بالتنديد الحقيقي، أو العزلة الفاعلة، التي من شأنها قصم ظهر "إسرائيل" ومن هو وراء "إسرائيل" أيضاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/كانون الأول/2011 - 3/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م