إشكاليات الشخصية الثقافية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: بداية أعني بالشخصية الثقافية، تلك التي تنشط في المجال الثقافي، وتُسهم في عملية إنتاج الثقافة، ولا أعني المثقف الذي لا يشترك في الانتاج الثقافي الفعلي، فالمنتج الثقافي عموما يحتاج كغيره الى إدارة جيدة، تترفع على الصغائر، وتجعل الروح السامية دافعا للعمل المخلص، الذي يستهدف تحريك الفعل الثقافي، وإظهار المنتج وإيصاله الى أكبر عدد من المتلقين.

وطالما أننا نقر بتعقيد الشخصية البشرية عموما، فإن الشخصية الثقافية لا تخرج عن هذا الاطار العام، بمعنى ثمة إشكالات تتعلق بالنفس تطول الشخصية الثقافية أيضا، وتدفعها الى ارتكاب الخطأ في النوايا أو في الافعال، أي أنها ليست بمنأى عن الوقوع فيما تقع فيه الشخصيات الاخرى، التي تعمل في مجالات لا علاقة لها بالثقافة.

ولكن الامر يختلف كثيرا بين الشخصية العادية والثقافية، فالاولى اذا أخطأت بسبب إشكالات التركيب النفسي وما شابه، سيكون ضررها محدودا جدا، أما اذا أخطأت الشخصية الثقافية بسبب إشكالات التركيب النفسي او سواه، فإن الضرر سيكون أكبر بكثير، لأن الثقافة تتدخل في تطوير البنى الاخرى لعموم المجتمع، بمعنى أوضح أن المنتج الثقافي ينبغي أن يكون معافى لكي يكون البناء المجتمعي معافى ايضا، في حالة حدوث العكس، وتسرب وانتشار منتج ثقافي عليل، فإن البنى المجتمعية سوف تعاني من ثقافة عليلة، وقد لا تتخلص منها الى آماد زمنية بعيدة، وهنا تكمن خطورة الاشكالات التي تتعرض لها الشخصية الثقافية.

ولو حاولنا البحث عن معالجات لهذه الاشكاليات التي تُصاب بها الشخصية الثقافية، وهو أمر لا مناص منه، واذا اعترفنا جميعا بأن دور الثقافة يتصدر جميع الادوار في البناء المجتمعي، فإن معظم المعالجات أو قسم كبير منها يعود الى الفرد المثقف، وقدراته وارادته على محاصرة هذه الاشكالات وطردها من أعماقه (أفكاره وسلوكه)، بمعنى اوضح، هي مسألة تحسين للذات، وتنظيف جاد للتركيب النفسي، ومحاولة حقيقية للوصول الى صفاء وتوازن متكامل بين النوايا والافعال، ولا ينبغي هنا أن تسمح الشخصية الثقافية بحضور سطوة الطبائع البشرية، التي غالبا ما تفرض نفسها على الانسان عموما، فلو أخذنا الحسد والغيرة والصراع من اجل المنفعة وحب الظهور والتزلف والتقرّب لمركز صنع القرار الثقافي وسواه، فهي صفات تدخل في صناعة اشكاليات الشخصية الثقافية بقوة، وقد لا يتمكن كثيرون أن يتخلصوا من حضورها بل سطوتها الواضحة عليهم، لكن تبقى عملية الخلاص من هذه الاشكالات معيارا هاما لبناء الشخصية الثقافية السليمة، والقادرة على الاسهام في صناعة منتج ثقافي ناجح ومؤثر في المحيط او المجتمع المتلقي لتلك الثقافة.

وعندما تصل الشخصية الثقافية الى درجة كافية من النقاء، والايمان بأولوية المصلحة الاخرى على مصلحة الذات - وهو امر ليس مستحيلا- فإننا نكون قد حققنا أهم وافضل الخطوات التي تدخل في تأكيد جدية المنتج الثقافي وتميزه في آن، لهذا لابد من التمرن الحقيقي على السمو بالنفس، وترك الصغائر جانبا، وهو امر يمكن تحقيقه، بالادراك، لأنه ينتمي الى الشعور وليس الفعل الملموس، فإذا تصاعدت وسَمَتْ روح الشخصية الثقافية، عنذاك سيسمو كل شيء يرتبط بها أو ينتج عنها، لذا يستحسن بالشخصيات الثقافية – التي تعمل في الوسط الثقافي- أن تمنح ذاتها فرصة حقيقية لمحو الاشكالات الحاصلة في تركيبة النفس، والتخلّص الكلي من أمراض وعقد الشخصية العادية التي قد تعاني صعوبات جمة، من اجل الوصول الى مرحلة النقاء التي تتطلبها الشخصية الثقافية، لكي تنجح في دورها الثقافي الداعم لعموم البنى المجتمعية الاخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/كانون الأول/2011 - 2/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م