الخط العربي... سحر وإيحاءات مختلفة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: لطالما كان فن الخط العربي، باباً يبرز الثقافة الاسلامية، سواء لجهة النصوص القرآنية والأحاديث التي يقدمها، أو حتى الزخارف التشكيلية التي تحيط لوحاته.

 اذ ان الخط العربي وكما هو معروف فن وتصميم الكتابة في مختلف اللغات التي تستعمل الحروف العربية. وتتميز الكتابة العربية بكونها متصلة مما يجعلها قابلة لاكتساب أشكال هندسية مختلفة من خلال المد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب.

اذ يعتمد الخط العربي جماليا على قواعد خاصة تنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة، وتُستخدم في أدائه فنيا العناصر نفسها التي تعتمدها الفنون التشكيلية الأخرى، كالخط والكتلة، ليس بمعناها المتحرك ماديا فحسب بل وبمعناها الجمالي الذي ينتج حركة ذاتية تجعل الخط يتهادى في رونق جمالي مستقل عن مضامينه ومرتبط معها في آن واحد.

اعتقاد سائد

فقد منح اعتقاد بعض علماء المسلمين في فترات تاريخية سابقة بعدم جواز تصوير ورسم الوجوه الآدمية فناني الخط العربي مساحة غير محدودة من الخيال في ابتكار خطوط تجاوزت وظيفة التدوين الى الجانب الجمالي فلم يعد شكل الخط ينفصل عن مضمونه، ويسجل خالد عزب في كتاب "ديوان الخط العربي في مصر" أن الخطوط العربية بلغت 20 نوعا على رأس المئة الثالثة من الهجرة" وأن مصر في القرن التاسع الميلادي دخلت مجال المنافسة على تجويد الخطوط مع بغداد عاصمة العباسيين وفي العصر المملوكي منذ القرن الثالث عشر الميلادي "بلغت مصر مركز الصدارة" في هذا المجال، ويضيف أن السوريين أسهموا أيضا في تطوير الخطوط التي وجدت في ظل الدولة العثمانية عناية خاصة إذ أنشئت في الاستانة عام 1908 أول مدرسة خاصة لتعليم الخط والنقش والتذهيب وظل الاتراك في مقدمة الدول المتفوقة في تجويد الخطوط حتى عام 1928 حيث استبدل الحرف اللاتيني بالحرف العربي، ويقول إن "قيادة التفوق الخطي انتقلت إلى مصر مرة أخرى... استقطبت مصر عددا من الخطاطين الاتراك الذين تخرج على أيديهم عدد من الخطاطين المصريين وغيرهم من مختلف البلاد الاسلامية" " حيث أنشأت مصر مدرسة لتحسين الخطوط العربية عام 1922 ثم ألحق بها قسم لفن الزخرفة والتذهيب وصدر العدد الاول من "مجلة مدرسة تحسين الخطوط الملكية" عام 1943، ويقع الكتاب الذي أعده عزب ومحمد حسن في مجلد يليق بموضوعه من 551 صفحة كبيرة القطع وهو باكورة سلسلة دراسات الخط العربي المعاصر التي يصدرها مركز دراسات الكتابات والخطوط بمكتبة الاسكندرية، ويحمل الكتاب عنوانا فرعيا هو "دراسة وثائقية للكتابات وأهم الخطاطين في عصر أسرة محمد علي" التي حكمت بين عامي 1805 و1952، والكتاب الذي يضم مئات اللوحات الخطية والتشكيلية والصور الفوتوغرافية يسجل في الفصل الاول "الخط العربي في مصر قبل أسرة محمد علي" أن الغزو العثماني لمصر عام 1517 حول مصر من دولة كبرى يمتد نفوذها من الشام الى السودان "ويخضع لسيادتها أقاليم برقة والحجاز واليمن والنوبة وقبرص الى مجرد ولاية عثمانية وبذلك فقدت مصر شخصيتها المستقلة" ثم قضى العثمانيون على أكثر من 50 مهنة في مصر حيث عمد السلطان سليم الاول الى "القضاء على مقومات مصر الحضارية" بأخذ أرباب الصنائع، ويسجل أن العثمانين نهبوا بعض التحف. وينقل عن كتاب "بدائع الزهور في وقائع الدهور" قول مؤلفه المؤرخ محمد بن أحمد بن اياس الخاص "وقع أن ابن عثمان شرع في فك الرخام الذي بالقلعة... وفك العواميد السماقي التي كانت في الايوان الكبير وقيل انه يقصد أن ينشئ له مدرسة في اسطنبول مثل مدرسة السلطان الغوري. فلا تقبل الله منه ذلك، وعن جمع الحرفيين والعمال وترحيلهم الى الاستانة ينقل الكتاب قول ابن اياس.. " نادوا في القاهرة بأن لا عبد ولا جارية ولا امرأة ولا صبي أمرد يخرجون الى الاسواق حتى يسافر العسكر وذلك خوفا عليهم من التركمان أن يخطفوهم ويسافروا بهم، وعن أثر اللغتين التركية والفارسية في العربية يقول الكتاب ان التركية في العالم الاسلامي انتشرت مع توسع النفوذ التركي وكان التعليم في العالم العربي في العصر العثماني باللغة العربية "الى جانب تعلم العثمانية" التي يتعلمها قلة يسعون للعمل كتابا ومترجمين في ديوان الوالي. أما الخط الفارسي فهو أحد التأثيرات العثمانية في مصر. بحسب رويترز.

ويضيف أنه بعد الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 نحيت العربية عن التعليم وأصبحت تدرس كأحد العلوم منذ أصبحت الانجليزية لغة التعليم عام 1897، ويورد الكتاب قائمة بأبرز الخطاطين وانجازاتهم ومنهم ابراهيم البغدادي ومحمد غريب العربي ويوسف أحمد ومحمد ابراهيم وسيد ابراهيم الذي كتب عناوين صحف منها ومجلات منها الراديو المصري" و/مصر/ و/ سفينة الاخبار/ و/فلسطين/ "البنان" و/الضياء/ و/الاهرام// ومن الخطاطين أيضا الذين تركوا اسهامات أيضا التركي معمار زادة محمد علي ومحمد كاظم أصفهاني وهو والد الكاتبة صافي ناز كاظم.

خارج الإطار المتعارف عليه

وفي االسياق ذاته خلق الناقد والمبدع التشكيلي المغربي محمد البندوري للخط العربي مساحة نقدية في الأدب والفن العربيين، من خلال أبحاثه النقدية في التراث الأدبي العربي عامة، والمغربي تحديدا، حيث أرسى لبنات للجماليات التي يتمتع بها الخط العربي موظفا إياها في تقويم النصوص الشعرية وقصائد النثر، خصوصا منها المغربية، ولا غرو في ذلك، فهو الباحث المتمرس في جماليات الخط، صافح من خلال نقداته العلمية وعي العرب منذ القديم بجمالية الخط العربي، وإدراكهم لدور الخط العربي في تعميق صيغ الجمال على مستوى النصوص سواء الشعرية منها أو النثرية، وقد حاول محمد البندوري أن يظهر الخط العربي خارج الإطار المتعارف عليه، وإنما حمله بأشكاله الخطية ورموزه الإيحائية مجالا يحمل في طياته مضامين عميقة تجعل منه أداة جمالية نقدية قوام للوظيفة البصرية، فشكل لغة جديدة للتعبير بمنطق يرتكز على الجمال في أصوله وتقنياته، لقد أبرز محمد البندوري القدرة النقدية للخط العربي من خلال انطباعيته وقدرته على تشكيل المكان وتفاعله مع الألوان الأدبية واستقراء معانيه الدلالية والشعرية وموسيقاه حيث تتغير المقاييس البلاغية قياسا بالمعاينة البصرية التي تعتمد الواقع المرئي للكلمات والعبارات شعرا كانت أم نثرا، مخصصا بذلك مساحة من النقدات العميقة على المستوى الدلالي والبلاغي وفي مكونات الحرف العربي والتي صبت على إثبات جمالية المبنى والمعنى، وذلك من خلال كتابه النقدي الفريد في العالم العربي: جمالية الخط العربي في تقويم النص الشعري بين النقاد العرب القدامى والمحدثين، ليخلق به مساحة للخط العربي في النقد الأدبي العربي، وقد تدخلت عوامل عدة في هذا الإنجاز العظيم ومن أهمها كون الباحث محمد البندوري يجمع بين البحث العلمي الأكاديمي وبين الممارسة الخطية والفنية.

أما في جانب الممارسة التشكيلية فقد أبدع محمد البندوري أسلوبا تعبيريا يستمد مادته من مرجعيات تراثية خصبة ومن حركة تشكيلية تتخذ من الخط العربي والمغربي أساسا أداة لتأسيس الفضاء اللوني بروح تحررية تضخ الدم في شرايين الحروف مما يضفي عليها أبعادا عميقة المضامين، تمتح من صوفية دالة، وروح خالصة، يعتمد في استعمالاته التشكيلية للحرف على تكوينات الحروف ومزجها بباقة من الألوان المنتقية التي تلائم مسار اللوحة التشكيلي في بناء فضاء منسجم ومتماسك يعج بالحركة حينا وينتابه السكون تارة أخرى، بحرفية وتقنية عالية، وفي أرقى وسائل التعبير التشكيلي، ليؤسس بذلك مدرسة تشكيلية تسعى إلى تحرير الحرف وإخراجه من حيزه الضيق النفعي إلى دور جمالي بصري أكثر فعالية وشمولية وكونية، ينتشي بالريشة فوق عوالم الذات منغمسا في تفاصيل الثقافة التي أسست لكيانه الوجودي مساحة في النقد التشكيلي العالمي، بواسطة سعيه المستمر في تحريك الموروث الثقافي الحضاري المغربي، وطبع الألوان بسمات دافئة في إطار أيقوني دال على توظيف الحرف العربي المغربي كمحرك أساسي فاعل في الألوان ومتفاعل مع نرجسية الخطاب ومع فلسفته الكونية الرصينة التي ينبني عليها فضاء اللوحة بسيولية متنوعة ذات دلالات وأبعاد فلسفية عميقة تنبعث من حالته الشعورية والروحية وأيضا من أبحاثه القيمية الجمالية والثقافية البصرية المعبرة بموضوعات ذات صلة بالتراث المغربي العريق الأصيل وتتخذ من الحداثة فلسفة الابداع الجديد ذات العمق الكبير، ويعتبر محمد البندوري حسب الخبراء الأوربيين أول من وظف الحرف المغربي بأبعاده الخمسة خارج الإطار الكلاسيكي. أقام العديد من المعارض في المغرب وأوروبا والشرق الأوسط، وهو عضو فاعل في هيئات تشكيلية عالمية، وإذا كان محمد البندوري يستمد مادته الجمالية من التراث العربي والمغربي الأصيل، يلامس به المادة التجريبية من كل الأشكال؛ من خلال المزج بين اللون والحرف، فإنه يوظف الحرف ويستنطقه ويجعله يتحرك ويسكن وينحني ويتموج ويقوم وينبسط ويسترسل ويتداخل مع مكونات اللوحة بتدويراته ومدوده في مساحات لا متناهية، وبما أن الفنان محمد البندوري باحث في تاريخ الخط المغربي، فإن المظهر الخطي لديه، ينطلق من السمة الجمالية الفنية التي تتميز بغنى الأشكال الفنية من حيث دوران الحروف وميلانها، واستقاماتها وانبساطها، هي بالنسبة إليه نتاج تراكم معرفي عبر السنين الماضية والتي أفضت إلى خلق أشكال جديدة وجديرة بالمعرفة، وهي أيضا عشق للخط المغربي الذي تستوجب الشرعية حضوره في الساحة العالمية. . ذلك أن الخط المغربي، بفروعه الخمسة بكل سماتها ومميزاتها الفنية الدقيقة والجمالية الخالصة لها من الميزات ما لا يتوفر في أي خط من الخطوط الأخرى، وكلها خدمت الحضارة المغربية والعربية على مر العصور، ولكونها تتمتع بإمكانات هائلة لا تتيحها المجالات الأخرى، إضافة إلى ما تتمتع به من خصائص وسمات قد خول لها الظهور جماليا داخل اللوحة الفنية وفي الفن العالمي برقي وجمال هائلين.

وقد استغل الفنان التشكيلي المغربي العالمي جماليات الخط المغربي الهندسية، وأشكال الحروف باستداراتها وتناغمها في مقاربة بين السطور وتناسق اشكالها الحرفية في المبسوط والمجوهر بشكل متلازم ومتناغم مع ايمالات وأنصاف الاستدارات المنسجمة مع استرسالات الحروف، وكذا اظهار تقويساتها، والإخفاءات الحرفية في المسند وما إلى ذلك من الأشكال المتعددة. كل ذلك، يوظفه داخل فضاء اللوحة بتقنيات خارجة عن المألوف كما صرح بذلك الخبراء الأوربيين، بما شكل خصوصية وتفردا لهذا الفنان في الإبداع التشكيلي. الذي يتجاوز حدود اللون والزمان ليؤسس لثقافة فنية جديدة.

فاللوحة الفنية، لدى البندوري، موشومة بعلاقات جدلية وتحاورية بين الحرف واللون، حيث يستمد كل منهما حركيته من المضمون. فأحيانا، يطفو اللون بقوته فيطغى على الحرف، وحينا آخر يتبدى الحرف قويا بأشكاله الهندسية فيطغى على اللون، وهو طغيان تشوبه المحاورة لغاية تفيد المحتوى أساسا وتلعب فيه التقنية الإبداعية دورا محوريا.، وفي بعض أعماله، يتداخل الحرف واللون ويتشابكان، ليفرزا أشكالا مختلفة ومتنوعة تترتب عنها حركية عنيفة أحيانا، وحينا آخر يتولد عنه بعض السكون والهدوء، إنه شكل الوضع الذي يحتمه الموضوع وتتفاعل معه كل المعطيات الفنية المترابطة معه، من هواجس ومشاعر وتأثيرات ووصولا إلى اللمسة الفنية بكل مقوماتها، ولا فصل بين الخط واللون في أعمال الفنان محمد البندوري، فاللون يخضع لسلطة الحرف والحرف يخضع لجبروت اللون وصولته، فيكمل بعضهما الآخر لبناءعمل في غاية التميز، في ارتباط وثيق بموضوعات ذات أهمية وذات غاية مفيدة، من خلال توظيف نصوص من الشعر أو النثر او القصة القصيرة أو نصوص نقدية وهو ما يدل بشكل أو بآخر على انفتاح الفنان البندوري على الألوان الأدبية والنقدية العربية.، ويوثق أعماله وفق الشروط العلمية الصرفة. وهو ما يتيح له ان يجسد الفعل الأرأس في تحديد سمات التشكيل المغربي بشكل عام، وهو أيضا بتعدد ثقافته المغربية وانسجامه الروحي مع الموروث الثقافي المغربي الأصيل يعطي الانطباع الكامل والمعلومة التشكيلية الثقافية المتكاملة الحقة التي تمتد حتى حد صياغة مكونات تجربة تشكيلية مغربية عربية كونية جديدة معاصرة تنبئ بفلسفة حرفية خطية تحررية لامحدودة، وبذلك فتجربته التشكيلية الفردية والمؤسساتية التي تشكل عصب انتاجه التشكيلي المعاصر والتي رسخت لها مكانا لائقا ضمن خارطة التشكيل العالمي بتنوعها النوعي الثقافي والحسي والاجتماعي، يشكل تشكيلاً رائدا جديداً في الظرف الراهن، وإذا كان تصوره العميق يقوم على صياغة الأشكال، والارتشاف من التراث الحضاري المغربي، فإنه يأخذ منحاه أيضا من محيطه الجغرافي المغربي الأصيل.

تجارب غنية

بينما استمد الحروفيون السوريون إيحاءات أعمالهم من الأصول القديمة للحرف العربي وجددوا فيها فجاءت تجاربهم غنية متنوعة لكنها بقيت متناغمة معها في المزاوجة بين ضروب متعددة من الخطوط تخالطها وتوصل بينها أشكال لحروف مبتدعة تكسر من حدة المفارقة وتمهد لتجانس العناصر المختلفة ضمن تكوينات تأخذ حركتها عن طريقة واتجاه قراءة النص تأكيداً على الحركة الكامنة داخل الحروف وداخل التكوين العام، كما استفادوا مما يحمله الحرف العربي من رشاقة وحركة جمالية وقيم تعبيرية ووظفوه في لوحاتهم الفنية التي حملت قيماً فنية عالية حيث سعى عدد منهم للاقتراب في لوحاتهم من اللوحة التشكيلية من خلال الإفادة من النماذج الشائعة في الخط الكوفي الهندسي أو الكوفي الشطرنجي والنسج على منوالهما وبما يجرد الكلمة من معناها ويبقي على إيقاعها التكراري كلازمة زخرفية هندسية، بينما سعى آخرون إلى المزاوجة بين الصرامة الاتباعية للخط العربي وبين تجريدية الخلفيات التشكيلية له عبر مقدرة أدائية في الخط والرسم على حد سواء وسعى غيرهم لاتخاذ أبعاد تجريدية من الحرف مستفيدين من مقومات الخط العربي وأبعاده الفكرية والروحية، وقد ظهر الاتجاه الحروفي في التشكيل العربي مع حلول منتصف القرن الماضي من خلال اعتماد الحرف العربي كمفردة تشكيلية تؤدي إلى عمل فني عربي تشكيلي معاصر محدد الهوية ويملك إمكانية التطوير والتجديد، ومن المؤكد أن المحترف التشكيلي السوري يملك الكثير من التجارب الغنية لفنانين استطاعوا في إبداعاتهم المتنوعة واستخداماتهم المتعددة للخط العربي أن يسبقوا حركة الفن التشكيلي المعاصر في نزوعه إلى التجريد مستفيدين من قابلية الحرف العربي للمد والاستدارة والبسط والصعود والهبوط واللين في طريقة كتابته، وتتوزع تجربة اللوحة الخطية في سورية على ثلاثة أساليب اشتغل عليها الحروفيون السوريون حيث يرتكز الأسلوب الأول على وجود الكلمة في اللوحة دون أي معنى فلا تكون مقروءة ومثاله الفنان عبد القادر أرناؤوط الذي اعتنى بشكل الحرف وجماليته واستخدامه في اللوحة ومزج بين بعدين زمنيين للوصول إلى صياغة عمل تشكيلي يعكس رغبات التأصيل والتحديث بأسلوب يتجاوز الدلالات المقروءة حيث أعطى لجمالية الشكل والتكوين الفني الأهمية الأولى بغض النظر عن العلاقات القائمة بين الكلمات، ومن المشتغلين بهذا الأسلوب الفنان محمود حماد الذي تابع تجربة سلفه أدهم إسماعيل بأن اعتمد على تيارات الحداثة التجريدية وبنى عوالم لوحاته من منظوره الخاص ومن مناخ الحركة اللونية العفوية، أما الاتجاه الثاني الذي اشتغل عليه الحروفيون السوريون فكان يربط ما بين الشكل والمعنى مع استخدام عناصر وأشكال تشبيهية أخرى وأبرز رواد هذا الاتجاه الفنان عيد يعقوبي الذي دخل في عوالم ومعطيات الحركة الحروفية للخط العربي المغربي المأخوذ من المخطوطات القديمة حيث أعاد تشكيلها بتقنيات مختلفة وأوجد مكاناً وسطاً بين التجريد الحروفي والصورية إضافة إلى الفنان تركي محمود بك الذي اقترب من أجواء التشكيل الحروفي والزخرفي الهندسي بحيث تتحول اللوحة إلى حركات تتقاطع أفقياً وعمودياً بزوايا قائمة وتشكل فسحة لعناصر معمارية وحيوانية تحددها حركة الحرف ذاتها.

في حين اتجه القسم الثالث من الحروفيين السوريين للمحافظة على الرسم الحقيقي والبنية الخطية للحرف العربي إلى جانب إعطائه حيوية وإشراقاً من خلال إضافة اللون ومثاله الفنان محمد غنوم الذي داخل بين الكلمات والحروف بدفق لوني حيوي مع الاحتفاظ بالدلالات المقروءة لبعضها، وسجل غنوم حروفياته في لوحات زيتية وقعت بين التجريد الهندسي الزخرفي والحروفي ثم استلهم جمالية الخطوط برؤية حديثة عبر تصعيد حوارية المشهد البصري وإبراز رشاقة الحرف وغنى حركته وانسيابيته، وفي تصريح لوكالة سانا يشير غنوم إلى أن الخط العربي مر بعدة مراحل حددت كلاسيكيته وخطوطه الموزونة بنقاط معينة بينت وأوضحت عرضه وامتداده والتفافه إلى أن حظي بنظرة متطورة تتواءم مع العصر وتستدعيه بدورها إلى البحث في جوانب تفجير الطاقات الجمالية للحرف العربي التي لم تكن تكتشف وتدرس عندما كان الخطاط قاعدياً كلاسيكياً همه اتباع القواعد والأوزان ويقول.. من أراد الاعتماد على الحرف العربي كاتجاه فني لتجربته فعليه أن يدرس ويلم بالقواعد والأسس الكلاسيكية للخط العربي قبل أن يشرع في تطوير تجربته وهويته الحروفية الخاصة.

ويؤكد غنوم أن اللوحة الحروفية في سورية ولاسيما الخط الكلاسيكي قطعت أشواطاً مهمة شكلت من خلالها نكهتها الخاصة وقال إن الحروفية الحديثة بدأت ترسم ملامح خصوصيتها على يد الكثير من الفنانين الشباب الذين استفادوا من تجارب الرواد ومن الاتجاهات الفنية الغربية الحديثة، ووصف غنوم اللوحة الحروفية السورية بالنشيطة جداً لكون الحروفيين السوريين يشتغلون بمحبة للحرف العربي ويدركون التفاعل والحوار الحاصل بين اللوحة الحروفية والجمهور السوري. بحسب وكالة الانباء السورية.

كما يمثل الحرف العربي بالنسبة لعدد جيد من الفنانين السوريين المعاصرين قيمة فنية راقية يستعيدون من خلالها التراث ويحافظون على أنواع من الخطوط كما في تجربة الفنان منير الشعراني الذي يحتل الخط الكوفي عنده المرتبة الأولى في سعيه لإيجاد مناخات تشكيلية جديدة قائمة على مرتكزات ثابتة وبعيدة عن مزالق التشويه والمسخ مستعيداً بعض أنماط الخطوط الضائعة والعوالم الكتابية الصافية فامتلك المقدرة على تحريكها ضمن صياغة فنية حديثة قائمة على النسب الرياضية الهندسية الصارمة.

وإذا كانت اللوحة الحروفية تتعرض للكثير من التساؤلات المتصلة بالمنجز الحروفي وصلته بالحداثة ولاسيما لجهة توسع استخدام الحاسب وإنتاج اللوحات الرقمية التي ابتعدت بالكتابة عن الدلالات المصاحبة لها وأفقدت الحروف العربية المكتوبة باليد جزءاً من روحها وجمالياتها فإن الحروفية ستبقى مواكبة للحياة وتلبي الحاجات الجمالية للناس وستبقى روح التجديد حاضرة طالما هناك باحثون وفنانون جادون في الخط العربي يهدفون للارتقاء به إلى الجمالية المبدعة.

نفحات

الى ذلك أقامت ندوة الثقافة والعلوم في الامارات، معرضا تحت عنوان نفحات، لإبراز أهم الابداعات الفنية الاسلامية، وقد شارك في المعرض 18 فنانا من الإمارات والدول العربية، كل منهم بلوحتين، قدموا من خلال أعمالهم مجموعة من النصوص القرآنية ونصوص الحكمة والشعر، عبر انواع متباينة من الخطوط. وحضر أفتتاح المعرض نائب رئيس مجلس أمناء موسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية إبراهيم بوملحة، ونائب رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون الأديب محمد المر، والمدير التنفيذي لشؤون الثقافة والفنون في وزارة الثقافة بلال البدور، وعضو المجلس الوطني الإتحادي سلطان صقر السويدي.

ابتكر الفنان العراقي وسام شوكت، خطاً خاصاً به، وقال عن ذلك: قدمت لوحتين احداهما بخط حديث ابتكرته بنفسي، واستخدمه منذ تسع سنوات، ولكني لم أطلق عليه أي تسمية بعد، ولفت إلى أن الخط الذي ابتكره، هو نتيجة الموروث، وبالتالي لم يولد من الصفر، بل متأثرا بخطوط قديمة، وبطريقة التركيب يتمتع بروحية حديثة. واعتبر ان التركيبة هي الاساس في الخط، فالبناء المتسلسل للقراءة هو احد العوامل لنجاح العمل. وأكد أنه استخدم الخط لفترة طويلة، وبعد اتقانه هذا الخط، بدأ يقدمه ويشارك فيه في المعارض. ولفت الى أن فن الخط له جمهوره، لكن فن الخط يحتاج لأشواط كبيرة ليصل إلى مصافي الاعتراف، كما الفنون الاخرى.

وعلى الرغم من أن القاسم المشترك بين جميع الاعمال في فن الخط هو الحرف، إلا أنه لا يمكننا اغفال خصوصية كل فنان في العمل الذي يقدمه، لجهة التكوين الكلي للعمل، لجهة التلاعب والتغيير في موازنة عناصر اللوحة. وتتميز كل لوحة عن الأخرى، لجهة الخط المستخدم، ونوعية الورق، وكذلك الأسلوب الذي كتبت فيه، والتصميم النهائي للنص، والزخرفة. والى جانب الجماليات التي تطرح في النص والكلام، بات إدخال الألوان على لوحات الخط من العناصر التي تزيد من جمالياته وتبرز القدرة على الابتكار وكسر جمود الحرف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/كانون الأول/2011 - 30/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م