مزحة كبيرة... السياسة كفعل اضحاك

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في مواقف اللهو بين الأصحاب يحضر المزاح بكثرة ويسود الجو أصوات الضحكات والقهقهات والتبسم... وهناك فروق بين هذه الانواع الثلاثة..

الضاحك يكشف عن أسنانه الناصعة او الصفراء التي شوهها دخان السكائر او كثرة شرب الشاي.. وعادة ما يكون مصحوبا بصوت خفيف وهناك من يكتم ضحكه ولكن جسمه يهتز من فوق لتحت مع احمرار الوجه والتعرق.

و(القَهْقَهَةُ) فـي الضحك معروفةٌ، وهو أَن يقول (قَهْ قَهْ)، يقال: (قَهَّ) و(قَهْقَهَ) بمعنىً، وإِذا خَفَّفَ قـيل (قَهَّ الضاحِكُ).

و(قَهْقَهَ) رجَّع فـي ضَحِكه، وقـيل: هو اشتدادُ الضَّحِك، قال: و(قَهْ قَه) حكايةُ الضَّحِك... أن القهقهة هي ما يكون مسموعاً لجيرانه، والضحك هو ما سمعه هو دون جيرانه، القهْقَهَة: حكاية استغراب الضحك.

القهقة تكون بصوت اعلى من الضحك وتكون مصحوبة بعدد من الحركات التي لايسيطر عليها صاحبها الذي يقهقه.. والقهقهة تهتز لها الاكتاف مثلما كانت قهقهة (القائد الضرورة) صدام حسين واكتافه تهتز بجذل والرتبة العسكرية تهتز فرحا عليها.

وقد اعتاد على القهقهة كلما التقى مجموعته المسبّحة بحمده او شعراء التطبيل او شيوخ الانابيب وكانه يريد ان يرينا نحن محكوميه بانه يضحك علينا.. او على ذقوننا التي لم تسلم من قهقهاته او مواسم موته.

والتبسم في اللغة مبادىء الضحك، والضحك انبساط الوجه التي تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة وإلاَّ فالضحك، وإن كان بلا صوت فهو التبسم، وتسمى الأسنان في مقدم الفم: الضواحك.

والتبسم ومنه الابتسامة ضرورة اجتماعية من ضرورات التواصل الانساني التي لاتعتمد على مكان او زمان معين..وهي لاتعيب الشخص قدراعابة القهقهة له.

عد التبسم وعدت الابتسامة نوعا من انواع الصدقة وعدت كثرة الضحك اشارة الى موت القلب..

الضحك يخفي احيانا جروحا دامية وعميقة في داخل اعماق الضاحك من هذا قول الشاعر:

لا تحسبن ضحكي بينكم طربا

فالطير يرقص مذبوحا من الالم 

ذكر سبحانه فى كتابه الضحك و بين أن كل شئ من عنده وهو الذى يسبب أسبابه فإليه المئاب فقال: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} النجم43.

ووصف رسوله سليمان بالضحك عند إعجابه بالنملة فقال تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } النمل19.

ووصف به زوج إبراهيم عليه السلام تعجبا من المفاجأة {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } هود71.

ومبينا حسن العاقبة للمؤمنين بصبرهم وحسن توكلهم فى الدنيا وضحكهم من الكافرين فى الأخرة:{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} المطففين34.

وذكر ضحك الكافرين المذموم:

ووصف موقفهم من كتابه وأياته فقال {وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ }النجم60

ووصف موقفهم من الرسول صلى الله عليه واله وسلم فقال: {فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ} الزخرف47.

ووصف موقفهم من المؤمنين فقال: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} المطففين29.

وقال:{فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } المؤمنون110.

وذكره فى حقهم فى سياق التهديد والوعيد فقال: {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} التوبة82.

دائما ما نتصنع الابتسامة عند التقاط الصور الشخصية لنا.. (ابتسم تطلع الصورة حلوة)، وهو تصنع مرغوب فلا احد يرغب ان يرى صوره بعد سنوات وهو على جهامة وجه وعبوس نظرات.. ويقال للشخص المبتسم للاخرين دائما وابدا: وجهه يضحك للطير او للهواء.

اكثر الناس ابتساما في صورهم هم رجال السياسة والشخصيات العامة رغم ماتخفيه نفوسهم من هموم ومشاغل ومشاكل عديدة لكنها الضرورة الملحة امام عدسات المصورين.. فالابتسامة تدعو الى التنفاؤل عكس التجهم الذي يدعو الى التشاؤم.

لكن السياسة كفعل ينطوي على تكتيك الممارسة وتحقيق غايات معينة اكثر الافعال الانسانية تقاربا من الضحك الغادر وغير الآمن.. السياسة فعل اضحاك مستمر والسياسي يضحك على الذقون باستمرار.

كل تصريحات السياسيين تحمل في داخلها السخرية منها لسبب بسيط هو ان لا احد يصدق تصريحاتهم، لا نقبل.. نرفض.. لا نؤيد.. سنقوم.. سنعمل.. سيتم.

الطماطة اختفت من الاسواق بسبب توفر الخس.

سنعالج ازمة السكن بالبيوت الطائرة.

سنحارب الفساد المالي برفع مبالغ الرشاوى المدفوعة للموظف الفاسد.

في تصريحات السياسيين يكثر حرف السين وهو للتسويف والمماطلة كما يفيد علماء العربية.

ويكثر حرف اللام للرفض والتعنت وعدم القبول.

من جهة اخرى دمج الحرفين في كلمة واحدة يعطينا كلمة (سل) وهي احد الامراض الرئوية الخطيرة. وكما علمت مؤخرا حتى امريكا لا تقبل منح تاشيرة الدخول لمن يقدم تقريرا طبيا يثبت اصابته بهذا المرض.

في العراق كل شيء هو عبارة عن (مزحة كبيرة).. وهذا التعبير اطلقه رئيس القائمة العراقية اياد علاوي في وصف اتهام المالكي لطارق الهاشمي.

تعودنا من القائمة العراقية على الكثير من التصريحات التي يقترب الكثير منها من المزاح الاسود والمر الذي يربك اوضاعنا الامنية والسياسية.. حيدر الملا يصرح من جهة، وميسون الدملوجي تصرح من جهة اخرى فلا رقابة او رقيب على الفضاء الاعلامي.

وتعودنا على الشرر المتطاير من تصريحات القائمة العراقية والذي شاهدناه ينعكس اكثر من مرة على هدوء الشارع العراقي.

وكلنا نتذكر تلك التصريحات التي هددت بعودة العنف الطائفي او الاقتتال الاهلي اذا لم تشكل القائمة العراقية الحكومة.. وكلنا نتذكر التهديد بعودة العنف اذا لم يتسلم علاوي منصبه الاستراتيجي.. وغيرها الكثير.

وكلنا نتذكر (المزحة الكبيرة) كلما دافعت القائمة العراقية عن مشعان الجبوري او محمد الدايني او قاتل عروس الدجيل.

ونتذكر المزحة الكبيرة في الحملة على البعثيين التي تمت قبل مدة قصيرة.. والتي لم تمس احد اقاربي وهو بدرجة عضو شعبة لانه لم ينخرط في تنظيمات البعث الجديدة.

نتذكر (المزحة الكبيرة) في كل تهديد تطلقه العراقية لتعطيل العملية السياسية وهي التي كانت قاب قوسين او ادنى من رئاسة الجمهورية لاياد علاوي ورئاسة البرلمان لمحمود المشهداني الا ان منصب رئيس الوزراء اكثر اغراءا من منصب رئيس الجمهورية بالنسبة لرئيس القائمة.

نتذكر (المزحة الكبيرة) حين نقرأ الانشقاقات المتتالية للقائمة العراقية والتي لم تستطع ان تحافظ على زخمها الذي خرجت به من الانتخابات الاخيرة.. لتتحول الى كتل بيضاء وزرقاء وحمراء وجميع الوان الطيف الشمسي... فعلا هي (مزحة كبيرة) كل تصريح اطلقته وتطلقه القائمة العراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/كانون الأول/2011 - 30/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م