في ذكرى جريمة سامراء: إصرار أعمى على استمرار الجرائم التكفيرية

شبكة النبأ: في مثل هذا الوقت من كل عام، نعيش ذكرى جريمة سامراء النكراء التي طالت المرقدين العسكريين المطهرين في هذه المدينة التي تشرفت بوجود الإمامين المعصومين في ثراها المطهّر، وقد حدثت هذه الجريمة الشنيعة على يد التكفيريين المجرمين، الذين طالما حاولوا تفصيل الدين والشرع والأحكام الإلهية، على مقاساتهم وأذواقهم وأفكارهم التي أقل ما يُقال عنها، بأنها خالية من النزعة الإنسانية التي تدعو إليها فطرة الإنسان، ناهيك عن التعاليم السمحاء التي جاءت بها كل الأديان السماوية، وثبتتها الأعراف والتقاليد البشرية لعموم المجتمعات البشرية.

فبعد أعوام متتالية مرت على وقوع هذه الجريمة البشعة، يلاحظ المراقبون أن النهج التكفيري العدواني ضد الشيعة وطقوسهم ومعتقداتهم لا يزال قائما، بل تصاعدت وتيرة العنف ضد هذه الطائفة، لدرجة أن بعض المفتين في السعودية، صار يدعو جهارا نهارا الى (الجهاد) ضد الشيعة، وكأن هؤلاء المفتين وسواهم من أرباب الفتن والتناحر، لا يرون اليهود الغاصبين لأرض العرب والمسلمين في فلسطين المحتلة، كي يكون هذا الاغتصاب سببا كافيا للجهاد من اجل المسلمين وحقوقهم، فتميل بوصلة التكفير الى الجهاد ضد الشيعة، وهو أمر يدل من دون أدنى شك، على التعصب الاعمى والجهل القاتل الذي يدفع زمرة التكفيريين الى الايغال بمنهج العدوان، والتجاوز على حرمة ارواح المسلمين وممتلكاتهم، من خلال عمليات التفخيخ والتفجير والقتل التي تطال الشيعة، أو من يتعارض مع نهج التكفير، بشتى الوسائل والسبل للنفوس التي حرّم الله تعالى قتلها.

لقد كان المتوقَع من هؤلاء بعد ارتكابهم للجريمة النكراء في سامراء، وما أفرزنه هذه الجريمة من تداعيات خطيرة على الواقع الاسلامي عموما، في العراق وسواه، كان المتوقَع أنهم سوف يستوعبون الدرس جيدا، ويتركون أساليب التكفير والتجاوز على الآخرين جانبا، لكن الوقائع كلها تشير الى أن هؤلاء لا يهمهم سوى تحقيق أهدافهم المنحرفة، وذلك من خلال تكفير الآخرين، وفرض اجتهاداتهم وآرائهم وجعلها السائدة والقائدة للآخرين، مع نسف وإبطال كل الاجتهادات والافكار الاخرى.

وهذا منهج متعصب، بل أعمى يعيد المسلمين الى الروح القبلية التي كانت قائمة في واقع ما قبل الاسلام، ما يعني نسف الانجازات العظيمة للاسلام والمسلمين، والعودة بهم الى اوضاع ما قبل الرسالة النبوية المشرفة، التي نقلت المسلمين من دجى الظلام والجهل والحرمان، الى رحاب النور والعلم والتطور، حتى تأسست وتكونت أعظم دولة اسلامية في التأريخ، واستطاعت أن تنشر نور الاسلام في ربوع الارض، لتهدي الجميع الى الجادة الصواب، فيما نلاحظ الاصرار الاعمى للتكفيريين، على تكريس منهج الفرقة بين المسلمين، وإثارة الفتن بين المكونات والمذاهب الاسلامية، من خلال فرض الاجتهاد او الفكر الأوحد على الآخرين، وهو نهج لا يتطابق مع الفكر الاسلامي وما جاء فيه، حول فلسفة عدم الإكراه التي تمنع من فرض الافكار على الآخرين حتى لو كانت دينية محضة.

لهذا ينبغي أن تتضاعف الجهود الاسلامية في عزل الزمر التكفيرية، ومحاصرة الجهات التي تنتهج التعصب الأعمى كطريق في التعامل مع الحياة، لأنه منهج قاصر يهدف الى تحجيم الفكر والابداع والبحث عن السبل التي تواكب التطور ومجريات العصر، أما الانعزال والتقوقع ومحاولات إعطاء الاسلام صورة وجوهرا مشوها من خلال الانغلاق والتكفير، فإن خطورة هذا المسار تحتم على المسلمين جميعا التحرك الفوري لفضح النهج التكفيري، ولابد أن توضع الخطوات العملية الملزمة التي تحمي الأقليات وتسمح للمذاهب بممارسة طقوسها وعقائدها في ظل مدرسة الاسلام العظيمة، التي يمكنها استيعاب الافكار الانسانية الايجابية مهما تنوعت أو تعددت.

لذا فإن ذكرى تفجير المرقدين الشريفين في سامراء، ينبغي أن تبقى منطلقا دائما لفضح الارهاب والتكفير، وعزل الزمر التي تدّعي الاسلام وهو منها براء، كما ينبغي العمل المتواصل من لدن المسلمين جميعا، على نشر روح المودة والتحاب بين طوائفهم كافة، إستنادا الى التعاليم الوارة في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وسيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام أجمعين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/كانون الأول/2011 - 25/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م