العراق ما بعد أمريكا... بداية التطهير أم تصفية حسابات؟

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تصاعدت وتيرة الأزمة السياسية في العراق بعد ازاحة الستار عن تورط شخصيات سنية رفيعة المستوى بدعم الهجمات المسلحة وتمويل الارهاب، لتشكل انعطافة كبيرة قد تعيد تشكيل وجه الخارطة السياسية من جديد، بالتزامن مع انسحاب آخر القطعات الامريكية من تلك الدولة.

كما كان لشن رئيس مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي لحملة قاسية على معارضيه أشارة واضحة لطبيعة الدعم الذي بات يحظى به من قبل البيت الابيض، خصوصا بعد ان استطاع بحسب التسريبات الأخيرة التي تناولت اجتماعاته في واشنطن، نجاحه في تعزيز الثقة ورسم صورة راسخة عززت من نفوذه.

ويرجح بعض المتابعين توجه ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه المالكي باستبدال شركائه في ائتلاف العراقية بشركاء جدد سبق وان اعلنوا انفصالهم عن الأخيرة، بعد ان ضاق ذرعا بسياسة العراقية المنفلتة، والتي تسهم في عرقلة سير العملية السياسية بحسب قياديي إئتلاف دولة القانون.

فيما يشير البعض الى ان المالكي بدء مرحلة تطهير مهمة قد تسفر عن قطع الطريق على التدخلات الاقليمية من قبل بعض دول الخليج وتركيا، التي تساهم بحسب اتهمات عراقية بزعزعة الامن الداخلي ومحاولة اضعاف البلاد.

مذكرة توقيف بحق الهاشمي

فقد اتخذت الازمة السياسية المستجدة في العراق منحى خطيرا بعدما اصدر القضاء العراقي مذكرة توقيف بحق نائب الرئيس طارق الهاشمي على خلفية "قضايا تتعلق بالارهاب". ووسط التحذيرات من احتمال انهيار العملية السياسية في البلاد، اعلن نائب رئيس الوزراء العراقي صالح المطلك لوكالة فرانس برس ان ائتلاف "العراقية" قرر مقاطعة جلسات الحكومة بعد يومين من اعلانه مقاطعة جلسات البرلمان.

وقال مصدر قضائي عراقي رفيع المستوى ان "هيئة قضائية خماسية اصدرت مساء اليوم مذكرة اعتقال بحق الهاشمي وفق للمادة 4 ارهاب"، وهو ما اكده مصدر امني رفيع المستوى.

وجاء ذلك في وقت كانت تعرض قناة "العراقية" الحكومية ما ذكرت انها "اعترافات لافراد حماية الهاشمي" بشان ارتكاب "اعمال ارهابية"، حيث تحدث ثلاثة اشخاص عن قيامهم بمهمات اغتيال وزرع عبوات ناسفة قالوا انها كانت بتكليف من الهاشمي واحد مساعديه الكبار.

وكان مصدر امني رفيع المستوى ابلغ فرانس برس في وقت سابق ان "لجنة قضائية خماسية قررت منع سفر طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، وعدد من افراد حمايته على خلفية قضايا تتعلق بالارهاب".

وكانت السلطات العراقية ارغمت الهاشمي على مغادرة طائرة بسبب وجود مذكرتي توقيف بحق اثنين من حراسه الشخصيين، قبل ان يجري توقيفهما ويسمح للهاشمي بالسفر الى السليمانية في اقليم كردستان في شمال البلاد.

من جهته اصدر الهاشمي وهو قيادي في قائمة "العراقية" البرلمانية بيانا اعلن فيه ان القوات الامنية اعتقلت ثلاثة ضباط من افراد حمايته، مطالبا باطلاق سراحهم كونه "تم احتجازهم في غياب اوامر قضائية ورسمية للقبض عليهم".

واوضح البيان الذي نشره موقع الرئاسة العراقية على الانترنت ان "مضايقات متعمدة تعرض لها الهاشمي في مطار بغداد الدولي مساء الاحد مما اخر اقلاع الطائرة العراقية المتوجه الى السليمانية لمدة ثلاث ساعات".

في هذا الوقت، اعلنت قائمة "العراقية" التي يقودها رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي مقاطعة جلسات الحكومة. وقال صالح المطلك ان "قائمة العراقية قررت اليوم مقاطعة جلسات مجلس الوزراء". واضاف ان قرار قائمة "العراقية" (82 نائبا من بين 325) التي تشغل ثمانية مقاعد وزارية في الحكومة المؤلفة من 31 وزيرا جاء "لضمان الا يتوجه البلد نحو كارثة كبيرة اذا استمرت ديكتاتورية السيد (نوري) المالكي"، رئيس الوزراء. وجاء ذلك بعد يومين من اعلان القائمة العراقية تعليق مشاركتها في اجتماعات مجلس النواب اعتراضا على "التهميش".

وقالت المتحدثة الرسمية باسم "العراقية" النائبة ميسون الدملوجي اليوم انه "رغم مرور اكثر من عام على تشكيل الحكومة، لا يزال النظام الداخلي لمجلس الوزراء غير موجود (...) مما يؤدي الى حصر الصلاحيات بيد رئيس مجلس الوزراء بشكل فردي". بحسب فرانس برس.

وفي وقت سابق، قرر البرلمان العراقي تأجيل جلسة مخصصة لمناقشة طلب رئيس الوزراء العراقي "سحب الثقة" من نائبه صالح المطلك، بحسب ما افاد مصدر برلماني لفرانس برس.

واوضح المصدر ان "البرلمان قرر تاجيل جلسة مناقشة سحب الثقة من صالح المطلك حتى بداية العام المقبل بسبب عدم اكتمال النصاب".

وكان المستشار الاعلامي للمالكي علي الموسوي اعلن الاحد ان "رئيس الوزراء قام بتوجيه رسالة رسمية الى مجلس النواب للمطالبة بسحب الثقة من صالح المطلك". وجاء ذلك على خلفية قول المطلك في مقابلة تلفزيونية ان واشنطن تركت العراق "بيد ديكتاتور يتجاهل تقاسم السلطة ويسيطر على قوات الامن في البلاد وقام باعتقال مئات الاشخاص خلال الاسابيع الماضية".

كما قال في مقابلة اخرى ان "المالكي ديكتاتور اكبر من صدام حسين لكون صدام كان يبني اما هو فلم يقم بشيء".

ويتولى المطلك منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، ويعد احد زعماء القائمة "العراقية" التي يقودها رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي، الخصم السياسي الابرز للمالكي.

وتنذر الازمات السياسية المستجدة هذه بمواجهات سياسية داخلية جديدة تاتي بالتزامن مع انسحاب اخر الجنود الاميركيين من العراق، وذلك بعد نحو تسع سنوات من اجتياح البلاد لاسقاط نظام صدام حسين في اذار/مارس 2003.

وقد دعا نوري المالكي اليوم "جميع العراقيين إلى التمسك بالوحدة الوطنية بعد الانجاز الوطني الكبير الذي تحقق بانسحاب القوات الاميركية من البلاد". واكد في بيان "اهمية الرجوع الى الدستور في حل جميع الخلافات"، مشددا على "ضرورة الالتزام بالثوابت الوطنية التي من اختصاص الحكومة المركزية وهي السيادة والامن والعلاقات الخارجية والثروات الوطنية".

وحذر من جهته رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني من "انهيار" العملية السياسية، داعيا الى عقد "مؤتمر وطني عاجل".

وكان رئيس كتلة "الاحرار" النيابية المنتمية الى التيار الصدري بهاء الاعرجي اعلن في وقت سابق في بيان ان "الحوارات مستمرة للخروج من الازمة الحالية باسرع وقت لان الظرف مهم ومعقد مع انسحاب القوات المحتلة". وتابع "لا نريد ارسال رسالة خاطئة للعالم بعد انسحاب القوات المحتلة بان من كان يمسك زمام الامور هو المحتل، وهذه رسالة معيبة للجميع".

ازمة سياسية

الى ذلك ودعت قائمة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي والسياسي الابرز المنافس لرئيس الحكومة نوري المالكي "الى عقد طاولة حوار فورا لايجاد حلول ناجعة وحقيقية تعزز المسار الديموقراطي وبناء دولة المؤسسات المدنية".

واوضح مصدر برلماني ان قرار قائمة العراقية اعقب "اجتماعا عقد، وجاء اعتراضا على حكومة (نوري) المالكي". وانتقد رئيس "التحالف الوطني" ابراهيم الجعفري قرار "العراقية"، وقال في كلمة امام البرلمان "لماذا ننحر الاهداف الرائعة (...) العراق صفى ملفات القوات الاجنبية ولم ينه العقد الواحد، انه انجاز رائع العالم يفخر به".

ودعا النائب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان الى ايجاد "مبادرة قوية لحلحلة المشاكل بين الاطراف السياسية (...) يجب ان تكون هناك مبادرة بعد الانسحاب لان عليهم (القادة السياسيون) مسؤولية". وتابع "اما ان نكون شركاء ونبحث عن حلول او لا ، لا يمكن ان نتلاعب بمشاعر الناس". كما انتقد قول نائب رئيس الحكومة صالح المطلك في مقابلة صحافية ان "المالكي ديكتاتور ظالم، واسوء من صدام حسين".

ويتولى المطلك منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، ويعد احد زعماء القائمة العراقية التي يقودها رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي، المنافس السياسي الابرز لنوري المالكي.

ويشار الى ان المطلك كان ممنوعا من المشاركة في الانتخابات بسبب شموله بقانون المساءلة والعدالة المتعلق بحظر عمل مسؤولي حزب البعث المنحل، الا ان صفقة سياسية لتسهيل عملية تشكيل الحكومة سمحت له بتسلم منصبه الرسمي.

وتاتي الازمة السياسية المستجدة هذه في وقت تعمل القوات الاميركية على الانسحاب من البلاد التي اجتاحتها عام 2003، وهي عملية من المفترض ان تتم بحلول نهاية العام الحالي. وكان العراق تسلم الجمعة آخر القواعد العسكرية التي شغلها الاميركيون منذ الاجتياح. وتضاف ازمة تعليق القائمة العراقية لعضويتها في البرلمان، الى ازمة سياسية اخرى تتمثل في مطالبة محافظات بالتحول الى اقاليم مستقلة، وهو ما يثير انقسامات بين المسؤولين العراقيين.

وقد واصل مئات العراقيين السبت التظاهر في ديالى شمال شرق بغداد، لليوم الخامس على التوالي تعبيرا عن رفضهم لقرار اعضاء في مجلس المحافظة المطالبة بالتحول الى اقليم مستقل.

وكان اعضاء في مجلس محافظة ديالى وكبرى مدنها بعقوبة (60 كلم شمال شرق بغداد) اعلنوا الاثنين الماضي انهم جمعوا تواقيع 15 من بين 29 من اعضاء المجلس للمطالبة بتشكيل اقليم.

ودفعت التظاهرات الغاضبة محافظ ديالى عبد الناصر المهداوي وعددا كبيرا من اعضاء مجلس المحافظة الى الفرار الى اقليم كردستان العراق الشمالي.

وكان مجلسا محافظة صلاح الدين ومحافظة الانبار اللتين تسكنهما ايضا غالبية سنية، اعلنا في وقت سابق عن سعيهما للتحول الى اقليم. وتنص المادة 119 من الدستور العراقي على انه "يحق لكل محافظة او اكثر، تكوين اقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم باحدى طريقتين: اولا، طلب من ثلث الاعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم"، و"ثانيا: طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم".

وسبق وان اعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وهو شيعي، عن رفضه لتشكيل اقاليم في هذه المرحلة، فيما ايد رئيس البرلمان اسامة النجيفي، السياسي السني المنتمي الى قائمة "العراقية"، دعوات مماثلة.

مقتدى الصدر يدعو السياسيين العراقيين لتوقيع "ميثاق شرف"

اعلن متحدث باسم زعيم التيار الصدري الشيعي مقتدى الصدر السبت عن دعوة وجهها الصدر الى جميع الاطراف العراقية لتوقيع "ميثاق شرف وطني" لبناء عراق جديد بعد خروج القوات الاميركية.

وقال صلاح العبيدي في تصريح وزعه مكتب الصدر في النجف للصحافيين ان "الصدر يدعو كافة الاطراف العراقية، السياسية والاجتماعية والعشائرية والعلمانية، للتوقيع على ميثاق شرف وطني يكون صفحة جديدة للعراق بعد خروج قوات الاحتلال".

واوضح ان "هذا الميثاق يدعو الى الحوار والتسالم والتوافق لبناء العراق الجديد". واضاف ان "الصدر سيعلن تفاصيل هذا الميثاق والجهات التي ستوجه الدعوة اليها في مؤتمر صحفي قريبا".

واشار العبيدي الى ان "فقرات هذا الميثاق قابلة للنقاش والحوار مع جميع الاطراف للوصول الى رؤية موحدة من اجل التوقيع والالتزام بالميثاق". وستتولى شخصيات من التيار الصدري وكتلة الاحرار (التابعة للتيار الصدري) في مكتب النجف لقاء الاطراف المعنية لايصال تفاصيل هذا الميثاق، وفقا للعبيدي.

ولم يستطع السياسيون العراقيون التوصل الى اتفاق لمعالجة كثير من الامور بينها تسمية وزيري الداخلية والدفاع، رغم تشكيل الحكومة الحالية قبل حوالى عام. كما يعاني العراق من ازمات سببها صراعات سياسية داخلية واخرى خارجية، ادت الى عدم استقرار البلاد امنيا واقتصاديا وسياسيا وعدم التوصل الى معالجات لكثير من المشاكل.

اضطهاد الحكام الجلادين

من جانب آخر اكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ان العالم يتحمل مسؤولية وقف حملات العنف التي يمارسها "الحكام الجلادون" بحق شعوبهم. وقال المالكي في كلمة القاها خلال حفل نظمته وزارة الداخلية العراقية لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان "لماذا حتى الان تنتهك حقوق الانسان (...) واخطر هذه الانتهاكات هي انتهاك الدول للدول".

واوضح "انتهاك دولة لدولة بمعنى انها لا تقيم لها وزنا لا على مستواها الوطني ولا الانساني، وعلى هذه الطريق يذبح عشرات ومئات الاف الابرياء". واستدرك المالكي "ربما يرد علي (...) بالقول: كيف نعمل للحاكم الجلاد الظالم؟، نعم العالم ينبغي ان يتحمل مسؤولية في ايقاف هكذا حملات عنف واضطهاد لحاكم جلاد على شعبه".

وتابع "مع اننا ناسف ان العالم لم يقف معنا يوم كان الجلاد قد ولغ في دماء العراقيين الى اقسى الدرجات (....) اتمنى على الشعب العراقي، الا يحقد على الذين لم يقفوا معه حينما كان ضحية للجلاد". وختم بالقول "رغم اننا قد قسى علينا الجلاد، لكننا ندعو الى احترام حقوق الانسان في بلدنا والبلدان الاخرى". وتشهد عدة دول عربية حركات احتجاجية غير مسبوقة ضد انظمة تحكمها منذ عشرات السنين.

حمام الدم

من جهته قال إياد  علاوي رئيس القائمة العراقية إن هناك ثلاثة شروط لإخراج الوضع الحالي في العراق من أزمته: أولها إطلاق عملية سياسية شاملة وجامعة بعيدا عن الطائفية والإقصاء، وثانيا بناء الدولة العراقيةـ لأن ما يوجد اليوم في العراق هو حكومة وليس دولة بالمعنى الحديث للكلمة، وثالثا تكثيف الجهود لمواجهة قوى التطرف التي يتصاعد حضورها وقوتها في المنطقة.

إياد علاوي قال إن ما يحدث في دول الجوار له انعكاس مباشر على الوضع داخل العراق، مشيرا إلى أن حمام الدم في المنطقة يجب أن يتوقف، وأنه أرسل مبعوثا رفيعا إلى الرئيس الأسد يدعوه إلى الالتزام بالخطة العربية ومحاسبة المسؤولين على حمامات الدم.

في اتجاه إيران قال علاوي إن طهران اعترضت على أن يكون هناك رئيس وزراء عراقي من القائمة العراقية، ولعبت دورا كبيرا في تغيير الخارطة السياسية في العراق، وأن العلاقات المتوازنة بين العراق وإيران يجب أن تبنى على حسن الجوار وعدم التدخل في السياسات الداخلية للبلدين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/كانون الأول/2011 - 24/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م