حماس: بين السياسة المرنة والأيديولوجيا الجامدة!

د. عادل محمد عايش الأسطل

منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في أوائل عام 2006، كانت اتخذت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، و"إسرائيل" موقفاً معادياً منها، وذلك على خلفية الأيديولوجيا التي تعتمدها الحركة منذ نشأتها في العام 1987، والتي تدور عناوينها، حول إنكارٍ تام ومطلق، لوجود دولة "إسرائيل"، وعدم الإيمان بجدوى المفاوضات معها، واعتماد مبدأ المقاومة بكافة أشكالها، وعلى رأسها المقاومة المسلحة، الأمر الذي دعا الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة و"إسرائيل" من اعتبار الحركة "منظمة إرهابية" يجب عزلها ومحاربتها، إلى حين موافقتها على متطلبات السلام، التي كانت وافقت عليها منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة حركة "فتح"، وهو ما لم توافق عليه حركة "حماس"، مما اضطر "إسرائيل" وبدعم من الغرب والولايات المتحدة، بتنفيذ إجراءات عقابية مختلفة، والتي بدأت من خلال تنفيذ إجراءات حصار مالي، ومقاطعة اقتصادية مشددة على القطاع، طالت جميع فئات الشعب الفلسطيني، وعلى مختلف أطيافه بما فيها حركة " فتح"، التي كانت تتزعم الاتجاه التفاوضي، بغية إنهاء الصراع مع الجانب الإسرائيلي.

وفي ضوء ذلك الحصار، والوقائع الإسرائيلية العسكرية العدوانية المتواصلة، على الشعب الفلسطيني، التي كان لها الأثر في مضاعفة تأجيج الأوضاع العدوانية، لدى الكثيرين من الشعب الفلسطيني، ومن ناحيةٍ أخرى، اختلاف الأيديولوجية الحزبية، لدى عدد من الحركات السياسية على الساحة الفلسطينية، وخاصة بين حركتي فتح وحماس، إضافةً إلى تراكمات خلافية وصراعية أخرى، قامت على أثرها حركة "حماس" بالسيطرة على قطاع غزة، في أواسط عام 2007، الأمر الذي جلب المزيد من عدم تفهم أي طرف للآخر، تبعتها تأثيرات متعددة ومختلفة، امتدت ظلالها داخلياً، لتطال مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاجتماعية وأيضاً تأثيراتها الخارجية، وخاصةً فيما يتصل بالجانب الإسرائيلي، من حيث العلاقة الصراعية مع هذه الحركة بالذات، من حيث تصدرها للمشهد الفلسطيني الرافض، للعملية السلمية، وخاصةً على النمط التي تعتمده، وترعاه الولايات المتحدة، من حيث عدم نزاهتها، ومن حيث الطروحات الإسرائيلية كونها، لا تلبِ الحد الأدنى، من تطلعات الشعب الفلسطيني، وخاصةً التي اتسمت بها المفاوضات، التي كانت جرت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي،  منذ نحو 20 عاماً، دون تحقيق شيء يذكر.

وبغض النظر عما آلت إليه الأمور في العلاقة، التي كانت تتاًزم يوماً بعد يوم، بين كل من الحركتين " فتح وحماس"، من حيث تكريس الصراع الدائر بينهما "إعلامياً"، من حيث تحميل كل حركة الأخرى، بالتسبب فيما آلت إليه الأمور، وازدادت تفاقماً "مادياً" في تبادل الاعتقالات السياسية المبررة وغير المبررة، من طرف كلا الفريقين، والتي كانت تداعياتها قد أثّرت بالغ الأثر، على صميم العائلة الواحدة، ولكن وبغض النظر فيما إذا كانت حركة "حماس" قد حققت إنجازات سياسية أو اقتصادية، منذ إحكامها على القطاع، فإنها كحركة وعلى هذا الحجم والقوة، وبالرغم مما أصابها، خلال عملية الرصاص المصبوب للجيش الإسرائيلي، على القطاع، الذي استهدفها في الأساس الأول للقضاء عليها، كانت قد اكتسبت بعض التعاطف سواءً كان في الداخل أو في الشتات، وسواءً كان فلسطينياً أو عربياً، لا سيما بين الشعوب، كذلك فإن العملية المتعلقة بإتمام صفقة الأسرى، بينها وبين الجانب الإسرائيلي، الذي كان له تأثيراً ظاهراً، على تسمين شأنها من قبل الشارع الفلسطيني، إضافةً إلى أن الثورات العربية منذ أواخر العام الماضي، كانت خدمت حركة "حماس" بشكلٍ أخر يوصف بالجيّد، لا سيما وأن أغلبية الثورات العربية، جاءت بالإسلاميين، وخاصةً جماعة "الإخوان المسلمين" التي تعتبر "حماس" تابعةً لها، حيث أزاحت تلك الثورات الأنظمة الحاكمة لتلك الدول، التي كانت تعادي الحركة.

أيضاً كان لهذه الثورات العربية، التي انعكست أنفاسها بلا شك، بشكل إيجابي على حركة "حماس"، كانت أعادت علاقة الدول العربية، مع الاحتلال الصهيوني، إلى طبيعتها الأولى كعدو غاصب ومحتل، وأن القضية الفلسطينية عادت إلى امتدادها العربي والإسلامي.

وحتماً وما دام الأمر كذلك، فإن تلك العوامل ستزيد من قوتها، ويدعمها في الظرف الحالي الداخلي الفلسطيني، الذي شعر بانتعاشة اقتصادية واضحة وخاصةً في الآونة الأخيرة، من ناحية، وأنها هي ذاتها ستشعر بتلك القوة، التي تأمل أن تساعدها تلك العوامل، في الانتخابات الفلسطينية، في حال جرت هذه الانتخابات في موعدها، بعد مضي فترة من الزمن، كانت وصلت أرصدة الحركة، إلى مستويات متدنية، خلال الاستطلاعات التي كانت تجريها بعض المؤسسات ووسائل الإعلام الأخرى.

والآن، وبالنظر إلى تلك الوقائع والمعطيات، الشاخصة على الأرض بالنسبة للحركة، فربما المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة و"إسرائيل" والذين فرضوا المقاطعة الشاملة والحصار الخانق على الحركة وعلى القطاع، منذ فوزها في الانتخابات التشريعية، ربما سيكونون مجبرين، في ظل المتغيرات المتلاحقة، إلى تغيير طريقة تعاملهم مع الحركة، وربما في نهاية الأمر سيقبلون على الاعتراف بها وبالتعامل معها، على أمل إقناعها بتبني الخط السلمي المرغوب، والجنوح إلى المفاوضات، وإن كان ذلك بعيداً في الزمن المنظور، خاصةً وأن حركة "حماس" في كل يوم، وعاماً بعد عام، توضح ثباتها على منهجها المتشدد، اتجاه "إسرائيل" وخاصة برفض مقررات الرباعية الدولية، فيما يتعلق بنبذ العنف، والاعتراف بدولة "إسرائيل" وذلك توضح من خلال خطاب رئيس الوزراء في الحكومة المقالة "إسماعيل هنية" الذي ألقاه في ذكرى انطلاقتها الرابعة والعشرين، حين أكد بأن المقاومة المسلحة هي الطريق والخيار الاستراتيجي، لتحرير الأرضي الفلسطينية من "البحر إلي النهر"، وطرد الغزاة الغاصبين من فلسطين، وبأن الحركة لن تحيد عن الطريق، التي سلكتها منذ قيامها على يد مؤسسيها وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين.

وكان دعا إلى تعاون، من في الداخل مع عناوينها الرئيسية، وكان يشير إلى حركة "فتح" دون التصريح بالاسم، معللاً إلى أن الحركة، أضحت رقماً مهماً وواقعاً، لا يمكن لأحد أن يتجاوزه. وتبرز النبرة الأكثر تشدداً وتحدياً، حين دعا إلى تشكيل جيش القدس في عواصم الثورة، من أجل العمل لتحرير القدس والأقصى في أقرب وقت، وفي ذلك رسالة واضحة من قبل الحركة بجناحيها السياسي والعسكري، إلى أن المقاومة ستستمر، وبجميع أشكالها وعلى رأسها الكفاح المسلح حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين.

وعلى أية حال، فإن ما أوضحته حركة "حماس" من خلال تذكيرها المجتمعين، المحلى والدولي، بخطوطها السياسية العريضة، وبغض النظر فيما إذا قام الغرب و"إسرائيل" بتفهمها أو عدمه، فإن ذلك لا ينفي ومن باب أولى، أن يبادر الأطراف على الساحة الفلسطينية، إلى القيام بمسئولياتهم، نحو إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، لمواجهة العدو الصهيوني، ولتكن هذه المناسبة، منطلقًا إلى وحدة الصفوف، من أجل المصالحة الكافية الشافية، كونها أولوية قصوى لعموم الشعب الفلسطيني، وأيضاً لتفادي دخول المشروع الوطني، لمنعطفات طالما الشعب الفلسطيني يحذر الوقوع فيها، وذلك من خلال العمل الجاد، وتكثيف الجهود الوطنية الخالصة، لخلق بيئة مواتية، تبرز من خلالها روح المشاركة الفعالة، لتحديد مستقبل القضية الفلسطينية، وسبل تحرر الأرض والإنسان، لا سيما في ظل المتغيرات الهامة، التي تشهدها الساحات العربية والإقليمية والدولية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/كانون الأول/2011 - 23/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م