المتطرفون وصلوا

كاظم فنجان الحمامي

من الأسئلة المطروحة بقوة الآن في عموم العواصم العربية, السؤال الذي يقول: هل استسلمت الثورات العربية في مصر وليبيا وتونس للتيارات الإسلامية المتطرفة؟؟.

الجواب القطعي هو: نعم. لكنهم لا يثقون بجسور الديمقراطية التي سمحت لهم بالتسلق الى القمة, ولا يؤمنون بها, لأنها في نظرهم تشكل مخالفة صريحة لعقيدتهم المتشددة, فالديمقراطية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه, ويقول المتطرفون: (ان الأنظمة الديمقراطية لا تصلح لنا, ولا تنسجم مع تطلعاتنا), ومن لا يصدق هذه التوجهات الجديدة, يتعين عليه مراجعة تصريحاتهم, ويستمع لخطابات قادتهم الجدد, وينظر إلى تصرفاتهم التي لا تخلو من التطرف..

ظهر المتطرفون إلى السطح بعد زوال الأنظمة السابقة, فأخذوا يتصرفون وكأنهم هم الذين حرروا تونس والقاهرة وطرابلس من ثالوث (بن علي, ومبارك والقذافي), وتجاهلوا الجهد التعبوي واللوجستي والإعلامي الفعال الذي نهضت به الأطراف الداعمة لهم, والساعية لتجزئة وتفكيك البلاد العربية والإسلامية, والمتمثلة بأمريكا, وحلف الناتو, والمنظمات العالمية الخفية, وزعماء مجلس الدوما الخليجي, وفي مقدمتهم قطر, التي كانت أول من دق خوازيق الخطر في نعش العواصم العربية..

في ليبيا (مثلا) تصاعدت حدة النزاع على السلطة بين الليبراليين وقادة الأجنحة العسكرية المتطرفة, وعلى رأسهم (عبد الحكيم بلحاج), خصوصا بعد تسلمه شحنات الأسلحة القطرية, وتشكيله لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, التي نزلت إلى شوارع المدن المبعثرة لتطبق أحكام الشريعة في الهواء الطلق, ما ينذر بدخول البلاد في صراع مسلح لفرض واقع سياسي جديد تتحكم به المليشيات المسلحة المتطرفة..

وعلى الصعيد المصري, وقّع السلفيون والإخوان وجماعة التبليغ والدعوة, وجماعة الجهاد الإسلامي على ميثاق شرف لتنسيق المواقف السياسية بينهم, واتفقوا على صيغة موحدة لإدارة البلاد, ظهرت ملامحها المستقبلية في التصريحات التي أطلقتها بعض القيادات المتأسلمة, وجاء فيها: (أن شباب مصر لم يقوموا بالثورة لتطبيق شرع الله, ولم يقولوا أن نظام مبارك لا يحكم بشريعة الله), وقال بعضهم: (أن جميع الحكام العرب ليسوا مسلمين, وإنما هم كفار مرتدون, وليسوا كفارا أصليين كحكام الغرب), وتوعد بعضهم بإلزام النصارى الأقباط بدفع الجزية, والعمل على استيفاء مبالغ الزكاة من المسلمين بالقوة, والمسلم الذي لا يدفع الزكاة يقتل, أما النصراني إذا لم يدفع الجزية لا يقتل, وإنما يخرج من مصر, والأغرب من ذلك كله أنهم شرعوا منذ الآن بالتحضير لحملات الفتوحات الإسلامية, التي سيجتاحون فيها البلدان القريبة, أما إسرائيل فلا تعد في حساباتهم من البلدان الخاضعة للفتوحات المزعومة, فهي معفاة بأمر القيادات العليا في البنتاغون والناتو..

ترى ما الذي ستكون عليه أحوال الناس لو كانت هذه الحركات المتطرفة, هي التي اقتحمت حصون الأنظمة الاستبدادية الفولاذية في مصر وتونس وليبيا, وهي التي أسقطتها؟, وكيف سيكون مصير الشمال الأفريقي إذا أصبحت السلطات الثلاث بيد المليشيات الراديكالية المسلحة؟. أغلب الظن أن عقارب الزمن ستنقلب بنا, وتتراجع إلى الوراء لتعود بنا إلى العصور الهمجية الغابرة الممعنة بالتخلف..

والله يستر من الجايات..

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 18/كانون الأول/2011 - 22/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م