المالكي والخيار الأمريكي... رجل البيت الأبيض في المنطقة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يبدو ان الولايات المتحدة الامريكية باتت مقتنعة بجدوى وضع سلة بيضها الاكبر في حظن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، سيما وهي تقدم على سحب آخر قطعاتها العسكرية من ذلك البلد، واضعة حدا لحربها المكلفة التي امتدت على مدى السنوات الثمان الماضية.

حيث يرى معظم المتابعين ان البيت الابيض بات يرى في المالكي الشخص الامثل لنيل الثقة، بعد ان اثبت صلابة وشجاعة في التصدي للكثير من الازمات السياسية التي عصفت بالعراق، واستطاع النأي بذلك البلد عن حرب طائفية وانشقاقات سياسية كادت تطيح بالمشروع الامريكي دوم رجعة.

فيما يذهب بعض المحللين في آرائهم الى كون المالكي بات الشخصية الاكثر ثقة لدى الادارة الامريكية في المنطقة برمتها، وقد تسعى الولايات المتحدة الى اضفاء مقومات تعزز من وضعه في المستقبل.

المالكي يشكر واشنطن

فقد وعد الرئيس الاميركي باراك اوباما الاثنين بان تبقى الولايات المتحدة "الحليف الصلب والموثوق به" للعراق بعد رحيل اخر جندي اميركي من هذا البلد بنهاية العام الحالي، فيما قدم رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الشكر للولايات المتحدة على "ما قدمت والتزمت".

وقال اوباما في مؤتمر صحافي مشترك مع المالكي في البيت الابيض "خلال الايام المقبلة يغادر اخر الجنود الاميركيين العراق بشرف وبرؤوس مرفوعة. وبعد نحو تسعة اعوام، تنتهي هذا الشهر حربنا في العراق".

واعتبر الرئيس الاميركي ان انتهاء الوجود الاميركي في العراق سيتيح فتح "فصل جديد" في العلاقات بين البلدين، مضيفا "في الوقت الذي يواجه فيه العراق مستقبله، على العراقيين ان يعلموا انهم ليسوا وحدهم. ستجدون في الولايات المتحدة الشريك الصلب والموثوق به".

وفي تحذير ضمني لايران، حذر اوباما "دولا اخرى" لم يسمها من اي "تدخل" في شؤون العراق بعد انسحاب الجنود الاميركيين. وقال "نقيم شراكة (مع العراق) من اجل امن المنطقة، وكما ان العراق وعد بعدم التدخل في شؤون دول اخرى، على الدول الاخرى الا تتدخل" في الشؤون العراقية، مشددا على اهمية "احترام سيادة العراق".

وتزامن كلام اوباما مع اعلان البيت الابيض بيع 18 طائرة مقاتلة من طراز اف-16 اضافية الى العراق. وقال المتحدث باسم مجلس الامن القومي تومي فيتور "اليوم ابلغت الادارة الكونغرس بعزمها على بيع دفعة ثانية من 18 طائرة اف-16 الى العراق"، موضحا ان هذه الصفقة "تعكس ايضا التقدم الذي حققه العراق في ضمان امنه وتصميمه على حماية سيادته واستقلاله". بحسب فرانس برس.

واعتبر الرئيس الاميركي من جهة اخرى ان "التاريخ سيحكم" على قرار اجتياح العراق العام 2003، وذلك بعدما كان وجه انتقادا شديدا لهذا القرار الذي اتخذه سلفه الجمهوري جورج بوش. واضاف "الا ان ما هو بديهي اننا بفضل تضحيات هائلة قدمها جنود ومدنيون اميركيون وبفضل شجاعة العراقيين اصبح هناك عراق يحكم نفسه بنفسه ولديه امكانات هائلة".

من جهته، قدم المالكي "الشكر" للولايات المتحدة مع قرب انتهاء انسحاب القوات الاميركية من بلاده، مشددا على ان "الالتزام المشترك" بين البلدين هو الذي انهى الحرب. وقال المالكي في المؤتمر الصحافي نفسه "نقدم الشكر والتقدير على ما قدمتم والتزمتم". واضاف المالكي مخاطبا الرئيس الاميركي "شكرا على اجواء الحوار الايجابي الذي جرى بيننا" مضيفا "بالالتزام المشترك انهينا الحرب وبالالتزام المشترك تمت عملية انسحاب القوات الاميركية من العراق".

واعتبر ان هذا الانسحاب "يؤشر على النجاح وليس كما اراد ان يصوره البعض سلبيا". وتابع المالكي "ان الاهداف التي وضعناها نصب اعيننا تحققت، فتحققت للعراق عملية سياسية بنهج ديموقراطي وتم اعتماد مبدأ الانتخابات والتداول السلمي للسلطة".

واضاف "لم يتصور احد اننا سننجح في هزيمة القاعدة والارهاب، والعراق اصبح اليوم يعتمد على اجهزته الامنية في تثبيت امنه نتيجة الخبرة التي حصل عليها". واكد ان العراق "يبقى بحاجة الى التعاون مع الولايات المتحدة في القضايا الامنية والمعلومات ومكافحة الارهاب ومجال التدريب والتجهيز".

واعتبر ان العراق "يحتاج ايضا الى تعاون سياسي" مع الولايات المتحدة "يتعلق بالامور التي تهمنا" من دون ان يشير اليها.

وبعد المؤتمر الصحافي توجه اوباما برفقة المالكي الى المقبرة الوطنية في ارلينغتون حيث دفن نحو 4500 جندي اميركي قتلوا في العراق منذ بدء الحرب في هذا البلد التي اودت بحياة اكثر من مئة الف مدني عراقي اضافة الى نحو 20 الف جندي عراقي. ولا يزال في العراق حاليا نحو ستة الاف جندي وموظف مدني اميركي من اصل 170 الف جندي خلال العامين 2007 و2008.

حصانة جزئية

في سياق متصل لمَح أسامة النجيفي رئيس البرلمان العراقي الى ان البرلمان قد يوافق على منح "حصانة جزئية" لقوات عسكرية أجنبية للعمل في العراق ابتداء من العام المقبل وهو أمر قد يكون من شأنه حل خلاف يحول دون إيجاد غطاء قانوني لبقاء قوات أجنبية في العراق بعد نهاية العام.

وبرغم إجراء محادثات مُطولة لم تتمكن الحكومة العراقية والادارة الامريكية حتى الآن من الاتفاق على صيغة قانونية تضمن بقاء قوات أمريكية في العراق بعد نهاية العام بسبب الخلاف على موضوع الحصانة. وتصر الإدارة الامريكية على الحصول على الحصانة لجنودها كشرط لبقاء أي من قواتها في العراق بعد نهاية العام وهو شرط ترفضه الحكومة العراقية.

وكبديل لذلك حاولت الحكومة العراقية في الفترة الماضية الاتفاق مع حلف شمال الاطلسي الذي له قوات في العراق منذ العام 2004 لمساعدة وتدريب القوات العراقية. لكن هذه المحالاوت لم يكتب لها النجاح بسبب اصرار الحلف على الحصول على حصانة لاي من قواته العاملة في العراق بعد نهاية العام.

ورغم اعلان الحلف انتهاء "المهمة التدريبية" لقواته في العراق فقد قال النجيفي ردا على سؤال عن مدى استعداد البرلمان لمنح قوات الحلف للعمل بدل عن القوات الامريكية في العراق "المشكلة في الحصانة."

وقال النجيفي في مؤتمر صحفي ان "الحصانة الجزئية" قد توفر أرضية لحل وسط للحكومة العراقية في إجراء مفاوضاتها في هذا الشأن من أجل التوصل الى "اتفاقية جديدة". واضاف "لكن البرلمان لا يتوجه الى منح حصانة قضائية كاملة لأي جندي أجنبي على أرض العراق."

وكان قادة عراقيون من ضمنهم رئيس الجمهورية جلال الطالباني قد عبروا عن القلق من عدم اكتمال جاهزية القوات العسكرية العراقية وخاصة في مجال الدفاع الجوي والبحري. وانتقد الطالباني الشهر الماضي المباحثات التي انتهت بالخلاف على منح المدربين الامريكيين الحصانة لضمان بقائهم في العراق مشيرا الى "عدم وجود تقدير صحيح لضرورة وجود المدربين الامريكان في العراق". وقال الطالباني في تصريحات تلفزيونية ان المالكي سيحاول في زيارته لواشنطن ايجاد حل لمشكلة المدربين. بحسب رويترز.

واشار حيدر العبادي النائب والقيادي في حزب الدعوة الذي يقوده المالكي ان زيارة المالكي لواشنطن سينتج عنها توقيع عدد من مذكرات التفاهم وانها ستبحث في جوانب عسكرية من ضمنها ايجاد وسيلة "تضمن للعراق حماية أجوائه والسيطرة عليها". وقال العبادي ان المالكي سيعرض على الامريكيين منح مدربيهم "حماية قانونية" مضيفا انها توفر لهم نوعا من الحماية لكنها تختلف عن الحصانة التي يطالب بها الامريكيون.

وتأتي هذه التطورات مع اعلان حلف شمال الاطلسي انتهاء "مهمته التدريبية" في العراق بعد سبع سنوات من الوجود العسكري. وقال الحلف في بيان في موقعه على الانترنت انه باشر سحب قواته من العراق وسيكمل هذا الانسحاب بحلول 31 ديسمبر كانون الاول وهو تاريخ انتهاء التفويض الجاري.

وقال البيان "رغم المفاوضات المكثفة التي استمرت لأسابيع والتي كانت تهدف الى تمديد البرنامج الناجح الا ان هذه المباحثات لم يكتب لها النجاح." لكن العبادي قال ان المباحثات مع الحلف انتهت الى الفشل بسبب اصرار الحلف على الحصول على الحصانة الكاملة لقواته.

القوات العراقية

الى ذلك لا يتمتع العراق بدفاع جوي يذكر كما أن سيطرته على الحدود محدودة علاوة على أنه لم ينجح حتى الان في كبح المتشددين السنة والميليشيات الشيعية لهذا فقد تعتمد البلاد على مساعدة الجيش الامريكي لسنوات قادمة على الرغم من أن معظم القوات الامريكية ستكون قد رحلت عن العراق بحلول ديسمبر كانون الاول.

ويقول محللون ان التهديدات الخارجية الحالية قليلة في ظل انتفاضات الربيع العربي والمواجهة النووية مع ايران وبهذا قد تكسب القوات العراقية وقتا لاعادة البناء والتسلح.

في عهد صدام كان قوام الجيش 700 الف جندي وضمت القوات الجوية 40 الف طيار يقودون مقاتلات ميراج الفرنسية وميج السوفيتية لكن الجيش العراقي دمر ثم سرحته قوات الاحتلال الامريكية عام 2003 .

وتقع مسؤولية المعركة الداخلية الجارية ضد التمرد العنيد اضافة الى الدفاع الخارجي على عاتق قوة أمنية تقول الحكومة ان قوامها نحو 900 الف فرد تلقت معظم تدريبها على يد الامريكيين لكنها ليست مجهزة بالعتاد الكامل للاضطلاع بهذه المهمة.

وقال اللواء حامد المالكي قائد طيران الجيش العراقي ان القوات العراقية مستعدة لكنها بحاجة الى المساعدة مرددا ما يشعر به الكثير من القادة العراقيين. وأضاف أن القوات العراقية بحاجة الى مساعدة كبيرة للغاية.

وقال مسؤول عسكري أمريكي انه في الصيف الماضي أرسلت ايران جارة العراق زورقا سريعا الى المياه العراقية في الخليج لتختبر دفاعات بغداد. وكانت استجابة القوات العراقية جيدة فطاردت الزورق لاخراجه دون تصعيد التوتر. بحسب رويترز.

وتحملت هذا العام قوات البحرية ومشاة البحرية وقوامها نحو 4100 فرد مسؤولية حراسة 35 ميل بحري مربع وهو الجزء الذي يخص العراق من الخليج علاوة على مرافيء تصدير النفط التي تمثل عصب الاقتصاد.

ويرى محللون ومسؤولون عسكريون أنه بغض النظر عن التوغلات البحرية الايرانية فان التهديدات التي تمثلها المنطقة محدودة اذ لايزال العراق تحت جناح الولايات المتحدة.

وقال جوست هيلترمان المحلل بالمجموعة الدولية لمعالجة الازمات "لا أرى بصراحة أي تهديد خارجي للعراق وهذا يعني أن الجيش العراقي لديه الوقت لتطوير نفسه اكثر."

ربما يكون هذا مبعث راحة. وفي منطقة تزخر بالاسلحة المتقدمة لا يمثل عراق ما بعد الغزو ثقلا. وبعد أن وزع صدام أسطول طائراته المقاتلة القوي على دول أخرى او دفنه في الصحراء يعتمد العراق على ثلاث طائرات طراز سيسنا مزودة بصواريخ هيلفاير وبضع طائرات هليكوبتر مقاتلة.

وفي العام الحالي طلب العراق 18 طائرة امريكية طراز (اف-16) قيمتها ثلاثة مليارات دولار لكنه لن يتسلمها الا بعد سنوات. وقال اللواء انور احمد قائد سلاح الجو العراقي انه سيجري طلب 18 طائرة أخرى من نفس الطراز العام القادم.

بالمقارنة تملك اسرائيل 417 طائرة مقاتلة أغلبها (اف-16) في حين تملك السعودية اسطولا من 245 طائرة وايران 290 وفقا لما تقوله مؤسسة (اي.اتش.اس) جينز للمعلومات الدفاعية.

واشترى العراق 140 دبابة من طراز (ام1.ايه1) ابرامز ويملك في المجمل 190 دبابة. لكن اسرائيل تملك 2990 وايران 1895 .

وكان مسؤولون عراقيون قالوا انهم لن يستطيعوا الدفاع عن مجالهم الجوي قبل عام 2020 . ولا يوجد اتفاق دفاع رسمي بين واشنطن وبغداد يحل محل الاتفاق الحالي الذي ينتهي في 31 ديسمبر كانون الاول لكن الولايات المتحدة تقول انها مازالت ملتزمة بتأمين العراق.

وقال كريج كافري المحلل في مؤسسة (اي.اتش.اس) جينز "اذا تدهورت الاوضاع لا أتوقع أن تقف الولايات المتحدة مكتوفة الايدي. انا واثق أنها ستتدخل."

وفي ظل عدم وجود قوة جوية على أرض العراق فان اي توغل امريكي في المجال الجوي العراقي سيكون من قاعدة بالمنطقة او سفينة في الخليج مما يعني حدوث تأخير خطير.

وحين حل الحاكم المدني الامريكي للعراق بول بريمر ما تبقى من جيش صدام وعدة اجهزة أمنية أخرى في مايو ايار 2003 أقال بالفعل 400 الف شخص دفعة واحدة.

بعد ذلك بشهرين بدأ الجيش الامريكي تجنيد قوات للجيش العراقي الجديد على وعد بتوفير الطعام والمسكن والرعاية الطبية بالاضافة الى 60 دولارا في الشهر.

اليوم تقول الحكومة العراقية انها عينت 650 الفا بالشرطة و 250 الفا بالجيش. ويقول مسؤولون أمريكيون ان الارقام أقل فيبلغ عدد افراد الشرطة نحو 450 الفا وعدد أفراد الجيش 192 الفا فيما يبلغ قوام القوات الخاصة 5100 فرد والقوات الجوية ستة الاف فرد وقوات البحرية ومشاة البحرية 4100 فرد.

وفشلت واشنطن وبغداد في التوصل الى اتفاق يبقى بموجبه الاف المدربين العسكريين في العراق. وتدعو الخطة الحالية الى أن يعمل 700 مدرب مدني على الاقل مع القوات العراقية في مجال تنسيق الدفاع والمهارات على طائرات (اف-16) ودبابات أبرامز وغيرها من المعدات.

وقال اللواء احمد ان تدريب الطيارين واعدادهم لاستخدام هذه المقاتلات سيستغرق ما بين ثلاثة وأربعة أعوام وأضاف أن جانبا كبيرا من التدريب سيجري في الولايات المتحدة فيما سيجري جزء صغير في العراق.

ولايزال العراق ساحة معركة كبرى لتنظيم القاعدة والجماعات المتعاطفة معه علاوة على الميليشيات الشيعية المتناحرة والتي تنفذ مجتمعة عشرات التفجيرات والهجمات الاخرى كل شهر. ويتفق القادة العسكريون الامريكيون والعراقيون على أن المتشددين تضرروا كثيرا على مدى سنوات من الصراع ولا يمثلون تهديدا حقيقيا للحكومة.

ويرى محللون أن مصدر القلق الاكبر يكمن في الخلافات الداخلية المستمرة بشأن مدينة كركوك الغنية بالنفط والتي تتنازع بغداد عليها مع منطقة كردستان شبه المستقلة فضلا عن الخلافات داخل القوات العراقية.

ويتوسط الامريكيون بين القوات الكردية والعراقية منذ الغزو. وتزخر قوات الشرطة والجيش بالخصومات الطائفية والعرقية اذ لا يشعر السنة والشيعة والاكراد بالراحة في العمل معا في دولة يقودها الان الشيعة وكان يحكمها السنة في عهد صدام.

وقال هيلترمان "الزعماء الجدد لا يثقون بالسنة على سبيل المثال ويعتبرونهم عناصر من النظام السابق. طابور خامس محتمل." وأضاف "لم يكن هذا ليحتل أهمية لو لم يكن هناك صراع داخلي تتجلى فيه هذه الانقسامات. لكن اذا بدأت أشياء تحدث فقد نشهد انقسامات بالجيش... لا أتوقع هذا الان ولكنني سأعتبره مسألة نحترس منها ونقلق بشأنها."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/كانون الأول/2011 - 18/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م