المانحون الجدد... خارطة جديدة للإغاثة الإنسانية

متابعة: هبة الموسوي

 

شبكة النبأ: في ظل التغيرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي وصعود قوى اقتصادية ناشئة، يشهد مجال الإغاثة الإنسانية بدوره تغيراً ملحوظاً في موازين القوى. اذ تحاول بعض الدول المانحة من خلال مساعداتها لدول نامية صد تأثيرات سياسية لمنافسيها على الموارد المتنوعة لدول العالم الثالث، وتأمين الحصول على الموارد الطبيعية من تلك الدول بصورة اخرى.

بينما تكشف ورقة توزيع الجغرافي للمساعدات تلك الغايات بصور متعددة، تبين فيها مقدار المساعدة الممنوحة ونوع البلدان المستفيدة من هذه المنح. في الوقت نفسه،  تفضل دول اخرى ان لا تُظهِر في تصنيفات معتمدة  شفافية المعونة المقدمة من قبلها حتى الآن، مراعاة لميزان التنافس الذي وصل الى ميدان المنح الانسانية ايضا.

ولكن الإحصائيات الجديدة المقرة تكشف عن ذلك بصورة اخرى ، اذ تشهد ساحة المعونات الانسانية الكثير من الاهتمام بمعرفة تفاصيل المنح والمساعدات وهوية البلدان المستفيدة، وعلى الرغم من أنه لم يتم بعد وضع اللمسات الأخيرة على الترتيب العالمي للدول المانحة، إلا ان وجوها جديدة تظهر بفخر في مجال الاغاثة الانسانية بما تقدمه من عطاء ولن تحتل ذيل القائمة.

المانحين الجدد

اذ قدمت البرازيل 35,6 مليون دولار في شكل مساعدات إنسانية عام 2010 بالإضافة إلى 4 مليار دولار كمساعدات خارجية، وهو ما يوازي المساهمات المقدمة من قبل السويد أو كندا.و شهدت المساعدات الإنسانية المقدمة من طرفها ارتفاعاً ملحوظاً من 800 ألف دولار خلال عام 2009 إلى 36 مليون دولار خلال عام 2010. حيث قدمت 28,9 مليون دولار من المساعدات الإنسانية إلى هايتي وحدها، وتم تفعيل معظمها عبر منظمات الأمم المتحدة.

وكواحدة من أكبر الدول المنتجة للمحاصيل الزراعية في العالم، تركز البرازيل على التبرعات العينية، كما تقدم مساعدات فنية كبيرة في مجالات الزراعة والصحة والتعليم. وبصورة عامة، تبلغ المساعدات الخارجية التي تقدمها البرازيل حوالي مليار دولار سنويا، طبقاً للمعهد البرازيلي للبحوث الاقتصادية التطبيقية، وهو ما يضعها في نفس مستوى الهند والصين اللتين قدمت أولاهما ملياراً واحداً و ثانيهما مليارين اثنين من المساعدات الإنسانية خلال عام 2006.

وتذهب معظم المساعدات التنموية للبرازيل إلى الدول الناطقة بالبرتغالية مثل موزنبيق وتيمور الشرقية وغينيا بيساو وأيضا إلى بعض دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي مثل هايتي وباراغواي وغواتيمالا.

الاسرع استجابة

الى ذلك، أعلنت الهند عن تقديمها مساهمات بقيمة 56,5 مليون دولار كمساعدات إنسانية منذ عام 2005 على الرغم من أن ذلك لا يشمل المساعدات غير المعلن عنها إلى بوتان ونيبال. وتذهب غالبية المساعدات الهندية إلى دول جنوب آسيا (76 بالمائة)، إلا أن نسبة المساعدات المقدَّمة إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية تشهد بدورها ارتفاعاً ملحوظاً (3 و 4 بالمائة على التوالي). وتشمل الدول التي تتلقى أكبر قدر من المساعدات الهندية في جنوب آسيا كلاًّ من باكستان كانت الهند أكبر جهة مانحة حكومية لباكستان عند حدوث فيضانات عام 2010  وأفغانستان وسريلانكا وبنجلاديش. وتشكل الهند أكبر جهة مانحة حكومية لباكستان إثر فيضانات عام 2010 (25 مليون دولار)، كما شكلت أيضاً إحدى الجهات المانحة الكبرى لباكستان إثر زلزال عام 2005 (40 مليون دولار).

وتشكل المساعدات العينية بما فيها الأغذية والأدوية (حيث تعتبر الهند ثالث أكبر مصنع للدواء في العالم) قنوات المساعدات المفضلة لدى الهند. وتفتخر نيودلهي بسرعتها في الاستجابة للكوارث حيث كانت مثلاً من أوائل الجهات المانحة لجهود الإغاثة إثر تسونامي الذي ضرب المحيط الهندي عام 2004 وزلزال هايتي عام 2010.

وتعتبر وزارة الشؤون الخارجية الجهة الرئيسية للمساعدات الإنسانية في الهند، ولكن الهيئات المختلفة المعنية بعمليات المساعدات تساهم بدورها في خلق قنوات خاصة لتوصيل المساعدات.

ويعيش حوالي 40 بالمائة من سكان الهند على أقل من 1,25 دولار في اليوم. وعلى الرغم من كون الهند جهة مانحة إلا أنها كانت ثامن أكبر متلقي للمساعدات الإنمائية الرسمية خلال عام 2008 (2,1 مليون) والرابعة بشكل عام خلال الفترة من 1995 حتى 2009.

اكبر مساهم غير غربي

في سياق متصل،  تسعى روسيا للظهور بمظهر الجهة المانحة في مجال المساعدات الإنسانية والإنمائية. حيث قدمت خلال السنوات الخمس الماضية 140 مليون دولار، معظمها لدول تقع في نطاق مصالحها المباشرة مثل طاجيكستان وأوكرانيا وقيرغستان. وتقوم وزارة الدفاع المدني والطوارئ في الإتحاد الروسي بإدارة المساعدات الإنسانية الروسية.

ويلاحظ ان  روسيا غالبا ترغب بالدخول في شراكات مع حكومات غير غربية في مجال المساعدات الإنسانية، حيث أنها انضمت إلى فنزويلا مثلاً لتقديم المساعدات الغذائية إلى هايتي في عام 2010. وتعتبر روسيا أكبر مساهم غير غربي لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا) على الرغم من أنها لم تنضم إلى فريق دعم المانحين، الذي يضم الشركاء الحكوميين الرئيسيين لأوتشا، إلا مؤخراً.

من المقرر أن تقوم جنوب أفريقيا بإنفاق حوالي 3.5 مليون دولار على المساعدات الإنسانية خلال عام 2011، وفقاً لميزانية عام 2010. وتعمل مجموعة الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا، وهي مبادرة ناشئة تقودها جزئياً جنوب أفريقيا، بالتأثير على صياغة السياسة الخارجية مركزة على مبدأ التعاون الإقليمي خصوصا في المجالات المرتبطة بالتنمية.

وتوجد معظم الدول المستفيدة من المساعدات المقدمة من جنوب أفريقيا داخل مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي. ويعتبر صندوق النهضة الأفريقية، الذي تديره إدارة التعاون والعلاقات الدولية، القناة الرئيسية للمساعدات. وقد ساعد الصندوق في تمويل جهود حل النزاعات وحفظ السلام في بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي. وتخطط جنوب أفريقيا لإطلاق وكالة معونة خاصة بها تحت اسم وكالة الشراكة التنموية لجنوب أفريقيا تمكنها من تقديم إطار عمل جديد لمبادرات المعونة الخاصة بها.

بينما تعتبر كوريا الجنوبية الجهة المانحة الوحيدة غير الغربية التي دخلت في جميع المنتديات المعنية بتحديد السياسات والمعايير الإنسانية المتعددة الأطراف. حيث انضمت إلى لجنة المساعدات الإنمائية في بداية عام 2010، والتزمت بمبادئ المنح الإنسانية الجيدة وانضمت إلى فريق دعم المانحين التابع لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

اذ ساهمت بمبلغ 114 مليون دولار كمساعدات إنسانية خلال 5 سنوات، وفقاً لنظام التتبع المالي للأمم المتحدة، ذهب معظمها إلى آسيا وحصلت كوريا الشمالية على نصيب الأسد، على الرغم من أن المبلغ الحقيقي الذي حصلت عليه هذه الأخيرة قد يكون أكبر بكثير من مبلغ الستين مليون دولار المعلن عنه.

التنين الصيني

من ناحية اخرى، تحصل أفريقيا على النصيب الأكبر من المساعدات الصينية، تليها آسيا وأمريكا اللاتينية، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه من السهل تحديد التفاصيل الدقيقة لميزانية المساعدات الإنسانية الصينية، وفي هذا السياق، يسعى سفين غريم وزملاؤه من جامعة ستيلينبوش في جنوب أفريقيا إلى تقييم مدى الغموض الفعلي الذي يكتنف المساعدات الصينية للقارة الأفريقية.

وبدأت محاولتهم هذه أثناء رحلة ميدانية إلى رواندا عندما طرحوا أسئلة حول حجم المساعدات الصينية المقدمة لهذا البلد. ولكن ما توصلوا إليه، حسب غريم، جعلهم يقتنعون أن "الكثير من الناس الذين ينبغي أن يعرفوا حقيقة الموضوع لا يعرفونها في واقع الأمر".

كما أنهم وجدوا الشيء نفسه في الصين نفسها في البداية، عندما سألوا المسؤولين الصينيين، وأعضاء المراكز البحثية والأكاديميين العاملين في مجال العلاقات الصينية الأفريقية. حيث لم تجب أيّاً من الردود التي حصلوا عليها على أسئلتهم، وهو ما أوضحه غريم بقوله: "عادة ما يكون رد الفعل الأول هو: نحن لا نعرف. عليك أن تسأل الحكومات الأفريقية".

ولكن بمجرد أن تبدأ في تقصي الحقيقة، ستكتشف وجود معلومات أكثر مما كنت تعتقد، حسب غريم. ويقدم تقريره الذي نشر حديثاً حول شفافية المساعدات الصينية دليلاً للباحثين، ويوفر معلومات مفصلة حول أماكن البحث ونوعية المعلومات التي قد يجدونها. وتلجأ الحكومة إلى طباعة كتب إحصائية سنوية، مثل تقويم العلاقات الخارجية والتجارية الصينية، الذي يوفر أرقاماً إجمالية حول مجموع المساعدات الخارجية، كما يوفر التقرير الإحصائي السنوي عن تجارة الصين واقتصادها الخارجي بيانات تندرج تحت ثلاث فئات تتمثل في المشاريع الهندسية وخدمات العمل والتصميم والاستشارات.

كما يقوم بنك التصدير والاستيراد الصيني بنشر تقارير سنوية تتضمن معلومات هامة عن القروض الميسرة التي يقدمها، مثل أسعار الفائدة العادية (2 - 3 ٪) وفترات السداد (15 - 20 سنة مع فترات سماح تتراوح بين 5 و7 سنوات).

وكان أكثر الإجراءات فائدة هو نشر ورقة مرجعية في أوائل عام 2011 بعنوان "سياسة المعونة الصينية" شكلت توجهاً صينياً جديداً. وبالإضافة إلى كونها علامة على مزيد من الانفتاح، حيث تبين أنه تم تخصيص حوالي 45,7 بالمائة من هذه المساعدات لأفريقيا التي تشكل أكبر مستفيد من المساعدات الصينية، و32,8 لآسيا، و 1,7 بالمائة لأمريكا اللاتينية ودول الكاريبي. كما تم تخصيص حوالي 39,7 بالمائة لأقل البلدان نمواً، و11 بالمائة للبلدان ذات الدخل المتوسط والمرتفع، وهي بلدان قد تتساوى في مستوى المعيشة مع الصين أو ربما تكون أفضل حالاً منها.

كما ذكر المستند أيضاً أكثر من 2,000 مشروع "مكتمل" تم تنفيذها في الخارج بنهاية عام 2009، موزعة حسب القطاع بما فيها المشاريع الزراعية، والمستشفيات، والمصانع والبنية التحتية للنقل، والملاعب الرياضية المنتشرة في كل مكان. وهذا يدل على أن البيانات موجودة بكل تأكيد وهناك من يتولى تجميعها، حسب غريم.

ولكن ما لا يتم الحصول عليه، حسب غريم، هو التحديث المنتظم للبيانات، فهي "متناثرة، غير مجمَّعة في تقرير سنوي واحد. وعندما يتعلق الأمر بالتقسيم القُطري، تظهر هناك العديد من المعوقات".

هذا هو موطن الغموض الحقيقي في المساعدات الصينية. من الصعب جداً الإجابة على سؤال يبدو بسيطاً مثل "كم حجم المعونات التي تقدمها الصين إلى رواندا؟" مثلاً، إذ لا يتم أبداً نشر البيانات الخاصة بكل بلد، وهو ما تم تأكيده لغريم وزملائه عبر جملة: "نحن نعرفها، ولكننا لا نشرها".

ولكن الصين لا تبدو الوحيدة التي لا توفر تفاصيل عن المساهمات القطرية. فالجهات المانحة المشاركة في لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تنشر إحصاءات مفصلة عن المساعدات التي تقدمها غالباً ما تتسم هي الأخرى ببعض التحفظ بشأن الوجهة النهائية للأموال، وهذه إحدى القضايا المطروحة على طاولة المنتدى السنوي حول فعالية المعونة، الذي سينعقد في مدينة بوسان في كوريا الجنوبية.

وفي هذا السياق، تقاسم الباحثون الصينيون الذين يشعرون أيضاً بالإحباط من هذا الموضوع، نصائح مشتركة مع فريق جامعة ستيلينبوش. وتضمنت نصائحهم، بالإضافة إلى سؤال المستفيدين الأفارقة، انتظار زيارة مسؤول صيني رفيع المستوى إلى البلد المعني، لأن الكلمات التي يتم إلقاؤها في مناسبة مثل هذه غالباً ما تشمل إحصاءات لم يتم نشرها من قبل، كما أنها تمثل الوقت المناسب لطرح الأسئلة.

ولكن لماذا يتصرف الصينيون بكل هذا الخجل؟ بالتأكيد بسبب الخوف من الضغوط التنافسية، حسب غريم. فهم لا يريدون أن تتساءل بعض الدول المستفيدة عن سبب حصول غيرها على أكثر مما تحصل عليه هي. كما قد يعود السبب ربما إلى المقارنات بالجهات المانحة الأخرى؟ فالصين دولة مانحة متواضعة من حيث إجمالي الإنفاق، لا ترقى نهائياً إلى مستوى الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة. وربما أيضا بسبب وجود مشاكل مع مواطنيها، بما في ذلك النقاد على شبكة الانترنت الذين يسارعون بتوجيه السؤال التالي: لماذا يتعين على الصين أن تمنح أموالاً لدول أجنبية بدلاً من مقاطعاتها الأكثر فقراً وأقل نمواً.

من جهتها، أفادت كارين كريستيانسن، مديرة حملة "انشر ما تمول"، والتي تناضل من أجل مزيد من الشفافية في مجال المساعدات، أن الصين ليست الدولة الوحيدة التي تخشى من أن تثير المعلومات الخاصة بالمساعدات الإنسانية ردود فعل محلية عنيفة. وأضافت أنه "لا يزال هناك خوف بين المانحين الغربيين من أن إبلاغ الناس بالكثير من المعلومات قد يثير ارتيابهم. أعتقد أن الكثير من الدول الغربية المانحة استغرقت وقتاً طويلاً لاكتشاف أن شفافية مساعداتها تشكل بالفعل طريقة لبناء الدعم وليس وسيلة لتقويضه". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

وتحاول منظمة كريستيانسن تقييم شفافية المساعدات الصينية على نفس الأساس الذي تستخدمه لتقييم البلدان المشاركة في لجنة المساعدات الإنمائية. ولكن هذا أمر صعب لأن الإحصائيات غير قابلة للمقارنة، فالصين تدرج تحت بند "المعونة" بعض الأشياء التي لا تدرجها دول لجنة المساعدات الإنمائية والعكس صحيح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/كانون الأول/2011 - 15/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م